يواصل مكتب النائب العام الليبي طوال السنتين الأخيرتين، إصدار أوامر قبض على شخصيات حكومية وموظفين رفيعي المستوى في مؤسسات حكومية، للتحقيق معهم في قضايا فساد وتجاوزات، وكان آخرها أوامر بإحالة 26 متهماً بارتكاب جرائم فساد في القطاع المصرفي إلى القضاء.
وأوضح مكتب النائب العام، في ايجاز صحافي، منتصف شهر مارس/آذار الحالي، أن المتهمين الـ 26 استولوا على 12 مليون دينار من أموال مصرف شمال إفريقيا، بعد أن زوروا البيانات المدرجة في قواعد بيانات المصارف لغرض تحقيق منافع مادية غير مشروعة، كما شكلوا لذلك جماعة إجرامية تُتيح لهم الوصول إلى قواعد بيانات مصارف تجارية، وتعظيم المديونية في حسابات مصرفية تم تعيينها، بإدراجهم أرقاماً تفوق حقيقة الأرصدة الدائنة.
كما أعلن مكتب النائب العام، إصدار أوامر للجهات الأمنية بمداهمة أوكار "الجريمة المنظمة" في منطقة القريات (جنوب غربي طرابلس)، مشيرا إلى أن عملية المداهمة أسفرت عن "ضبط مجموعة من المطلوبين بعد مقاومتهم بالأسلحة النارية، وضبط ما بحوزتهم من أسلحة وذخائر، ومركبات استقوى بها المطلوبون على مقاومة قوات إنفاذ تدابير النيابة العامة"، مؤكداً وجود منخرطين في تلك العصابات منسوب إليهم ارتكاب جرائم إتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية، والأسلحة النارية ومكوناتها، وتنظيم رحلات الهجرة غير المشروعة، والاتجار بالبشر.
وبالتزامن مع عملية القريات، داهمت قوى أمنية أوكاراً للجريمة في مدينة مصراته، شرقي طرابلس، وأفاد مكتب النائب العام بأن العملية في مصراته تم خلالها "ضبط عشرات المواطنين والوافدين المتورطين في تجارة المخدرات"، بالإضافة إلى العثور على كميات كبيرة من المواد الممنوعة، والأموال المتحصل عليها نتيجة تلك الجريمة.
وفيما تتجه أوامر النائب العام إلى ملاحقة الحالات التي تقع فيها جرائم جماعية، أو تتصل بجماعات، تنشط أجهزة أمنية في ملاحقة متورطين في جرائم فردية حالية وسابقة، وتتصل بعض تلك الجرائم ببعضها، ومن بينها ما أعلنت عنه مديرية أمن بنغازي، حول القبض على شخص من ذوي السوابق مطلوب على ذمة 15 قضية، من بينها إطلاق الرصاص على مركز شرطة في المدينة، وإطلاق الرصاص على مواطنين بغرض التهديد والابتزاز والسرقة.
وفي منتصف فبراير/شباط الماضي، أعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، القبض على متهم في جريمة قتل وقعت خلال عام 2015، بنطاق نيابة نالوت (غرب)، وفي مطلع ذات الشهر، أعلنت الوزارة القبض على مطلوب في جريمة سرقة بالإكراه بواسطة التهديد بسلاح أبيض، وآخر متهم بارتكاب جريمة قتل وقعت في منطقة باب بن غشير، وسط طرابلس، خلال عام 2011.
وفي منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت إدارة المهام الخاصة بالإدارة العامة للعمليات الأمنية بمدينة الخمس، شرق طرابلس، القبض على متهم في جريمة قتل ارتكبت قبل 14 عاماً، وفي مطلع ذات الشهر، قبضت فرق أمنية تابعة لوزارة الداخلية على متهم بارتكاب جريمة قتل وقعت قبل أربعة أعوام.
ويقول الناشط الحقوقي، جمال دعيب، إن هذه العمليات ترسخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، معتبراً أن "هذه الخطوات تندرج ضمن طريق تصعيد الملاحقات لتشمل قضايا جنائية أوسع، كالجرائم المرتكبة في ترهونة، والتي خلفت عشرات المقابر الجماعية، والمذابح والمجازر التي شهدتها مناطق الجنوب الليبي، وبنغازي ودرنة في شرق البلاد".
وأوضح دعيب لـ"العربي الجديد"، أن "نشاط مكتب النائب العام يبعث على الأمل بعد أن طاولت أوامره موظفين في دوائر الدولة العليا، واستهدف بعضها جرائم الفساد المالي في السفارات، وركز الفساد المتفشي في قطاع المصارف، وهي خطوات جيدة تؤكد جديته في ملاحقة قضايا الفساد السابقة، كما تحشد الدعم له ليواصل المشوار نحو فتح المزيد من القضايا الجنائية".
ويؤكد الناشط الحقوقي أنّ "ملاحقة الجرائم الكبرى لا يعد تقليلاً من شأن ملاحقة الجرائم الفردية، بل هي مهمة في تراجع معدلات الجريمة، وبيانات الجهات الأمنية تصف بعض العصابات بأنّها شبكات جريمة منظمة ما يدل على وصول حجم الجريمة إلى مستويات مرتفعة".
ويلفت دعيب إلى ظاهرة جديدة على صعيد الجريمة، كشف عنها تفكيك شبكة إجرامية بمدينة إجدابيا، غرب بنغازي، تستهدف الأطفال، وهو ما أكده جهاز الأمن الداخلي عقب ضبطه عصابة مكونة من ستة ليبيين يمتهنون خطف الأطفال، واستغلالهم جنسياً، وبعد تفكيك العصابة، عثر في هواتفهم على مقاطع مخلة بالشرف لعدد من الأطفال الذين تم خطفهم بعدما تتبعوا محاولة خطف طفل من أمام أحد المقاهي. ويحذر من أن يكون هذا النوع من الجرائم "طريقاً لجرائم أخطر تتعلق بتجارة الأعضاء، لكن عمليات ملاحقة الجرائم الحالية والسابقة سيحد من تصاعد وتشابك أنواع الجرائم".
ولتسهيل ملاحقة الجرائم السابقة والحالية، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، نهاية يناير الماضي، عن مباشرتها تأسيس منظومة موحدة للبلاغات بمراكز الشرطة، بما يسهم في الارتقاء بمستوى الأداء الأمني بالمديريات.