تنشط منظمات وجمعيات شبابية ليبية في دعم السكان في مجالات عدة، تعويضاً لإخفاق سلطات البلاد في جوانب كثيرة
تنتشر ثقافة التطوع بنحو متزايد في أوساط قطاعات واسعة من شباب ليبيا، حتى باتت أنشطتهم تعوض نقصاً حاداً في مناطق عدة من البلاد، التي تعيش كوارث وأوضاعاً صعبة عجزت الحكومتان، في الغرب والشرق، عن معالجتها.
يعدد خالد ميلاد، عضو فريق رأس الطوبة التطوعي، 23 جمعية ومنظمة ضمن ائتلاف "ليبيا الوطن" للعمل التطوعي الخيري. لكنّ ثقافة العمل التطوعي ليست جديدة على البلاد، بحسب ميلاد، إذ إنّ جمعية الهلال الأحمر والحركة الكشفية وُجدتا في ليبيا منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، مؤكداً أنّهما ما زالتا أكثر المؤسسات المدنية نشاطاً في البلاد، حتى الآن.
ويغطي ائتلاف "ليبيا الوطن" أنشطة تتعلق بالإغاثة، ودعم فرق الإسعاف والطوارئ الصحية، والنزوح، وتقديم المساعدات الخيرية العينية للأسر الفقيرة، وتوفير المأوى، وترميم المدارس والمساجد، وغيرها من الأنشطة، بحسب ميلاد. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ جمعيات الائتلاف ومنظماته تتوزع في ثلاث وعشرين منطقة ليبية ما بين الشرق والغرب والجنوب. وخلال الأسابيع الماضية قدمت ست جمعيات تابعة للائتلاف معونات ودعماً للأسر المتضررة من السيول التي داهمت مناطق في شرق ليبيا.
في هذا الإطار، يقول أبو بكر جبرين، الناشط المدني والعضو في الائتلاف، إنّ فرق التطوع التابعة للائتلاف تواصلت مع شخصيات مانحة من رجال الأعمال لجمع التبرعات اللازمة لدعم الأسر المتضررة، بالرغم من ضآلة حجم أضرار السيول. وخلال الأعوام العشرة من الأزمة التي تعيشها البلاد، راكمت فرق المتطوعين والجمعيات الخيرية خبرات في التعامل مع حالات الطوارئ والأزمات. يقول جبرين إنّ "أغلب هذه الحالت متكرر، كالسيول والنزوح ومساعدة الأسر الفقيرة، وخصوصاً في مواسم بدء الدراسة أو شهر الصيام أو في عيد الأضحى". لكنّه يشير إلى أنّ جمعيات خيرية عدة طورت نفسها في مجالات أخرى مثل توفير الأدوية النادرة للمصابين بأمراض مستعصية. كذلك، قدمت جمعية شباب نفوسة، وهي عضو في الائتلاف، دعماً لصيانة ثلاثة مستشفيات قروية في الجنوب الليبي كادت تقفل أبوابها بسبب التهالك أو ضعف الإمكانات اللازمة لتشغيلها. ويذهب ميلاد إلى ما هو أبعد من ذلك، بالقول إنّ "شباباً متطوعين نظموا حملات لمكافحة جائحة كورونا، ليس في مستوى التوعية بها، بل مساهمة في دعم فرق العزل وجهود تنظيم عمل فرق الكشف والمختبرات".
المنصة الليبية للمساندة الصحية هي أبرز الأعمال التطوعية لمواجهة انتشار كورونا، ويؤكد ميلاد الذي تابع المنصة منذ إطلاقها في إبريل/ نيسان الماضي، أنّها لاقت إقبالاً واسعاً من فئات الشباب في مختلف التخصصات. وبحسب موقع المنصة، فإنّها تقدم حزمة من الخدمات التطوعية المختلفة، من بينها تعزيز الطاقم الطبي والإداري، والدعم اللوجستي، والدعم العيني والبحثي، والدعم الإعلامي، والدعم الإبداعي، كذلك يمكن المشاريع التطوعية والمبادرات، بل الفرق الطبية، الاستفادة من المنصة بالدخول إلى قواعد البيانات والتواصل مع أعضائها. وبينما يقرّ ميلاد بأنّ المنصة التي كانت تهدف إلى تحقيق 50 مبادرة تطوعية، لم تتمكن من جمع أكثر من 20 مبادرة، فإنّه يشير إلى فاعليتها، وخصوصاً في الأيام الأولى من انتشار الجائحة عندما كانت الكوادر الطبية في المراكز الصحية تفتقر إلى أدنى الإمكانات لعلاج المصابين بفيروس كورونا.
من جهته، يعترف نجيب بومرير، المسؤول في مكتب العمل التطوعي التابع لبلدية بنغازي، بجدوى العمل التطوعي والخيري وتمكنه من تغطية الغياب الكبير لخدمات الحكومات، خصوصاً مع انشغال قادة البلاد في الصراعات والحروب. يقول بومرير لـ"العربي الجديد" إنّ "أكثر من ستين في المائة من الخدمات الأساسية على مستوى البنى التحتية لبنغازي (شرق) سواء في المستشفيات أو المدارس أو مقرات النزوح، سدت الجمعيات الخيرية وفرق المتطوعين نقصاً كبيراً فيها"، مشيراً إلى أنّ مركز غسل الكلى في المدينة أقفل تماماً، قبل أن تعيده إلى العمل فرق تطوعية تابعة لجمعيات خيرية، وذلك بتوفير ما ينقصه من إمكانات عينية ومالية.
وتبدو النجاحات التي حققها العمل التطوعي دافعاً إلى بناء الائتلاف، الذي يقول ميلاد إنّه ما زال يوجه الدعوات للجهات الخيرية للانضمام إليه، موضحاً: "لاحظنا تشتت الأعمال التطوعية والاختلاف في وجهات النظر، ولذلك، قررنا تأسيس الائتلاف لدعم أعمالنا والاستفادة من خبرات بعضنا البعض". يؤكد أنّ بعض الجمعيات الخيرية باتت تحظى بثقة كبيرة لدى رجال الأعمال والمحسنين الذين يوفرون لها الدعم المالي من دون انقطاع. لكنّ ميلاد يشكو، في الوقت نفسه، من هدر كبير في طاقات الشباب المتطوعين، مؤكداً الحاجة إلى تدريبهم وصقل مواهبهم والدفع بهم في مجالات عدة، إذ يلفت إلى أنّ معظم المتطوعين يملكون الرغبة في العمل الخيري، لكنّ قدراتهم محدودة، وتتوقف جهودهم عند حدّ المساعدة في نقل المرضى من دون معرفة بالإسعافات الأولية مثلاً، أو تقديم العون لفرق الرصد والتقصي التابعة لمراكز الكشف عن فيروس كورونا مع جهلهم بالاحتياطات والتدابير الواقية من الفيروس.