لا تزال أجواء من الخوف والأسى تخيّم على الساحة الأفغانية عموماً، وعلى العاصمة كابول، على وجه الخصوص، بسبب الهجوم الانتحاري على مركز تربوي، شمال غربي كابول، أمس الجمعة، ما أدى إلى مقتل 27، بحسب الرواية الرسمية و37 بحسب شهود عيان، جلهم من البنات بعضهن من المراهقات، قد حضرن إلى المركز التربوي من مختلف مناطق العاصمة، وبعضهن من الولايات، للمشاركة في الاختبار التدريبي، ولكن الهجوم الانتحاري دمر أحلامهن، وخلف ذويهن والساحة الأفغانية بشكل عام في حالة من القلق والخوف.
اكتفت حكومة "طالبان" بإدانة الحادثة وشجبها، والتوعد بمعاقبة الضالعين في الجناية بحق أطفال البلاد، بينما ذكرت الداخلية أن أرقام القتلى وصلت إلى 27 بين البنين والبنات، جلّهم من خريجي الثانوية، وبعضهم من طلاب وطالبات الصف العاشر والحادي عشر، ولكن شهود عيان وسكان المنطقة التي وقع فيها الهجوم يتحدثون عن بشاعة ما حصل، وأن عدد القتلى 37 جلهم من البنات.
شميلة.. لم يتبق من حلم دراسة الطب سوى أشلاء
يقول محمد فريد، أحد جيران المركز الذي وقع فيه الهجوم لـ"العربي الجديد" إنه كان في منزله وقت وقوع الهجوم، وبينما كان نائماً سمع دوي إطلاق نار، فأسرع إلى البوابة ليرى ماذا حصل وإذا بانفجار ضخم هز المنطقة بأسرها، وبدأ الدخان يتصاعد من داخل المركز التربوي.
يقول فريد: "بعد الانفجار مباشرة دخلت إلى المركز كانت هناك رائحة كريهة جداً، رائحة البارود والدم، رأيت الطلاب يحاولون القفز من الشبابيك بالصف الذي وقع بداخله الانفجار، ولما دخلت إلى الصف وجدت عشرات البنات بين قتيل وجريح"، موضحاً أن التفجير وقع في الجزء الأمامي من الصف حيث كانت البنات، وفي الوراء (الجزء الخلفي) وبعد حاجز خشبي كان الشباب.
يضيف فريد: "رأيت أشلاء مقطّعة ممزقة لمراهقات ربما لا تتجاوز أعمارهن الـ15 أو الـ16 أو الـ17، رأيت الحقائب والكتب والجوالات ملطخة بالدماء، بدأ الناس يهرولون إلى داخل المركز، نساء ورجالاً، يصرخون ويبحثون عن ذويهم، إذ إن كثيراً من الطالبات كن من جيران المركز".
يحكي الرجل قصة شابة تدعى شميلة من ولاية دايكندي، تخرّجت من الثانوية في الولاية، وجاءت إلى كابول من أجل الإعداد للامتحان الشامل، كانت تعيش في بيت عمها بالقرب من المركز، ولما نقلوا جثمانها إلى داخل منزل عمها وجدوا في محفظتها 17 أفغانية. ناقلا ما ذكره عمها له، أن كل ما كانت تملكه بنت أخيه هذه النقود: "جاءت لتحقق حلمها لكي تنجح في الامتحان الشامل وتسجل في كلية الطب وتصبح طبيبة، أبوها مزارع، الآن هم سيحملون أشلاءها إلى القرية".
خالدة رضا.. قصص غزلتها رائحة البارود والدم
خالدة رضا، وهي من بين المصابات ولكن جروحها طفيفة تحكي لـ"العربي الجديد" القصة: "كنا ندرس والمدرس كان يكتب على السبورة ثم سمعنا دوي إطلاق نار عند البوابة، بدأنا نتحرك من أماكننا إذ دخل شاب يبدو أنه دون الـ20 وبدأ يطلق النار علينا بشكل عشوائي، كنت في الوراء قليلاً بالقرب من الحاجز الخشبي بين البنين والبنات، لما بدأ الشاب يطلق علينا النار حاولنا الاختفاء تحت الطاولة والكراسي، اختفيت وكنت أسمع دوي الطلقات وإذ فجأة وقع صوت كبير ومخيف رفعت رأسي فرأيت الصف ممتلئاً بالدخان ورائحة البارود، سقطت مرة أخرى من الخوف، حتى جاء الناس وأخرجوني، رأيت زميلات لي ملطخات بالدماء على الأقل خمس من زميلاتي من مدرستي لقين حتفهن، إذ كن في الصفوف الأمامية".
يذكر أن المركز نفسه تعرّض لهجوم انتحاري العام الماضي، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، وكان اسمه آنذاك مركز الموعود، لكن بعد ذلك الانفجار غيّر أصحاب المركز اسمه إلى مركز الوهاج.
لم تقتصر حالة القلق والخوف على ذوي الضحايا وأقاربهم، بل كل الفئات الأفغانية بلا استثناء، خاصة أن انفجاراً آخر وقع اليوم بالقرب من مدرسة للأطفال في منطقة خيرخانه، ولكن من حسن الحظ أنه لم يخلف أي ضحايا، سوى أنه أثار حالة من الخوف بين الطلاب والطالبات من الصف الأول حتى السادس، حيث تظهر تسجيلات مصورة نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي، خروج البنات والبنين من المدرسة في حالة من الخوف يهرولون ويصرخون ويبكون، بينما يهرول ذوو الأطفال صوب المدرسة لأخذ أولادهم.
ماذا تفعل طالبان لتوفير الأمن والحماية؟
وفي تعليق له يقول الأكاديمي الأفغاني نصير الله بندي خان لـ"العربي الجديد" إن الحالة مأساوية جداً، هجوم أمس كان مروعاً للغاية، المشاهد لا نستطيع أن نراها على وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي، فكيف بمن فقدوا ذويهم وفلذات أكبادهم، جميعهم مستقبل البلاد، كلهم مراهقات ومراهقون، لا ندري من يقتلنا، وبأي ذنب؟
يتساءل بندي خان، ماذا تفعل حكومة "طالبان" لتوفير الحماية والأمن في البلاد؟ مشيراً إلى أن مسلحي الحركة اليوم يطلقون النيران بشكل مكثف على المظاهرة النسائية التي خرجت في موقع هجوم أمس للتنديد بالحادث لا أكثر، وكأن عدواً للوطن قد خرج وهم يتصدّون له، مطالباً الحكومة بأن تعمل بجد وألا تشغل نفسها بالأمور الهامشية بمنع البنات من التعليم، ومنع النساء من العمل.
ويدعو بندي خان، المجتمع الدولي إلى أن يعمل مع حكومة "طالبان" ويبحث معها بجد قضية الأمن وتعليم البنات وعمل النساء، وحقوق الإنسان بشكل عام، بدلاً من الإدانات والشجب لأعمال العنف، إذ لا جدوى منها.