الأسواق الليبية مفتوحة على جميع السلع الغذائية المستوردة، من دون رقابة صارمة، فيما لا تتقيد المحال والمطاعم في معظمها بالإجراءات والضوابط الصحية
أطلق مركز الرقابة على الأغذية والأدوية الحكومي، في ليبيا، التابع لحكومة الوفاق، حملة رقابية زارت، حتى الأسبوع الماضي، سبعة أحياء في العاصمة طرابلس، وتمكنت من ضبط مخالفات عديدة، بحسب عبد الحميد العكاري المسؤول في إدارة المكاتب التابعة لمركز الرقابة على الأغذية في المخابز والمطاعم ومحال اللحوم. وبينما قررت الفرق الرقابية إغلاق بعض تلك المحال، فإنّ العكاري يشكك في صحة التزام أصحاب المحال بذلك، بالرغم من أنّ تلك الحملة وغيرها من الحملات تكون مصحوبة بفرق من الحرس البلدي، عازياً سبب تمنعهم إلى استمرار الفوضى الأمنية التي شجعت التجار الجشعين على التجاوزات. ويلفت العكاري في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ نشاط المركز في توسع لتطاول الحملات الرقابية مدناً خارج طرابلس، مشيراً إلى أنّ إحدى الحملات زارت مدينة هون البعيدة عن طرابلس بنحو 500 كم، في محافظة الجفرة، لتكتشف انتشاراً كبيراً لمواد غذائية منتهية الصلاحية، لكنّ الأخطر اكتشاف مواد غذائية تحتوي ألواناً محظورة بموجب المعايير القياسية الليبية. ويشدد على أن إجراءات الإقفال يجب أن تطاول "أسواق الجملة التي ما زالت تحتمي بسلاح المجموعات المسلحة وعلى صلة بنافذين في الجهات الرقابية لا سيما في الموانئ يشاركونها جريمة تسرب الأغذية الفاسدة". ويلفت إلى أنّ أنشطة مكاتب مركز الرقابة على الأغذية، والحرس البلدي، عادت منذ نحو سنتين، وبالتالي "لماذا ما زالت الأغذية الفاسدة، ومنتهية الصلاحية، تتدفق على المواطنين بنفس الوتيرة السابقة"؟
وعلى الرغم من قرار مركز الرقابة على الأغذية والأدوية إقفال تلك المحال، فإنّ عبد المنعم أبو نجيم، عضو مكتب الرقابة على الأغذية في هون، يؤكد أنّها لم تقفل، وما زالت تزاول عملها، لافتاً إلى أنّ بعض المخاطر يمكن السيطرة عليها. ومن بين تلك المخاطر الأغذية منتهية الصلاحية والتجاوزات في بطاقات الأمان الصحي للعاملين في المطاعم، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد". لكنّه يؤكد كذلك أنّ الخطر الأكبر يكمن في تسرب مواد غذائية تحتوي على مواد محظورة أو خارج المعايير القياسية المعمول بها في البلاد. ويعبر أبو نجيم عن استغرابه من وصول كميات من لحوم الدجاج منتهية الصلاحية إلى مدينة غات في أقصى الجنوب الليبي، بالرغم من أنّ تاريخ انتهاء صلاحيتها سابق على تاريخ الإفراج عنها من جانب مصلحة الجمارك في موانئ شمال البلاد، مؤكداً أنّ كميات الأغذية الفاسدة المستوردة كبيرة وتحتاج إلى جهود مضاعفة وتنسيق بين أغلب الأجهزة الرقابية للتغلب عليها ووقف تسربها.
وفي طبرق (شمال) يقول الجالي بالحسن، المسؤول بفرع جهاز الحرس البلدي: "نحن نعمل على مقاومة تفشي الأغذية الفاسدة بتكثيف حملات التوعية لدى المواطنين، ومنها حثهم على ضرورة التعرف على تاريخ الصلاحية واستهلاك منتجات علاماتها التجارية معروفة بدلاً من العلامات المجهولة والتي بدت منتشرة بشكل واسع". ويقر بالحسن في حديثه لـ"العربي الجديد" بأنّ المدينة القريبة من الحدود الشرقية للبلاد سوق رائج للمنتجات الغذائية المستوردة بطرق مخالفة للقانون أو التي تسربت عبر المنافذ الرسمية بتجاوزات، ويلفت إلى أنّ مكتبه يعول بشكل كبير على وعي المواطن كأحد سبل مواجهة هذه الظاهرة. ويتحدث عن بعض التجاوزات التي تم الكشف عنها في حملات مكتبه بالمدينة: "منها غياب التراخيص في أغلب المطاعم وبالتالي فالعاملون فيها لا يتوفرون على شهادات صحية. واكتشفنا كميات من اللحوم الفاسدة، وعدم الاهتمام بالنظافة في أغلب المخابز". ويتفق مع العكاري في عدم تقيد أصحاب المحال بقرارات الإقفال واستمرارهم في مزاولة أعمالهم.
وتبدو مظاهر وآثار الأغذية الفاسدة وعدم تقيد المطاعم والمخابز بإجراءات النظافة واضحة لدى خيري الشاعري، وهو طبيب بمستشفى المرج العام، شرق البلاد،، إذ يؤكد أنّ حالات التسمم الغذائي التي تجري معالجتها في المصحات والمستشفيات لا يمكن إنكارها. وفي الوقت نفسه، يرى الشاعري أنّ مخاطر الأغذية الفاسدة ما زالت غير ظاهرة حتى الآن. ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "الأغذية الفاسدة أو التي تحتوي على ألوان محظورة أو على مواد بنسب تتجاوز الحد المسموح به، يتأخر ظهور مخاطرها من خلال الأمراض التي تحتاج إلى سنوات"، مشيراً إلى رصد تسمم لدى الأطفال بسبب أصناف من حليب الأطفال منتهية الصلاحية. ويلاحظ الشاعري غشاً تجارياً في بعض محال بيع اللحوم من خلال وضع مصابيح ذات لون أحمر لإيهام الزبون بأنّ تلك اللحوم جيدة، وعادة ما تكون غير صالحة للاستهلاك، موضحاً أنّ استهلاكها يؤدي إلى إضعاف دفاعات جسم الإنسان تدريجياً، بالإضافة إلى مضاعفات أخرى على بعض أعضاء الجسم، لكنّها تتأخر في الظهور.
ويطالب الشاعري بتشديد الرقابة على أنواع الأغذية المطروحة في الأسواق. لكنّ أبو نجيم يدافع بالقول إنّ "الجهات الرقابية تؤدي عملها لكنّ الوقوف أمام هذا الخطر يستلزم وجود جهات ضبطية وتفعيل أجهزة المحاسبة والقضاء لمعاقبة المخالفين".