استمع إلى الملخص
- حكومة الوحدة الوطنية تسعى لمواجهة الأزمة بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان وتطوير منظومة إلكترونية لتسجيل المرضى وإدارة خدمات العلاج، بالإضافة إلى تحسين توفير الأدوية.
- رغم الجهود، تظل التحديات قائمة بسبب الفساد والفوضى في إدارة المراكز الطبية والانقسام الحكومي، مما دفع الأهالي لإنشاء جمعيات خيرية لجمع التبرعات لعلاج المرضى وشراء الأدوية.
يعاني مرضى الأورام في ليبيا منذ سنوات من سوء الأوضاع الخدمية في المراكز الحكومية التي يعدّ عددها محدوداً، وهو سبعة في أنحاء البلاد. كما يواجه المرضى مشكلة نقص الأدوية والأطباء المتخصصين لمتابعة العلاجات.
يهدد سوء الخدمات الطبية في ليبيا حياة مرضى الأورام الذين يواجهون مصيرهم وحدهم في ظل النقص الحادّ في الإمكانيات والخدمات المقدمة في مراكز العلاج. وقد أُقفلت أقسام إيواء في مراكز تضم أسرّة لتلقي المرضى جرعات الأدوية الكيماوية، وينتظر بعضهم مواعيدهم المحددة في طوابير مزدحمة.
ويؤكد المريض علي محفوظ أن قسم الإيواء في مركز علاج الأورام بمدينة صبراته مقفل منذ مدة طويلة من أجل تنفيذ أعمال صيانة فيه، وأن المرضى يتلقون جرعات الكيماوي جلوساً على كراسي في غرف مزدحمة لا يملكون إلا خيار التناوب عليها للحصول على علاج.
ويصف بالتالي أوضاع المرضى بأنها "سيئة جداً في ظل النقص الحادّ في الخدمات وطواقم الأطباء والمساعدين، وعدم توفر الأدوية".
ويوضح محفوظ أن "ثمن جرعة الكيماوي في الصيدليات الخاصة يصل إلى نحو 400 دولار، أي راتب شهر كامل لموظف حكومي. وغالبية المرضى لا يستطيعون شراء هذه الجرعات، وينتظرون أدوارهم في طوابير أمام حجرات مزدحمة، ثم يجلسون على كراسي للحصول على الجرعات بدلاً من أخذها وهم نائمون على أسرّة، وهو ما تتطلبه أوضاعهم الصحية الدقيقة".
وسبق أن أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس أنها تتصدى لملف مرضى والأورام وتحاول حلّ مشكلة انتقال مرضى للعلاج في الخارج من خلال تنفيذ خطط لتوطين علاج الأورام في الداخل.
وأسست الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان التي أنشئت في نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، منظومة لتسجيل مرضى الأورام لإدارة خدمات العلاج ومنح الأدوية وفق نظام إلكتروني، ودعت المرضى إلى فتح ملفات إلكترونية فيها من أجل توثيق بياناتهم الأساسية وتحديد احتياجاتهم الدوائية.
وأخيراً اجتمع رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، مع مسؤولين في حكومته وآخرين في أجهزة الرقابة لمناقشة ملف توطين العلاج في الداخل، وتقييم حالات تتطلب الحصول على علاج في الخارج. وشدد في الاجتماع على ضرورة أن توفر الأجهزة الطبية كافة الأدوية لمرضى الأورام.
وأوضح المكتب الإعلامي للحكومة أن الهيئة قدمت العلاج الإشعاعي لأكثر من ثلاثة آلاف مريض بمختلف مراكز العلاج، وأنها سجلت أكثر من ثمانية آلاف مريض ضمن منظومتها الإلكترونية، وبدأت في توريد الأدوية اللازمة للمرضى.
لكن محفوظ يؤكد أن "الحكومة قد توفر الأدوية وتوزعها لفترة، ثم تعود الحال إلى ما كانت عليه من معاناة".
ومنذ سنوات تعاني ليبيا من عدم معرفة عدد المصابين بالأورام وأنواعها، لكن الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان أعلنت تسجيل 22.059 مريضاً بالأورام في مختلف البلاد حتى نهاية العام الماضي، 28% منهم مصابون بسرطان الثدي، و18% منهم بسرطان القولون.
وهنا يسأل الطبيب المتخصص في علاج سرطان العظام إبراهيم عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن عدد المصابين بباقي أنواع مرض السرطان. ويشير أيضاً إلى أن إحصاء الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان لم يذكر عدد الأطفال المصابين، وأكثرهم من المصابين بأورام الدم. وربما يرتبط هذا الأمر بعلاج غالبية الأطفال في الخارج، علماً أن إمكانيات علاج أورام الأطفال تكاد أن تنعدم في الداخل".
ولم تحدد السلطات الفئات العمرية للمرضى الذين يخضعون لعلاج في الخارج، في حين ذكرت أن إجمالي عددهم يبلغ 5620، منهم 4416 في تونس، و970 في مصر، و186 في تركيا، و48 في ألمانيا، وأن 45 في المائة منهم عادوا إلى البلاد بعد توفير العلاج الإشعاعي في المراكز المحلية.
ويشير عثمان الى أن "الحكومة في طرابلس نجحت في قطع خطوات مهمة لحلّ مشكلات ملف علاج الأورام، لكن ارتباط الجهود بحكومة الوحدة الوطنية حدّ من قدرة مستشفيات خارج مناطق سيطرتها على الحصول على الخدمات بسبب الانقسام الحكومي".
ويلفت إلى وجود مشكلات أخرى تتعلق بالخدمات المتوفرة للمرضى، ويقول: "رغم بدء توفير العلاج الإشعاعي، يعاني المرضى من فوضى في إدارات المراكز والمستشفيات التي لم تواكب جهود الحكومة. وتوقفت أقسام في مراكز متخصصة بعلاج الأورام بسبب أعمال الصيانة رغم أنها مهمة جداً بالنسبة إلى المرضى، وتضم أطباء قادرين على تقديم العلاجات".
وكان أهالي مرضى الأورام في ليبيا أنشأوا جمعيات وروابط خيرية لجمع تبرعات لعلاج المرضى وشراء أدوية، في حين سيطر الفساد على ملف علاج مرضى بالأورام في الخارج، وصولاً إلى حدّ إعلان وفيات بسبب توقف سلطات الحكومات السابقة عن صرف مخصصات مالية إلى مستشفيات ومصحات أجنبية توافد إليها المرضى لتلقي العلاج.