يبدأ لبنان، الأحد، تلقيح بعض الفئات المستهدفة، ضدّ كورونا، مع انطلاق "البرنامج الوطني للتحصين"، وذلك باستخدام لقاح "فايزر". وهي الحملة التي ينتظرها كثيرون، لا سيما القطاعات الاقتصادية
دخل لبنان مرحلة مواجهة فيروس كورونا الجديد من بوابةِ حملة التطعيم التي ينظر إليها القطاع الصحي باعتبارها المنقذ المأمول، في ظلّ استمرار ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات يومياً، والمخاوف الجدية من التفشي السريع للسلالة البريطانية الجديدة المتحوّرة للوباء، التي شكّلت في الفترة الأخيرة الجزء الأكبر من الإصابات المُسجَّلة، بحسب وزير الصحة حمد حسن.
ووصل لقاح شركة "فايزر" الأميركية إلى لبنان أمس السبت فيما تنطلق الحملة رسمياً اليوم الأحد من السرايا (مقر الحكومة اللبنانية)، ليبدأ تنفيذ الخطة، التي سميت "البرنامج الوطني للتحصين" غداً الإثنين.
حجز لبنان أكثر من مليونين و700 ألف جرعة من اللقاحات، ليحصل عليها وفق أربع مراحل. وفي وقتٍ لم يحسم رئيس اللجنة الوطنية لإدارة اللقاح ضد كورونا، الدكتور عبد الرحمن البزري، مسألة تلقي الرؤساء الثلاثة ميشال عون، ونبيه بري، وحسان دياب اللقاح في افتتاح الحملة، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ اللقاح سيشمل بدايةً الجسم الطبي، والمُسنّين الذين سجّلوا أسماءهم في المنصّة الإلكترونية المفتوحة للمواطنين لتسجيل أسمائهم للقاح، وسيفتتح أولاً أربعة أو خمسة مراكز للتلقيح قبل توسيع العدد، لمراقبة الترجمة الميدانية للتدريبات وشفافية العملية، والمناورات التي سبق للمراكز إجراؤها تحضيراً لكيفية إعطاء اللقاح. يضيف: "من المرتقب أن يصل عدد مراكز التلقيح بين الأحد (اليوم) والثلاثاء (بعد غد) إلى 16 أو 17 مركزاً في مختلف المناطق اللبنانية، على أن تزيد تدريجياً وتلامس الأربعين، عند وصول دفعات أكثر من اللقاحات". ويلفت البزري إلى أنّ المراكز الأربعة الأولى المؤكدة حتى اليوم ستكون كلّها في أربعة مستشفيات في بيروت هي: "رفيق الحريري" و"الجامعة الأميركية" و"أوتيل ديو" و"الروم" وستجرى متابعة الجهوزية وآليات العمل، للبناء عليها في المراحل المقبلة.
يكشف البزري أنّه ستكون هناك وحدات نقّالة في مختلف المناطق اللبنانية بهدف إعطاء اللقاح للفئات التي لا يمكنها التوجه إلى المراكز، فعلى سبيل المثال، ستُخصَّص وحدة نقّالة للمسنين، في مستشفى دار العجزة الإسلامية، وكذلك في دير الصليب (مستشفى الصليب للأمراض العقلية والنفسية) وغيرها من الجمعيات والمؤسسات. ويوضح أنّ اللقاحات ستُخزَّن خلال المرحلة الأولى في مستشفى "رفيق الحريري" حيث تتوفر برادات بدرجة 80 تحت الصفر، كذلك هناك 20 براداً يمكن اللجوء إليها لاحقاً، وربما أكثر، ولن تكون هناك أيّ مشكلة في نقل اللقاحات، إذ ستجرى العملية بواسطة سيارات مبرّدة، وفق الحرارة المحددة. يشير البزري إلى أنّ تلقي اللقاح غير إلزامي، إذ إنّ هناك حرية للفرد باتخاذ القرار، كما أنّ اللقاح مجاني عن طريق وزارة الصحة العامة، متحدثاً عن أهمية خطة التلقيح للحماية المجتمعية، وتوجيه المواطن ومتابعته في مراحل التلقيح ومراقبة الآثار السلبية للعملية.
من جهته، يقول نقيب الأطباء في لبنان، الدكتور شرف أبو شرف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأكثرية الساحقة من الأطباء سجّلوا أسماءهم، سواء عبر المنصة التي وضعتها وزارة الصحة أو النقابة أو في المستشفيات التي يعملون فيها، لتلقي اللقاح وعددهم بالآلاف، ونحن متفائلون جداً بوصوله إلى لبنان، خصوصاً أن لا خيار آخر لدينا الآن، وقد أظهرت التجارب مدى فعاليته، وأعداد الإصابات مرتفعة جداً والوفيات وصلت إلى 27 في الطاقم الطبي وحده. من هنا أهمية تلقي العاملين في الجسم الطبي اللقاح للاستمرار والصمود لمواجهة فيروس كورونا ومعالجة المرضى المصابين به والبقاء ضمن الصفوف الأمامية في هذه المعركة التي قاربت السنة منذ تسجيل أول إصابة في لبنان في 21 فبراير/ شباط 2020". ومن المتوقع أن يحصل نحو 55 ألف شخص من العاملين في الرعاية الصحية والقطاع الطبي والتمريضي على اللقاح، ضمن الفئات الأولى، صاحبة الأولوية، نظراً لوقوف هؤلاء في الصفوف الأمامية لمواجهة كورونا، وعملهم مباشرة مع المرضى المصابين، وفي غرف العناية المركزة، ولتعرضهم يومياً لخطر الإصابة، نسبة إلى الاحتكاك المباشر مع المصابين، لا سيما كبار السنّ، ويعانون من أوضاع صحية دقيقة تستوجب التلقيح. ويلفت أبو شرف إلى أنّ "المراكز التي يُطلب منها إعطاء اللقاحات لها الإمكانات البشرية والعملية والعلمية الكافية لأداء العملية، كما لديها البرادات اللازمة للحفاظ على جودة اللقاح، ويبقى أن نرى في الأيام القليلة المقبلة التنفيذ على الأرض من جانب اللجنة المختصة بالحملة".
