انتهت أزمة المهاجرين العالقين على الحدود الليبية التونسية، بعد إعلان الجانبين عن اتفاق بينهما. يأتي ذلك في وقت تراجع فيه نشاط الهجرة السرية عبر الشواطئ الليبية، علماً أن ليبيا حلت في المرتبة الثانية بعد تونس في أعداد المهاجرين السريين للوصول إلى إيطاليا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي.
ووصل 89158 مهاجراً إلى إيطاليا بزيادة 115.18 في المائة، كما ذكرت وكالة نوفا الإيطالية نقلاً عن بيانات لوزارة الداخلية الإيطالية، في أغسطس/ آب الجاري. وأشارت إلى أن عدد القصر غير المصحوبين بذويهم زاد بنسبة 83.50 في المائة بالمقارنة مع العام 2022. وأفادت البيانات بأن غالبية المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا حتى 31 يوليو/ تموز الماضي هم من تونس، ويبلغ عددهم 54693، أي ما يعادل 61.34 في المائة من إجمالي أعداد المهاجرين، تليها ليبيا بنسبة 33.7 في المائة. وحلت تركيا في المرتبة الثالثة تليها الجزائر.
وفي ما يتعلق بعمليات الإعادة إلى الوطن، كشفت وزارة الداخلية الإيطالية عن إعادة 2561 مهاجراً بزيادة قدرها 28.05 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، عندما تمت إعادة 2000 مهاجر.
ولا يستغرب الأستاذ في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا خيري الراشد، هذه الإحصائيات، مرجعاً سبب ارتفاعها في تونس إلى كونها البلد الأقرب إلى إيطاليا من ليبيا، ما يعني مغامرة أقل في البحر، على حد قوله. ويشير في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى تأثير الجغرافيا على نشاط الهجرة عبر البحر، مشيراً إلى تركزها في مدينة زوارة بأقصى الغرب الليبي بسبب قصر المسافة إلى إيطاليا. وتبعد زوارة عن جزيرة لامبيدوزا 290 كيلومتراً بخلاف نقاط التهريب الأخرى في طرابلس وصبراتة والزاوية والقره بوللي. وتأتي هذه المناطق ثانياً بعد زوارة لناحية أعداد القوارب نحو لامبيدوزا، بسبب بعد المسافة عنها من زوارة.
ويشير الراشد إلى أن الأعداد التي رصدتها البيانات الإيطالية لا تعني أن المهاجرين يحملون جنسيات البلدان التي انطلقت منها قوارب الهجرة، بل إن أكثرهم من بلدان أفريقية عدة وغيرها، كما هو الحال في ليبيا، إذ إن المهاجرين ليسوا ليبيين. يضيف أنّ "الجانب الأوروبي لا يهتم بدول المصدر، بل بالمناطق التي تنطلق منها قوارب الهجرة لحساسية القضية من ناحية أمنية بالنسبة لأوروبا. وهذا يعني أن هذه الدول بدأت تعاني أزمة تدفق المهاجرين كما كانت ليبيا تعاني ولا تزال".
وتنتمي عصابات الهجرة السرية إلى جنسيات متعددة، تبدأ من دول المصدر في العمق الأفريقي، ثم دول العبور مثل ليبيا وتونس وصولاً إلى إيطاليا، بحسب الراشد. ويوضح أن استمرار مرور المهاجرين من دول المصدر وصولاً إلى أوروبا يؤشر على وجود اتصالات وتنسيق بين عصابات تهريب المهاجرين. أمر تعكسه البيانات الإيطالية عن انخفاض نسب الهجرة عبر الشواطئ الليبية، ونشاطها في دول مجاورة كتونس.
ويرى أن الحملات الأمنية الواسعة التي نفذتها السلطات الليبية على سواحل البحر "ربما تكون السبب، وإن كانت غير كافية". يضيف: "يبدو أنّ طرد السلطات التونسية للمهاجرين من أراضيها باتجاه الحدود مع ليبيا يعكس انزعاجاً تونسياً من الإجراءات الليبية حيال شواطئها وتركها لحدودها مفتوحة ليصل من خلالها المهاجرون إلى تونس".
في السياق نفسه، يرى الناشط المدني رمزي المقرحي أن الحملة الأمنية التي أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية لاستهداف أوكار المهربين كانت السبب "في تراجع نشاط المهربين"، لافتاً إلى أن المعالجة الليبية "لم تكن كافية". ونفذت حكومة الوحدة الوطنية عملية أمنية واسعة في مايو/ أيار الماضي، استهدفت خلالها عشرات مواقع عصابات تهريب المهاجرين والوقود في مناطق غرب البلاد، بالقصف الجوي.
ويقول المقرحي لـ "العربي الجديد": "في كل مرة، تتجدد آثار الانقسام السياسي والأمني في إدارة الأزمات، ومنها ملف المهاجرين. الحكومة في طرابلس قامت بدورها، لكن المسيطر على الحدود الجنوبية هي سلطة خليفة حفتر الذي قامت قواته بحملات على شواطئ ليبيا الشرقية من دون وضع خطط لضبط الحدود التي يعبر منها المهاجرون". يتابع أن "هذا ما دفع إيطاليا، وهي أكثر المتضررين من الهجرة السرية، إلى توجيه دعوة لحفتر لزيارتها في مايو/ أيار الماضي، وخصوصاً أن البيانات الصادرة بعد تلك الزيارة ركزت على تعهدات من قبل حفتر لتشكيل لجان لمراقبة حدود ليبيا الجنوبية". يضيف: "استمرار مرور المهاجرين عبر الحدود إلى الداخل الليبي سيزيد من تكدس أعدادهم ومنعهم من اجتياز الشواطئ نحو إيطاليا، وسيضطر المهربون إلى البحث عن شواطئ دول أخرى، وهو ما حدث وعكسته ارتفاعات أعداد المهاجرين منها".
وتكرر وزارة الخارجية الليبية مطالبة المجتمع الدولي بالمساهمة في إنهاء معاناة المهاجرين، وتركز على سبل العناية بتنمية بلدان المصدر التي يهربون منها كي لا يضطروا إلى تركها والهجرة منها بحثاً عن الأمان ولقمة العيش.