اتسعت رقعة البحث عن المفقودين في ليبيا لتشمل مناطق ومدنا جديدة بعد أن كانت مقصورة على مدينة ترهونة التي أصبحت علامة على حجم الإخفاء القسري والقتل خارج القانون الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، ومن بين المناطق التي شملتها جهود البحث مدينة سرت (وسط شمال).
وأعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، الأحد الماضي، استخراج 42 جثة مجهولة الهوية، عثر عليها في ساحة إحدى المدارس بحي "الجيزة البحرية"، وهو أحد أكبر أحياء المدينة وأكثرها تضرراً من الحروب التي شهدتها، مشيرة إلى أن استخراج الجثث جاء "بناء على بلاغ وارد للهيئة من النيابة الجزئية في سرت، حول وجود مقبرة في إحدى المدارس".
وأكدت الهيئة نقل كل الجثامين المنتشلة إلى مستشفى ابن سينا بالمدينة، وأنه "تم أخذ عينات من العظام لنقلها إلى مختبرات الهيئة، بالتنسيق مع الطب الشرعي، وذلك قبل قيام فرق الهيئة الخاصة بدفن الجثث وفق الطريقة الشرعية".
وكانت سرت إحدى أبرز المناطق الليبية التي سيطر عليها تنظم الدولة الإسلامية "داعش" بين عامي 2015 و2016، قبل أن يتم طرد التنظيم عبر صراع مسلح خاضته قوات حكومة الوفاق الوطني السابقة بالتنسيق مع الطيران الحربي الأميركي التابع لقوات "أفريكوم"، والذي شارك في قصف بعض مناطق المدينة، في العملية العسكرية التي عُرفت باسم "البنيان المرصوص"، والتي انتهت بهزيمة عناصر التنظيم ومقتل أغلب أفراده وأسر بعضهم، فيما هرب البقية إلى صحراء جنوب البلاد.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها العثور على مقابر جماعية بمدينة سرت، إذ أعلنت هيئة البحث والتعرف على المفقودين في نهاية أغسطس/آب الماضي، انتشال 15 جثة مجهولة الهوية من مقبرتين جماعيتين في ساحة مستشفى ابن سينا التعليمي بالمدينة.
وأوضحت الهيئة آنذاك، أن فريق إدارة البحث عن الرفات التابع لها استخرج 7 جثث مجهولة الهوية من المقبرة الأولى، و5 جثث أخرى مجهولة الهوية من المقبرة الثانية، وأنها باشرت بأخذ عينات من العظام قبل إعادة دفن الجثث، للعمل عليها في إدارة المختبرات لاستخلاص الحمض النووي، ومقارنتها بالعينات المرجعية لأهالي المفقودين المسجلين لديها.
وأفاد مكتب النائب العام الليبي، في بيان في منتصف أغسطس الماضي، بأن "عدد قضايا التحقيق التي باشرتها النيابة العامة بلغ 280 قضية، وصدر 376 أمرا بالقبض والإحضار، وأحيلت 10 قضايا على المحاكم الليبية"، من دون أن يتم الكشف عن مصير هذه القضايا حتى الآن.
وأوضح البيان أنه جرى تكليف لجنة من المباحث الجنائية من أجل تولي مهمة الرصد وجمع المعلومات المتعلقة بالجرائم، وتشكيل غرفة أمنية تتكون من جهات إنفاذ القانون، ومأموري الضبط القضائي للتحري والبحث عن مطلوبين في قضايا متعلقة بجرائم جرت في مدينة ترهونة، وأنه تم التثبت من أماكن عدد من المطلوبين المقيمين في خارج البلاد، وتحديدا في تونس ومصر والسعودية.
ويشيد الناشط الحقوقي عيسى القاضي، بانتقال ملف البحث عن المفقودين والكشف عن المقابر الجماعية إلى خارج مدينة ترهونة، مؤكداً وجود الكثير من المقابر الجماعية في مدن ومناطق أخرى في البلاد عاشت حروباً، كما أن أهالي تلك المناطق أبلغوا عن مفقودين من أبنائهم.
ويوضح القاضي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "مكتب النائب العام ركز جهوده كلها على قضية مقابر ترهونة، وأخيراً بدأت جهود البحث في سرت، وملف المفقودين أوسع من حصره في ترهونة وسرت، والقضية لا تزال محل تسييس، فالاهتمام الرسمي بترهونة كان بسبب تحولها إلى قضية رأي عام دولي، ويبدو أن سبب الاهتمام الحالي بمدينة سرت هو اتخاذ تنظيم داعش لها عاصمة لحكمه خلال سنوات سيطرته عليها، وغني عن البيان أن ملف داعش قضية إرهاب دولية".
ويتساءل القاضي: "لماذا لا تُضَم بلاغات المواطنين عن فقد أبنائهم إلى ملفات الهيئة لتكون ضمن أعمالها؟ هناك بلاغات للكشف عن مصير مختطفين قسراً على يد مليشيات مسلحة، وبعضهم مغيب منذ سنوات، والسؤال المتكرر الذي يحتاج إلى إجابة هو: أين تدفن تلك المليشيات من تقتلهم، أو من يموتون في سجونها بسبب سوء المعاملة والتدهور الصحي؟".