ينذر تنامي ظاهرة استقبال المستشفيات والمراكز الصحية في ليبيا عدداً كبيراً من حالات التسمم الغذائي، بوضع خطر للمواطنين الذين يتسوقون أغذية فاسدة تعج بها الأسواق، في وقت لم تتخذ السلطات إجراءات رادعة للمراقبة ومعالجة هذا الفلتان الغذائي والصحي.
والأسبوع الماضي نشرت وسائل الإعلام تقارير عن استقبال مستشفى ابن سينا التعليمي في سرت (وسط) سبع حالات تسمم غذائي أحدها لطفل في سن الرابعة. ونقلت عن إدارة المستشفى أنّ حالات عدة استدعت البقاء لتلقي العلاج، وأدخل بعضها قسم العناية الفائقة.
وفي فبراير/ شباط الماضي، استقبلت مراكز صحية عامة وخاصة في العاصمة طرابلس 115 حالة تسمم خلال 48 ساعة فقط بحسب ما أفاد قسم الإسعاف والطوارئ في المستشفى المركزي، الذي أشار إلى أنّ 37 حالة استلزمت الإيواء، ووفاة أحد المصابين. أما وزارة الصحة في حكومة الوحدة الوطنية فتحدثت عن وفاة مصابين اثنين، وكشفت أنّ 12 من المصابين أطفال، مشيدة بالدور الذي لعبته الكوادر الطبية، من دون أن تتحدث عن أيّ إجراءات للحدّ من الحالات التي تستقبلها المستشفيات دورياً، أو عقوبات قد تتخذ للتعامل مع تفشي الأغذية منتهية الصلاحية في الأسواق، علماً أنّ الأطباء أوضحوا حينها أن التسمم الذي أصاب 115 مواطناً نتج من تناولهم وجبات عشاء في صالة أفراح بالعاصمة طرابلس، لكنّ مركز الرقابة على الأغذية والأدوية الحكومي لم يعلن نتائج التحاليل التي أجراها على عينات الأطعمة المقدمة للمصابين، رغم أنّه قال إنّها ستظهر خلال 72 ساعة.
ويبدي الطبيب يحيى بالنور، في حديثه لـ"العربي الجديد"، انزعاجه الشديد من عدم تعاطي السلطات مع الظاهرة، وكذلك من عدم إبداء الرأي العام أي رد فعل حيال المخاطر المتكررة. ويؤكد أن حالات التسمم التي تصل إلى المستشفيات العامة والخاصة أكثر من المعلنة، ويقول: "تهتم وسائل الإعلام عادة بالأعداد الكبيرة لحالات التسمم التي تحدث في المطاعم أو المناسبات الاجتماعية، لكن هناك مئات من الحالات الفردية لتناول الأطعمة فاسدة التي يعالجها الأطباء".
ويوضح بالنور، استناداً إلى متابعته العينية لحالات التسمم، أنّ "أكثرها ناتج من تناول اللحوم، خاصة الدواجن والأسماك، الأكثر استهلاكاً في المطاعم من اللحوم الحمراء وعادة ما تكون مستوردة ويجري تخزينها في شكل سيئ. ومعامل إعداد اللحوم الخاصة بالمطاعم تشكل السبب الرئيس في حالات التسمم بسبب تجاوزها الضوابط الصحية".
وينشر مركز الرقابة على الأغذية والأدوية على موقعه الرسمي صوراً للزيارات وحملات التفتيش التي تنفذها فرقه في معامل الأغذية ومراكز بيع اللحوم، ويعدد التجاوزات، ويعرض صوراً تظهر عدم صلاحية اللحوم. ويوضح المركز أن فرق الحرس البلدي تشارك في حملات التفتيش، وهو ما يثني عليه تاجر التجزئة في طرابلس، حسين الشافعي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، لكنه يرى أن "اتساع دائرة الفساد وانتشاره في كل المجالات يجعل قدرة الجهتين محدودة".
ويربط الشافعي ظاهرة التسمم الغذائي بانتشار الأطعمة الفاسدة عموماً، وليس اللحوم فقط، ويقول: "عادة ما نسمع عن إجراءات عقابية محدودة في حق مطعم أو صالة تستضيف مناسبات اجتماعية، لمجرد ذر الرماد في العيون، من دون الالتفات إلى مصدر الخطر المتمثل في التجار الفاسدين الموردين لمواد غذائية فاسدة أو المخزّنة، ويتم تسويقها حتى إذا انتهت صلاحيتها". ويدعو الشافعي السلطات إلى وقفة جادة أمام جشع التجار، ويشير إلى أنه يبادر إلى تصفية بضاعته وردّ أصناف من المواد الأساسية المنتهية الصلاحية التي تصله عبر موزعي محلات الجملة، لكن "أكثرها توزّع بأسعار منخفضة قبل انتهاء صلاحيته بشهر تقريباً كي يضطر التجار الصغار إلى بيعها والتغاضي عن تاريخ انتهاء الصلاحية إذا تورطوا في شرائها من دون تدقيق في التواريخ".
أما مفيدة خير الله التي تسكن في طرابلس، فترى في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن انتظار أن تتحمل السلطات مسؤولياتها أو تحلي التجار بالأخلاق، وتدعو إلى ضرورة أن تدقيق المواطنين في وضع المنتجات التي يشترونها من الأسواق، وعدم الانسياق وراء السلع الغذائية المنخفضة الأسعار، كما أنّ أصحاب المطاعم والصالات الاجتماعية يتشاركون في مسؤولية التعامل مع معامل اللحوم التي يفترض أن تتحمل مسؤولية جودة منتجاتها".