لمن يصوّت شباب تركيا في انتخابات مايو؟

01 فبراير 2023
من مشاركة أردوغان في تجمع شبابي (مراد سيتينموهوردار/الأناضول)
+ الخط -

بدأت الأحزاب التركية إيلاء فئة الشباب أهميّة متزايدة قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستشهدها البلاد في 14 مايو/أيار المقبل، لما لهذه الشريحة من دور مجتمعي مؤثّر وثقل انتخابي.

ويتجاوز من يحق لهم التصويت من الشباب الستة ملايين من إجمالي ما يسمى "الجيل زد" والذي يقترب، وفق هيئة الإحصاء الرسمية، من نحو 13 مليون شخص.
وقد تكون نتائج استطلاعات الرأي، التي تتفاوت كل مرة، المحرّض الأكبر للأحزاب، لتفنيد النسب وتحليلها ومحاولة تلبية مطالب الشباب الأتراك التي تتركز على الحريات ومكافحة الغلاء الذي حد من تلبية مطالبهم وتحقيق أمنياتهم. 
وفاجأ آخر استطلاع رأي أعدّه مركز "ORC" للأبحاث، والمعروف باستطلاعاته الانتخابية، حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد تراجع نسبة الشباب المؤيدين الحزب وانزياحهم نحو أكبر الأحزاب المعارضة، مثل "الشعب الجمهوري" و"الجيد".

شمل الاستطلاع 1550 شاباً من الجيل "Z" دون سن الـ25، مركزاً على سؤال محوري: "لمن ستصوت خلال الانتخابات المقبلة؟". وجاءت النتائج أن من سيصوت لحزب الشعب المعارض هو 21.7 في المائة، ونال حزب الجيد المعارض ما نسبته 17.4 في المائة من أصوات المستطلعين، في حين لم يحصل حزب العدالة والتنمية الحاكم سوى على 13.1 في المائة من أصوات الشباب المستطلعة آراؤهم. ولم تزد نسبة المصوتين لحزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية عن 7.4 في المائة، لتنال بقية الأحزاب، الشعوب الديمقراطي، الظفر، المستقبل، الديمقراطي والتقدم، نسباً ما دون الـ5 في المائة.

كان لتحول تركيا عن الفكر "الكمالي العلماني" دور في تغير آراء الشباب

يرى المقرّب من حزب الشعب الجمهوري، شوكت أقصوي، أن استطلاعات الرأي "ستتبدل كثيراً ريثما يأتي موعد الانتخاب"، ولكن الملاحظ تراجع شعبية الحزب الحاكم بين فئة الشباب. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع الاقتصادي ووضع الحريات هما محركا الشباب، وتركيا تعيش وضعاً سيئاً على كلا الجانبين".

ولا ينكر أقصوي أن لتحول تركيا عن الفكر "الكمالي العلماني"، للعيش كما النموذج الأوروبي، دور في آراء الشباب الذين يتطلعون للحريات، معتبراً أن الاختلاط مع المجتمع الشرق أوسطي خلال العقد الأخير زاد من رغبة الشباب بالعودة للفكر العلماني والحريات، لافتاً إلى أن تلك الرغبة موجودة حتى ضمن الشباب المحسوبين على حزب العدالة والتنمية.
وتتراجع شعبية الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" لدى فئة الشباب باضطراد. وبحسب استطلاع أعدّته شبكة "سي أن أن" تورك، تراجعت نسبة الشباب المؤيدين الحزب من 49 في المائة خلال الانتخابات الأخيرة إلى نحو 38 في المائة وفق استطلاعات اليوم.
وكان رئيس شركة "جيزيجي" لاستطلاعات الرأي، مراد جيزيجي، قد أكد أن الناخبين الشباب يشعرون بالغضب من الحكومة بشكل عام، لكنهم لا يتمسكون بفكر معين ولا يثقون تماماً بالمعارضة، وأن استطلاعات الرأي التي قامت بها شركته دلت على أن الناخبين من الجيل Z، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و25 سنة، يعارضون بشدة قمع أنماط الحياة وحرية التعبير ووسائل الإعلام، و"لن يصوت 80 في المائة من هذا الجيل لصالح حزب العدالة والتنمية".
ويقول الشاب مصطفى آكاي (19 سنة)، الذي يدرس برمجة الحاسوب، إن الشباب الأتراك يعانون معيشياً اليوم، ما يمنعهم من امتلاك ما يرغبون به أو تحقيق تطلعاتهم، مشيراً إلى غلاء الأجهزة الإلكترونية، إذ أن حكومة بلاده تفرض ضرائب كبيرة على الإلكترونيات، قائلاً إنه لن يصوت لحزب العدالة والتنمية الحاكم. يضيف لـ"العربي الجديد" أن السيارة، على سبيل المثال، باتت حلماً للشباب الأتراك اليوم بعد ارتفاع الأسعار. وتلك المسائل حقوق وليست ترفاً أو رفاهية. "لو عملت عشرة أعوام، فلا يمكنني توفير ثمن سيارة، بل بالكاد أستطيع سد نفقات الحياة".

