أثارت حادثة وفاة الطفل مرعي محمد (4 سنوات) في منطقة وادي الشاطئ جنوب غرب ليبيا، من جراء تعرضه للدغة عقرب، أزمة نقص اللقاحات المضادة التي يواجهها المواطنون سنوياً، من دون أن تسعى السلطات إلى تفاديها. وتناقلت مواقع التواصل صور الطفل مرعي الذي توفي السبت الماضي، بعد وصوله إلى مركز سبها الطبي، بسبب عدم توفر اللقاحات، وسط استنكار من جراء تراخي الحكومة عن إيجاد حل لها، علماً أنّ لدغات الأفاعي والعقارب، خصوصاً الأخيرة، تنتشر في مناطق مختلفة من ليبيا.
وفي منتصف يونيو/ حزيران الماضي، تناقلت مواقع التواصل مقطع فيديو لطفلة تصارع الموت داخل مستشفى أوباري العام، جنوب البلاد، بعد تعرضها للدغة عقرب، فيما عجز طاقم المستشفى عن إسعافها بسبب عدم توفر اللقاحات. وإزاء الضغط الذي مارسه ناشطون، أعلن المكتب الإعلامي لمركز الرقابة على الأغذية والأدوية، عن إمكانية الإفراج عن شحنة لقاحات مضادة للدغات العقارب والأفاعي مطلع الأسبوع المقبل، بعد الانتهاء من تحليلها والتأكد من سلامتها.
وكان مدير المركز محمد الزيات، قد أعلن أن المركز يعمل على تحليل الشحنة، مشيراً إلى أن الموظفين يعملون على إعادة تحليلها بعدما جاءت النتائج غير مقبولة لناحية فعالية اللقاحات. ويعزو سبب إجراء التحليل إلى تغير مصدر استيراد اللقاحات. أضاف: "في السابق، كان الاستيراد يتم من مصر ودول الجوار، ويمكننا التعرّف على النتائج سريعاً. أما الآن، فالمصدر تغير وتم استيراد الأمصال من الهند، وهو مصدر جديد ويتوجب التأكد من سلامة الدواء". ولم يذكر الزيات أسباب تغير مصدر الاستيراد.
في المقابل، يتهم الناشط مسعود المقدمي، الجهات الرسمية بالتقصير في معالجة الأزمة التي تتفاقم في فصل الصيف وتودي بحياة العشرات. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الأزمة بدأت منذ سنوات قليلة من جراء انهيار الوضع الصحي وعدم توفر الأدوية للكثير من الأمراض المزمنة"، مضيفاً: "كان يفترض أن تستعد وزارة الصحة لمثل هذه الأزمة الموسمية وتوفر اللقاحات قبل بدء فصل الصيف".
وعلى الرغم من انتشار صور ومقاطع فيديو للطفلين على مواقع التواصل والفضائيات الليبية، فإنّ وزارة الصحة لم تعلن أي موقف. ويطالب المقدمي السلطات القضائية بفتح تحقيق عاجل في الإهمال الذي تمارسه وزارة الصحة حيال المواطنين والاستهانة بأرواحهم، وفق تعبيره. وأعلنت بلديات وادي الآجال أنه حتى منتصف يونيو/ حزيران الماضي، تم الإبلاغ عن نحو 450 لدغة، فيما يبلغ عدد الوفيات بسبب اللدغات تسع حالات يومياً.
ونظّم عدد من الناشطين وأهالي الضحايا في منطقة الغريفة جنوب البلاد، وقفة احتجاجية مطالبين وزارة الصحة والأجهزة المختصة التابعة لها بتوفير اللقاحات المضادة للدغات العقارب والأفاعي، والتي لا تتوفر في المستشفيات والمراكز الصحية في مناطق وبلديات وادي الآجال.
وإزاء الإهمال الحكومي، يؤكد المقدمي لجوء الأهالي إلى التداوي بالأعشاب في ظل ندرة اللقاحات في الصيدليات. ويقول إن "فكرة التداوي بالأعشاب منتشرة ويضطر إليها الناس"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ عدداً من الناشطين تعلموا بعض الإسعافات الأولية التي تقي المصابين الموت.
ومن بين الجهات الأهلية الناشطة في هذا المجال، مركز نور العلم ـ أوباري (جنوب) الذي أعلن عبر صفحته على "فيسبوك" عن إنقاذ حياة سبعة أطفال خلال الأيام القليلة الماضية. ولفت المركز، في أحد منشوراته التي عرض فيها طريقته في إسعاف من يتعرضون للدغات العقارب: "يصعب على وزارة الصحة اعتماد هذه الطريقة كإسعاف أولي، ويصعب علي المراكز الصحية ذلك أيضاً. لكن لم يكن صعباً عليهم تسجيل وفيات بين الأطفال بأعداد رهيبة نتيجة لدغات العقارب"، مع نشره صورة يد طفل لدغه عقرب وإسعافه أولياً عن طريق الضغط لإخراج السم مع الدم.
وسبق مواقع التواصل تناقل نداء من متطوعة تدعى نواسة محمد (خريجة كلية التقنية الطبية)، من إحدى مناطق الجنوب، وجهته إلى وزارة الصحة والمسؤولين، لمساعدتها في إتمام دراستها التي بدأتها بجهود ذاتية لتعقب العقارب والقضاء عليها. ونقل ناشطون عن محمد أنّ الطريقة تعتمد على مصايد بدائية وُضعت في 15 منزلاً بشكل عشوائي، في إطار مشروع خاص في منطقة وادي عتبة، لتتمكن من اصطياد 173 عقرباً. وتشير إلى أنّ مشروعها الذي يحتاج إلى دعم وتطوير يهدف إلى جمع العقارب في مزارع والاستفادة منها في صناعة اللقاحات. لكنّ المقدمي يحمل البلديات المسؤولية أيضاً، قائلاً: "البلديات تتراخى كلّ عام، ولا تقوم برش المبيدات في الميادين والمدارس وعلى مقربة من المساجد والساحات حيث يلعب الأطفال". كما يشير إلى تقصير مؤسسات المجتمع المدني في توعية المواطنين حول الإسعافات الأولية للمصابين.