وبحسب وزارة الصحة، فإنّ اللقاح يستهدف في المرحلة الأولى من هم أكثر عرضة للخطر بحسب وظيفتهم، ومكان عملهم، وأعمارهم، وحالتهم الصحية. وقالت الوزارة إنّ المرحلة الأولى لعملية التلقيح التي تبدأ اليوم تستهدف العاملين في القطاع الصحي العام والخاص الذين هم في الخطوط الأمامية لمكافحة الفيروس، وكبار السن، أي من هم في سنّ 65 عاماً وما فوق بغض النظر عن حالتهم الصحية، والأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 55 عاماً و64 ويعانون من أمراض مزمنة. أما المرحلة الثانية، فتستهدف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 55 عاماً و64 بغض النظر عن حالتهم الصحية، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة من الفئات العمرية الأخرى، والعاملين الصحيين الذين لم تشملهم المرحلة الأولى. وتستهدف المرحلة الثالثة العاملين في القطاعات الحيوية، فيما تستهدف الرابعة جميع الأشخاص الراغبين في أخذ اللقاح عندما يصبح متوفراً.
وفي معرض ردّها على أسئلة المواطنين الشائعة، أشارت وزارة الصحة إلى أنّه كما غالبية اللقاحات التي تُعطى في العضل، هناك بعض الآثار الجانبية المتوقع حدوثها، مثل الاحمرار، والألم مكان إجراء الحقنة، وقد يحدث في بعض الحالات ارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم خلال أول 48 ساعة، وشعور بالتعب والصداع، وألم في العضلات، وفي حالات شبه نادرة لوحظ حصول ردات فعل تحسّسية. وشددت وزارة الصحة على ضرورة الالتزام بالمواعيد الخاصة بالتلقيح لضمان الحصول على مستوى المناعة المطلوب والاستفادة القصوى من اللقاح.
تجدر الإشارة إلى أنّ لبنان حجز مليونين و730 ألف جرعة من اللقاحات من خلال منصة "كوفاكس"، ولم تحدد اللقاحات، إذ قد تكون "فايزر" أو غيره، وذلك لنحو 20 في المائة من السكان، وجرى التفاوض مع شركة "أسترازينيكا" البريطانية - السويدية، لحجز مليون ونصف مليون جرعة من لقاحها الذي طورته مع جامعة "أوكسفورد" البريطانية، ومن المتوقع وصولها في مارس/ آذار المقبل. كذلك، وافقت اللجنة العلمية الفنية التي شكلها وزير الصحة للبحث في تسجيل لقاحات مقدَّمة من القطاع الخاص على السماح بإصدار إذن طارئ للقاح "سبوتنيك في" الروسي على أن يجرى استيراده حصراً من قبل مستودع أدوية مجاز.
وكان الإقبال ضعيفاً على المنصة التي وضعتها وزارة الصحة العامة للمواطنين لتسجيل أسماء الراغبين في الحصول على اللقاح، نظراً لمخاوف السكان من أيّ أعراض محتملة يمكن أن يتركها اللقاح على الجسم، وتريّث البعض حتى بدء عملية التلقيح ومراقبة آثاره الجانبية، في ظلّ عدم ثقة قسم من اللبنانيين بكلّ ما يحكى عن فيروس كورونا الجديد ولقاحاته، فضلاً عن عدم ثقة القسم الأكبر من اللبنانيين بالدولة وأجهزتها، وقدراتها على المحافظة على سلامة اللقاح نظراً لشروط تخزينه التي تتطلّب دقة عالية، مع ما تملك السلطات اللبنانية من تجارب سيئة على صعد مختلفة تشوبها عمليات فساد.
وعمدت المراجع المعنية من وزارة الصحة واللجان المختصة والطواقم الطبية وغيرها إلى حثّ المواطنين على تلقي اللقاح، والإضاءة على إيجابيات الخطوة، وإطلاق حملة لنشر التوعية حول اللقاحات والتجارب الدولية التي أثبتت فاعليتها، كما ملاحقة الأخبار الزائفة التي تشوّه صورة اللقاح وتبثّ شائعات ومفاهيم خاطئة حوله بما يزيد من تردد الناس في الحصول عليه.
وبالعودة إلى البزري، يؤكد أنّ "الإقبال على المنصة اختلف بمرور الوقت، وتخطى 500 ألف شخص ممن سجّلوا أسماءهم للحصول على اللقاح، والتعويل يبقى على الأيام المقبلة، التي ستشهد ورشة عمل مكثفة، مع الأمل في أن تشمل اللقاحات النسبة الأكبر من اللبنانيين لتحقيق الغاية المرجوة منها والسيطرة على الوباء بالوصول إلى مناعة مجتمعية".