مع ظهور بشاعة الرد الإسرائيلي على عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي تمثلت في استهداف مدنيين وأطفال خصوصاً، أطلق نشطاء في ليبيا نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتظاهر في الساحات العامة.
وتتالت التظاهرات في مدن طرابلس ومصراتة والزاوية وغيرها. وانضم رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، إلى إحداها في مسقط رأسه مصراتة، وارتدى الكوفية الفلسطينية في وقت رفع متظاهرون أعلام فلسطين، وهتفوا ضد العدوان الإسرائيلي الذي طالبوا بوقفه فوراً والعمل على إدخال مساعدات عاجلة.
وخلال مشاركته في تظاهرة نظمت بعد صلاة الجمعة بالعاصمة طرابلس، قال مواطن يدعى الطاهر الباقني لـ"العربي الجديد": "لا بدّ من الاحتشاد في الميادين ومواصلة الغضب الذي كان أقوى خلال الأيام الأولى للحرب على غزة، من أجل رفع مستوى الضغط الشعبي في كل العالم، حتى تحقيق المطلب العادل المتمثل في وقف آلة القتل الصهيونية".
وإلى التظاهرات والوقفات الاحتجاجية، يطالب ناشطون ليبيون بالمساهمة الفعّالة في نشاطات مقاطعة السلع التي تنتجها شركات تدعم إسرائيل، لكن يبدو أن الاستجابة ليست في المستوى المطلوب، بحسب ما يرى الباقني رغم أنها "أقل واجب لدعم فلسطين".
ويقول يحيى عبد المالك، وهو صاحب بقالة لبيع المواد الغذائية في طرابلس، لـ"العربي الجديد": "كانت الاستجابة ضعيفة في البداية، لكننا لاحظنا أخيراً تزايد استخدام زبائن تطبيقات على الهواتف الخليوية لمعرفة إذا كانت سلع معينة ضمن البضائع التي تشملها دعوات المقاطعة أم لا".
ويفسّر سبب عدم التجاوب الواسع "بتركيز دعوات المقاطعة بشكل أكبر على سلسلة مطاعم ماكدونالد ومقاهي سلسلة ستارباكس التي لا تتواجد في ليبيا، ثم بدأت الناس تعي أن دائرة المقاطعة أكبر من ذلك، وأرى أن التطبيقات الجديدة قد تزيد نسبة المقاطعة توضيحها البضائع المستهدفة".
ورغم أن مقاطعة السلع قد تلحق خسائر مالية بأعمال عبد المالك وبقالته المتواضعة، لكنه يتقبل ذلك باعتبار أنها "لا تقارن بما يتعرض له المدنيون في غزة".
وتخبر آمنة الغرياني التي قصدت بقالة عبد المالك لشراء أغراض، "العربي الجديد"، بأن تطبيقاً جديداً يحمل اسم "قضيتي" ينقل للمشترين معلومات عن تصنيف السلع بين بضائع المقاطعة أم لا، وتصفه بأنه "بسيط وسريع وفعّال يساهم في دعم القضية الفلسطينية".
وليس تطبيق "قضيتي" الوحيد الخاص بدعوات المقاطعة كما يوضح الباقني، لكنه يستدرك بأن "الأهم هو استخدام هذه التطبيقات أو أي وسيلة أخرى لمعرفة أهم السلع المطلوب مقاطعتها، والاستمرار في المقاطعة من دون توقف".
وعلى الصعيد الرسمي توحدت الرؤية الرسمية حول الحرب في غزة، رغم الانقسام السياسي السائد منذ عام 2014. وتتالت بيانات شجب الحرب والمجازر التي أصدرها مجلس النواب في بنغازي والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، والمجلس الرئاسي، إضافة إلى حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، والحكومة المؤقتة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي.
ونهاية الأسبوع الماضي، أدانت وزارة الخارجية مجزرة قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي حياً سكنياً في مخيم جباليا بقطاع غزة، ما أسفر عن أكثر من 400 قتيل، وجرح مئات، ووصفتها بأنها "تأكيد لمواصلة الاحتلال الإسرائيلي سياسة الإبادة الممنهجة والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني الأعزل".
وأكدت الوزارة أن الاحتلال الإسرائيلي يتحدى القوانين الدولية الإنسانية، ويرتكب جرائمه تحت مرأى ومسمع أطراف النظام الدولي وبالتواطؤ معها، ويتعمد الاستهانة بأرواح الشعب الفلسطيني، وطالبت بـ"وقف فوري الحرب على الفلسطينيين التي ستؤدي إلى عواقب وخيمة لن يستطيع المجتمع الدولي استيعابها ووقف تداعياتها".
أيضاً، حثت كتلة التوافق الوطني في المجلس الأعلى للدولة الليبية مجلس النواب على إصدار تشريعات فورية تمنع وتحرّم جميع الشركات الدولية التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي من المشاركة في مناقصات القطاعين النفطي والغازي في ليبيا.
واقترحت الكتلة التي تضم أكبر عدد من أعضاء مجلس الدولة، مقاطعة أي شخص أو جهة تدعم العدوان على غزة.، والذي يشمل "كل شخص طبيعي أو اعتباري داخل ليبيا أو يمثلها في الخارج أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً أو يجري تعاملاً بأي شكل مع شخص يتمتع بجنسية إحدى الدول المؤيدة للحرب أو تدعم الحرب لصالح إسرائيل في غزة".
أيضاً أشار المقترح إلى أهمية إعداد قوائم تضم الشركات والأفراد الأجانب الذين يخضعون لهذا القانون، وضرورة تفعيل القانون السابق لمقاطعة إسرائيل، وفرض عقوبات على من ينتهك هذا القانون.
إلى ذلك شهدت السفارة الفلسطينية في طرابلس تحركات دبلوماسية نفذها القائم بأعمالها محمد رحال الذي نظم قبل يومين مؤتمراً حضره ممثلو السلك الدبلوماسي المعتمد في ليبيا، والذين أطلعهم على حجم المجازر وعدد الشهداء الذين قضوا جراء قصف قوات الاحتلال المستمر للشعب الفلسطيني الأعزل، وطالبهم بنقل هذه الصورة إلى حكوماتهم تمهيداً لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني، وإدخال المساعدات الإغاثية والطبية إلى أهالي قطاع غزة.