تواجه المرأة الليبية صوراً مختلفة من العنف المجتمعي، في حين لا تزال السلطات تعالج إجراءات ووسائل من أجل الحد من معاناتها، لكن نشطاء يرون أن المكافحة القانونية لا توفر إلا شكلاً محدوداً من الأمان للنساء، وأن العلاج يحتاج إلى تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة.
وتتعدد صور العنف ضد المرأة في ليبيا، وصولاً إلى القتل، فخلال العقد الماضي، رصدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (غير حكومية) خمسين جريمة قتل لنساء في أنحاء البلاد، ويقول رئيس اللجنة، أحمد حمزة، لـ "العربي الجديد"، إن "الجرائم الخمسين وقعت في مناطق مختلفة، وفي أوقات متفرقة، لكن الملاحظ أن دوافعها تقريباً واحدة، وأكثرها هو دافع الشرف، ووفق هذا الدافع، ليس القاتل بالضرورة زوجاً، بل أحياناً شقيق أو والد الضحية".
ويضرب حمزة مثالاً بأحدث جرائم القتل بحجة الشرف، وفيها قام رجل في مدينة بنغازي، بقتل ابنته رمياً بالرصاص في يونيو/حزيران الماضي، ثم سلم نفسه لأقرب مركز للشرطة معترفاً بارتكاب جريمته.
لكن دوافع جرائم قتل النساء لا تقتصر على "الشرف"، ففي مطلع شهر يوليو/تموز الماضي، قام رجل في بنغازي أيضاً، بقتل ابنتيه صبيحة عيد الأضحى، ولم توضح مديرية أمن بنغازي التفاصيل الكاملة للواقعة، لكنها أعلنت القبض على الجاني، في حين نقلت وسائل إعلام محلية عن مقربين من العائلة، أن الجاني كان يتعاطى المخدرات، وأنه اعتدى على بناته بالضرب أكثر من مرة في السابق، كما منعهن من الذهاب إلى المدارس.
ووفقا للتقارير الإعلامية المتداولة، فقد قررت زوجته اصطحاب أبنائها للعيش مع ذويها، لكن رفض ذويها مواصلة احتضانها، دفعها إلى العمل خادمة في المنازل، كما أنها لم تتمكن من دفع تكاليف إقامة قضية أمام المحاكم لطلب الطلاق، ولم يكف الزوج عن ملاحقتها، قبل أن يباغتها وبناتها، ويقوم بقتل ابنتيه انتقاماً من الأم.
وتقول الناشطة الحقوقية، عفاف امسلم، إن هذه الجريمة تلفت الأنظار إلى صور أخرى من العنف المجتمعي، من بينها رفض ذوي الزوجة احتضانها، وتركها تواجه مصيرها رغم تعرضها للتعنيف بشكل متكرر، متسائلة عن الدافع المجتمعي الذي تصفه بالمتناقض "من ناحية يعتبر المجتمع المرأة حصناً حصيناً لشرف الرجل، ومن ناحية لا يلقي بالاً لتركها تعيش حالة تشرد بعد أن نبذها ذووها".
وتؤكد امسلم في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن "الخلل عميق في الثقافة المجتمعية التي لا تزال تأبى الاستجابة لما هو جديد، وتقبل بتوفير حصانة لجرائم الرجال ضد النساء، واستمرار الثقافة الذكورية".
وتشير الناشطة الحقوقية إلى ظهور صور جديدة من العنف ضد المرأة بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد خلال العقد الأخير، ومنها الابتزاز الإلكتروني الذي لا تزال ضحاياه بعيدة عن أنظار التتبع والرصد، لكنها ترجع كل صور العنف إلى ما تصفه بـ"ثقافة المجتمع الجائرة"، ولا ترى أن هناك أي دور للردع القانوني باستثناء الحد النسبي من ظواهر العنف.
ويؤكد أحمد حمزة أن أكثر من 80 في المائة من مرتكبي جرائم قتل النساء الـ 50 تم القبض عليهم، وأن قضاياهم لا تزال منظورة أمام المحاكم، لكن بعض القضايا تمت تسويتها اجتماعيا قبل الإبلاغ عنها، في حين كان ينبغي حماية القانون للحق العام في مثل هذه الجرائم، ورغم ذلك فإن البعض استفاد من الثغرات القانونية للتهرب، مطالباً بضرورة تطوير قانون الجنايات في بنوده الخاصة بجرائم العنف ضد المرأة.
وتكافح السلطات الأمنية الليبية من أجل توفير الحماية لأفراد المجتمع، ففي ديسمبر/كانون الأول 2019، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع صندوق الأمم المتحدة للسكان في ليبيا، مبادرة الخط الساخن للدعم النفسي والاجتماعي، وكشف عضو المبادرة، محمد بالأشهر، أنها استقبلت خلال العام الماضي نحو 14500 مكالمة، من بينها 400 من سيدات تعرضن للعنف، كما تلقت نحو 18 ألف مكالمة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، وكانت نحو 24 في المائة منها لنساء معنفات.
ولا يزال مجلس النواب الليبي ينظر في مشروع قانون يجرم كافة أشكال العنف ضد المرأة، تقدمت به منظمات حقوقية، وكلفت رئاسة المجلس، في منتصف أغسطس/آب الماضي، لجنة برلمانية لدراسته، قبل عرضه لإقراره، وتحويله إلى تشريع عام تستند إليه المحاكم في النظر في قضايا المرأة.
وبينما يؤكد حمزة أن المشروع لا يزال منظوراً أمام مجلس النواب، تقلل امسلم من جدية تعاطي السلطات مع قضايا النساء، وتؤكد أن مشروع القانون مقدم لمجلس النواب منذ عام 2017، و"في كل مرة يتم تأجيل إقراره عبر إجراء جديد، ومنها تكليف لجنة برلمانية لدراسته من دون وضع إطار زمني للانتهاء من الدراسة. غياب سلطة القانون، أو القدرة على فرض العقوبات بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد لن تجدي معه تشريعات جديدة".