لهذا تحظر الصين كشف جنس الجنين

04 مايو 2022
انتظر والدا الصغيرة طويلاً قبل أن يعلما أنّها فتاة (Getty)
+ الخط -

أدّت سياسة الطفل الواحد التي اتّبعتها الصين قبل أكثر من ثلاثة عقود إلى اختلال التوازن بين الجنسَين، لا سيّما أنّ عائلات كثيرة كانت تأمل بأن يكون طفلها الوحيد ذكراً على خلفية التفضيلات التقليدية المجتمعية. وقد تسبّب ذلك في إجهاض ملايين الأجنّة من الإناث، علماً أنّ إجمالي عدد حالات الإجهاض في الصين بلغ 9.5 ملايين في السنوات الخمس الماضية. وقد دفع ذلك السلطات الصينية إلى إقرار قانون يحظر على المؤسسات الطبية تحديد جنس الجنين، إلا في حال استدعى سبب طبي الأمر. ولاحقاً، بسبب تشديد الرقابة على عمل المختبرات والمراكز الطبية، لجأت الأسر إلى الكشف عن جنس الجنين عبر طرق غير قانونية، من قبيل تهريب عيّنات دم النساء الحوامل إلى جزيرة هونغ كونغ التي تسمح بهذا الاختبار.

وقبل أن تغلق هونغ كونغ حدودها مع الصين بسبب أزمة كورونا الوبائية، كانت دوائر الجمارك الصينية تصادر يومياً مئات من عيّنات الدم تلك. وبحسب تقارير محلية، تبلغ تكلفة اختبار عيّنة الدم الواحدة نحو سبعين دولاراً أميركياً، وقد شهدت هذه العملية ارتفاعاً كبيراً مذ تخلّت الصين عن سياسة الطفل الواحد في عام 2015، واستمرّت بالارتفاع حتى نهاية عام 2019. ووفقاً لآخر تحديث صادر عن دائرة الجمارك الصينية، صودرت 420 ألف عيّنة دم مهرّبة عبر منفذ شنزن، المدينة الأقرب في البر الرئيسي الصيني من جزيرة هونغ كونغ، في عام 2018.

حسابات مربكة
تان بينغ، امرأة صينية في الثلاثينيات من عمرها تقيم في العاصمة بكين، تخبر "العربي الجديد" أنّه "بسبب الحظر الذي تفرضه السلطات بشأن تحديد جنس الجنين، اضطررت مرّتَين في السابق إلى اللجوء إلى مختبرات هونغ كونغ من أجل معرفة إذا كان الجنين ذكراً أو أنثى كي أتّخذ مع زوجي القرار المناسب؛ إمّا الاحتفاظ به أو إجهاضه". تضيف تان أنّ "المرّة الأولى كانت في عام 2014، بعد عام واحد من زواجنا. حينها كنت حاملاً، ولم تكن الحكومة تسمح آنذاك إلا بطفل واحد، لذلك وددنا أن يكون ذكراً. وقد نجحنا في معرفة ذلك عبر وكالة مختصّة في تهريب عيّنات الدم إلى هونغ كونغ. وبعد أسبوع واحد علمنا أنّ طفلنا ذكر". وتابعت تان: "أمّا المرة الثانية فكانت في عام 2017 بعد عامَين من سماح الحكومة بإنجاب طفل ثانٍ. في تلك المرّة، كنّا نرغب في أنثى ليكون لدينا طفلان من جنسَين مختلفَين، لكنّ سلطات الجمارك صادرت كلّ عيّنات الدم المهرّبة في ذلك اليوم، ولم يتسنّ لنا معرفة جنس الجنين إلا عند ولادته... ذكر".
وردّاً على سؤال حول احتمال إنجاب طفل ثالث بعد سماح السلطات بذلك في العام الماضي، تجيب تان: "لا أرغب في المخاطرة مجدداً، على الرغم من رغبتي في أن تكون لديّ ابنة". وأوضحت أنّها تخشى من ألا تتمكّن من معرفة جنس الجنين في ظلّ التشديد القائر. كذلك فإنّ تكاليف رعاية ثلاثة أبناء باهظة جداً في مدينة مثل بكين".
وكانت السلطات الصحية في الصين قد كشفت في وقت سابق عن 470 مليون عملية إجهاض في البلاد بين عامَي 1979 و2019، علماً أنّ ذلك النوع من عمليات الإجهاض بلغت ذروتها في ثمانينيات القرن الماضي بالبلاد، إذ بلغ المعدّل في العام الواحد نحو عشرة ملايين عملية.

لم يتسنّ لأهله معرفة جنسه إلا عند ولادته (Getty)
لم يتسنّ لأهله معرفة جنسه إلا عند ولادته (Getty)

مخاوف مجتمعية
وعن التحوّل في تفضيلات العائلات الصينية ما بين الذكور والإناث، وفق القوانين والتشريعات الجديدة، يقول الباحث الاجتماعي تيان شانغ لـ"العربي الجديد" إنّ ذلك يأتي "استجابة طبيعية لمتطلبات الحياة، وهو أمر صحي وضروري لضمان تحقيق التوازن بين الجنسَين بعد عقود من الاختلال بسبب سياسات تحديد النسل". يضيف تيان أنّ "كلّ الأسر كانت تفضّل أن يكون طفلها الوحيد ذكراً ليعينها على الحياة في ظل الظروف المعيشية الصعبة، لذلك انتشرت عمليات الإجهاض في العقود الماضية"، لافتاً إلى أنّ "توجه الأسر إلى طرق التفافية من أجل تحديد جنس الجنين، على الرغم من حظر الأمر في الصين، يؤكّد مخاوف المجتمع من أن يكون المولود الجديد أنثى، نظراً إلى أنّها سوف تتبع مستقبلاً لعائلة زوجها، ما يعني فعلياً انقطاع نسل أسر الطفل الواحد ما لم يكن مولودها ذكراً". ويتابع تيان أنّه "لاحقاً، بعد السماح بإنجاب طفلَين وثلاثة، بات في الإمكان الاحتفاظ بالإناث للتنويع، لكنّ ذلك لم يحدّ من عمليات الإجهاض التي طاولت في تلك المرحلة الذكور أيضاً وإن كان بنسبة أقلّ مقارنة بإجهاض الإناث في السنوات السابقة". ويشير تيان إلى أنّ "استمرار عمليات الإجهاض بوتيرة مرتفعة من شأنه أن يقلّل من معدّلات الخصوبة، ويفاقم مشكلة المواليد الجدد الذين تراجعت أعدادهم بشكل كبير، الأمر الذي ينذر بحدوث أزمة ديموغرافية".

تجدر الإشارة إلى أنّ جمعية تنظيم الأسرة في الصين كانت قد أعلنت، في مارس/ آذار الماضي، أنّ ثمّة جهوداً خاصة تُبذَل للتصدّي لشواغل الصحة الإنجابية لمجموعات محدّدة، وسوف تنظّم حملات خاصة للتدخّل عندما تسعى النساء غير المتزوجات والمراهقات إلى الإجهاض، وذلك من أجل تعزيز القيم التقليدية وتشجيع المواطنين على إنجاب مزيد من الأطفال. وكانت الصين قد شهدت في العامَين الماضيَين انخفاضاً غير مسبوق في معدّل المواليد الجدد، إذ بلغ عددهم 12 مليوناً في عام 2020، بنسبة انخفاض 15 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه، وهو أدنى مستوى في تاريخ الصين في خلال ستّة عقود.

المساهمون