طلاب أتراك يتظاهرون ضد ارتفاع بدلات الإيجار (جيزيم أتماسا/ Getty)
طلاب أتراك يتظاهرون ضد ارتفاع بدلات الإيجار (جيزيم أتماسا/ Getty)

بدوره، يتحدث إيمري باشاران (19 سنة)، الذي يستعد لدخول الجامعة، عن تردي الوضع المعيشي قائلاً: "أخجل من أهلي حين آخذ المصروف لأنني بلا دخل، والنفقات والغلاء مستمرة. لذلك، لن أصوت لحزب العدالة لأنه أفقرنا"، لافتاً إلى "عدم تنفيذ الوعود التي تطلقها الحكومة التركية. يقولون ستتحسن الليرة والمعيشة بينما يزداد الوضع سوءاً".
وتقول بوكيت أوزجان (18 سنة) إن حزب العدالة والتنمية "يقيّد الحريات (قانون وسائل التواصل الاجتماعي) ويحاول من خلال الدين والحجاب قمع الحريات والعزف على وتر الدين لكسب المؤيدين. نحن بلد علماني ويجب ألا يستخدموا الروحانيات بالانتخابات. لن أصوت لهم".
في المقابل، تؤكد الشابة ميراي آيدن (22 سنة) أنها ستصوت لحزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان "لأنه قوي يتحدى العالم، وقد نقل تركيا إلى مصاف الكبار"، مشيرة إلى أن والدها شرح لها التحديات التي تواجه تركيا وأن الغلاء والتضخم هما واقع عالمي. لذلك، ستصوت لمن يبقي بلدها قوية. تضيف: "تبدلت نظرتي بعدما فهمت المشهد العام".
إلى ذلك، ترى عضوة الحزب الحاكم، الباحثة عائشة نور، أن استطلاعات الرأي ستتبدل خلال الأشهر المقبلة، لأن الحزب الحاكم لم يعلن بعد عن كامل الخطط والمفاجآت، معتبرة أن التضخم والليرة والمعيشة هي أولى الاهتمامات، وسيلمس الأتراك ذلك. تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد" أن ردود أفعال الشباب "آنية ونفعية، وهذا حقهم طبعاً"، لكنها تتبدل بناء على تبدل الظروف والمعاناة، إذ قلما يهتم الشباب بالاستراتيجيات ويأخذون التحديات الدولية بعين الاعتبار. وتشير في الوقت نفسه إلى "التأثير الأيديولوجي" المستمد من البيئة والانتماء السياسي، وهذا ما يحاول حزب العدالة والتنمية الاستفادة منه وتغيير النسب عبر زيادة الرفاهية وتحسين مستوى المعيشة، وليس "عبر التحريض والنظرة النمطية كما يفعل الآخرون".

