لم تجد العائلات الليبية القاطنة على مقربة من البحر في مناطق شرق طرابلس حلاً غير مغادرة منازلها، بسبب انتشار جثث المهاجرين السريين التي تجرفها أمواج البحر إلى الشاطئ، في وقت أطلقت فيه بلدية قصر الأخيار (شرق)، نداء استغاثة إلى الحكومة مطالبة إياها بسرعة التدخل لإنقاذ الأهالي الذين اضطروا إلى ترك منازلهم ومزارعهم نتيجة انتشار الجثث على الشاطئ.
وطالب المجلس البلدي المنظمات والجهات الأهلية بتقديم الدعم، وأرفق نداءه بفيديو يظهر عدداً من أعيان المنطقة يستنكرون صمت السلطات حيال انتشار جثث المهاجرين على الشاطئ. وأعرب الأهالي عن مخاوفهم من انتشار الأمراض والأوبئة من جرّاء تحلّل الجثث المنتشرة على الشاطئ، مؤكدين "انتشار بعوضة في الآونة الأخيرة لم تعرف من قبل، الأمر الذي أدى إلى إصابة البعض بأمراض جلدية مصحوبة بالحمى، ما خلق حالة ذعر بين المواطنين".
ويؤكّد الأهالي أن المعنيين بالقطاع الصحي والبيئي زاروا المنطقة وعاينوها محملين السلطات المسؤولية إزاء إهمال "الوضع المأساوي في المنطقة"، مشيرين إلى أنه يتوجب على الحكومة بذل مزيد من الجهود للتخفيف عن المواطنين الذين تسود بينهم حالة من الغضب والاحتقان نتيجة حرمانهم من العمل في مزارعهم بعدما اضطروا إلى مغادرتها".
وحمّل المجلس البلدي الجهات الحكومية المسؤولية الكاملة، وأطلق نداء استغاثة لضرورة نجدة البلدية على وجه السرعة، من خلال تزويدها بسيارات الإسعاف والفرق اللازمة لانتشال الجثث، وضرورة توفير الدعم اللازم لمراكز الشرطة والقضاء للإشراف على عملية إخلاء المنطقة من الجثث وتوفير الثلاجات اللازمة لحفظها.
ويؤكد عثمان الأربش، وهو أحد السكان، أن "الغضب في المنطقة بلغ حد الانفجار، ويبحث المواطنون احتمال التصعيد لإجبار السلطات على حل المشكلة، كإقفال الطريق الساحلي الرئيسي الذي يصل العاصمة بشرق البلاد"، ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "صبرنا على تغاضي السلطات عن إهمال الشاطئ ليتحول إلى أحد أبرز مراكز تهريب المهاجرين، بالإضافة إلى عمليات التهريب التي تحدث في وضح النهار. لكن أن نسكن مجاورين للجثث التي تنتشر بالعشرات على شاطئ البحر، فهذا مستحيل"، يضيف: "ترك الناس منازلهم ليس وسيلة للضغط على المجلس البلدي بل نتيجة، وقد زار مسؤولو مكاتب البيئة المنطقة وأعربوا عن صدمتهم من جراء الوضع المزري الذي نعيش فيه. في كل صباح نرى ويرى أطفالنا وعائلاتنا الجثث منتشرة. يبقى بعضها أياماً قبل أن تتطوع فرق الهلال الأحمر لانتشالها على الرغم من قلة إمكانياتها".
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وأخباراً عن تفشي طفح جلدي بين الناس بسبب انتشار بعوضة. ويؤكد الناشط البيئي حسين المنفود أنها تنتشر على مقربة من بحيرة عين قريم حيث تنتشر الجثث بكثرة، وقد تبقى أياماً قبل الإبلاغ عنها بعدما تصل رائحتها إلى سكان المنطقة.
وفي محاولة لمكافحة انتشار البعوضة، عمد مكتب الإصحاح البيئي إلى رش المبيدات الحشرية في المنطقة المحيطة ببحيرة عين قريم، فيما أجرى فريق من المركز الوطني لمكافحة الأمراض زيارة ميدانية إلى المنطقة لأخذ عينات من البحيرة لفحصها والتعرف إلى نوع البعوضة والأمراض التي تسببها، ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذا الوضع لا يقتصر على منطقة قصر الأخيار فقط، قائلاً: "ربما بسبب صعوبة تضاريس المنطقة، يسحب موج البحر معظم الجثث إلى المنطقة، علماً أن المناطق المجاورة وسكانها يعانون من المشكلة نفسها وخصوصاً في فصل الصيف. فمع ارتفاع درجات الحرارة، يصبح تحلل الجثث أسرع ما يؤدي إلى انتشار الروائح"، ويرى أن تأزم الأوضاع في قصر الأخيار قد يساهم في الضغط على السلطات للاهتمام بقضية المهاجرين السريين، والحد من عمليات التهريب في هذه المناطق".
وتشهد المناطق ما بين طرابلس ومصراتة (200 كيلومتر شرق طرابلس)، الكثير من عمليات تهريب البشر، وخصوصاً القربولي وقصر الأخيار، بالإضافة إلى مناطق غرب طرابلس، لا سيما صبراتة وصرمان والزاوية، التي تنشط فيها عمليات التهريب أيضاً.
وأول من أمس، أعلن جهاز أمن السواحل عن وجود ست جثث لمهاجرين سريين في منطقة قصر الأخيار، مشيراً إلى أن العملية تمت بعد تلقي فرقه بلاغاً من الأهالي بوجود جثث وصلت إلى شاطئ البحر. كما أعلن فرع جهاز الهلال الأحمر بمدينة الزاوية (غرب طرابلس)، الأسبوع الماضي، عن تمكنه من انتشال ثلاث جثث لطفلين ليبيين يتجاوز عمرهما 15 عاماً، ورجل من الجنسية السورية على شاطئ المدينة، فيما انتشل جهاز أمن السواحل في بمدينة الخمس، شرق طرابلس، جثتين لمهاجرين سريين على شاطئ المدينة.