شريحة الشباب غير راضية عن تردي الواقع الاقتصادي وقمع الحريات

تعي الحكومة التركية مدى "سخط الشباب" من جراء تراجع مستوى الرفاهية والمعيشة، ما دفعها والحزب الحاكم إلى تكثيف مشاريع وفعاليات فئة الشباب، بهدف إقناع مواليد الألفية الثالثة بالتصويت في انتخابات تراها مصيرية ستشهدها تركيا في مايو المقبل. فجيل "Z" يتصدر اهتمام الساسة كما قال أردوغان خلال مهرجان الإدارات المحلية، أخيراً، بالعاصمة أنقرة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن نحو 6 ملايين شاب سيكون لهم الحق بإدلاء أصواتهم في الانتخابات.
ويرى الباحث التركي باكير أتاكجان أنّ "اللعب على أصوات شريحة الشباب" سيتعاظم خلال الأشهر المقبلة، نظراً لبلوغهم 6 ملايين ناخب من أصل نحو ستين مليوناً سيصوتون خلال الانتخابات المقبلة. فجيل "Z" برأيه، وبعيداً عن الانتخابات، هو وجه تركيا المقبل، وتلبية متطلباته يجب أن تخرج عن نفعية الأحزاب.
وحول مفهوم "Z"، يقول أتاكجان إنه الجيل الذي ولد بالألفية الثالثة "ولم يعرف حقيقة غير الرئيس أردوغان"، مشيراً إلى أنه "جيل تكنولوجي رقمي يهتم بوسائل التواصل والهواتف الذكية، إن لم نقل يدمنها ويحدد خياراته عبر القناعات المستمدة من تطور التكنولوجيا وما يضخ فيها من معلومات وأخبار". يضيف لـ "العربي الجديد": "تركيا دولة شابة، عكس أوروبا، وللشباب فيها الكلمة الأخيرة سواء بالانتخابات أو حتى بملامح التطور المنشودة وفق رؤية القرن". ويرى أن نتائج استطلاعات الرأي ستتبدل كلما اقترب موعد الانتخابات لصالح الحزب الحاكم، بعد تلبية مطالب الشباب واللقاءات المستمرة من الرئيس والحكومة والحزب، ومنح مزايا للطلاب والشباب.

في وقت يتهم بعض الشباب التركي الحزب الحاكم بارتفاع الأسعار وصعوبة الحصول على التكنولوجيا والرفاهية، والحكومة بتجاهل مطالبهم وإهمالهم، وعد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كلجدار أوغلو، في تصريحات صحافية، بحسم الضرائب عن أجهزة الألعاب والهواتف المحمولة، لاستمالة "جيل Z". كما أجرى عدة لقاءات مع الشباب عبر خاصية البث المباشر للإجابة عن أسئلتهم.
ويرى عضو حزب الشعب الجمهوري المعارض، جواد كوك، أن الشباب الأتراك لم يشهدوا أو يعانوا مشاكل كبار السن والحكومات والأوضاع الاقتصادية قبل عام 2000، فهو يقيس أداء الحكومة بحسب السنوات الأخيرة، ولأن الحكومة فاشلة اقتصادياً ومستوى المعيشة تدهور والليرة تهاوت، فهم يأخذون قراراتهم بحسب الواقع. يضيف كوك لـ"العربي الجديد" أن شريحة الشباب الأتراك "بالعام، بما فيها حواضن العدالة والتنمية، غير راضية عن تردي الواقع الاقتصادي وما وصفه بقمع الحريات، لذا جاءت نتائج آخر الاستطلاعات واقعية وتعكس اهتمام ورأي الشباب"، مشيراً إلى دور زيادة نسبة البطالة وصعوبة تأمين عمل للشباب في تناقص شعبية الحزب الحاكم.
ويتوقع كوك "خسارة العدالة والتنمية شريحة الشباب" وذهاب الأصوات إلى الأحزاب المعارضة "الشعب ومن ثم الجيد". بالإضافة إلى أهمية الاقتصاد والحريات، الأحزاب المعارضة علمانية وتكرّس أفكار مصطفى كمال أتاتورك وتلك الأفكار برأيه، إرث تركيا وموضع اهتمام وسعي شريحة الشباب.
في المقابل، يرى عضو حزب العدالة والتنمية، يوسف كاتب أوغلو، أن شريحة الشباب ستصب آراءها لصالح العدالة والتنمية. الحزب هو الذي سمح لهم بالتصويت بعد قوانين تخفيض السن من 25 سنة ثم إلى 21 سنة واليوم إلى 18 سنة، في حين أحزاب المعارضة كانت تسعى لإقصاء الشباب. يضيف خلال حديثه لـ "العربي الجديد": "ربما يجرى من المعارضة ترويج أن حزب العدالة والتنمية تقليدي وقديم ومحافظ. لكن ما يقوم به الحزب على صعيد التطوير التكنولوجي ومواكبة آخر المستجدات، سيدحض تلك المقولات ويلمسها الشباب بأنفسهم. ويجرى اليوم التحضير لإرسال شباب إلى الفضاء فضلاً عن التركيز على كل ما له علاقة بمطالب الشباب والتطور خلال مشروع القرن". ويشير إلى أن "تركيا العملاقة" هو مشروع يخاطب الشباب ويعتمد عليهم، ولا يعني كبار السن، لأنه مشروع مستقبلي له علاقة بالعقود المقبلة.

المساهمون