مع استمرار ارتفاع أعداد المصابين بمتحوّر "أوميكرون" من فيروس كورونا الجديد عالمياً، بدأت الصين التشدّد في تطبيق "سياسة صارمة" لتحقيق هدفين: الأول هو النجاح في استضافة الألعاب الأولمبيّة الشتوية المقرّرة في الرابع من فبراير/ شباط المقبل، والثاني ضمان نجاح استراتيجية "صفر كورونا" ومنع الفيروس من الانتشار مجدداً في البلاد.
وبحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية، تتخذ الصين قرارات عدة لضمان استضافة هذا الحدث الرياضي، منها فرض الحجر الصحي على سكان الصين الذي يسمح لهم بالدخول إلى الأحداث الرياضية، وعدم السماح لهم بالعودة إلى الديار من دون قضاء فترة الحجر الصحي.
وستسعى السلطات إلى إجراء اختبارات كورونا (PCR) يومياً، مع إلزام الجميع بوضع الأقنعة طوال الوقت.
تقسيم صارم
وتسعى الصين إلى منع اختلاط المشاركين في الألعاب الأولمبية بأي شكل من الأشكال مع مختلف أفراد المجتمع، من خلال تقسيم كل فئة مشاركة بحسب نطاق عملها في الألعاب الأولمبية. وتضم الفئة الأولى وسائل الإعلام، ولا يسمح لها بمخالطة أي فئات مشاركة أخرى. وتضم الفئة الثانية الرياضيين، فيما الثالثة مخصصة لعمال الدعم المحليين، بما في ذلك المتطوعون والطهاة والسائقون. أما الفئة الرابعة، فهي عامة الناس. ولن يسمح لأحد بالمشاركة من دون أن يكون قد لُقّح بالكامل أو قضى 21 يوماً في الحجر الصحي.
وبموجب الخطة التي وضعتها الصين، لن يسمح لأي فئة من الفئات أعلاه بأن تتشارك في وسائل النقل العامة. كما ستحدد المركبات المخصصة للرياضيين بعلامة حمراء في المقدمة. ونصحت سلطات المرور المحلية الجمهور بـ "تجنب الاتصال"، حتى وإن تعرضوا لحادث سير، بالسيارات الخاصة بالرياضيين. وفي حال حصول أي حادث مروري، سيتم الاحتفاظ بمخلفات الحادث في مواقع مخصصة للسلطات منعاً لانتقال العدوى.
وفي ما يتعلق بآليات السفر من وإلى الصين، فقد توقفت البلاد عن إصدار وتجديد جوازات السفر "للأغراض غير العاجلة" لمواطنيها في الداخل والخارج لتقليل السفر الدولي بشكل أكبر، بالإضافة إلى فحص أي زائر من الخارج، وإرساله إلى فنادق متخصصة لقضاء فترة الحجر الصحي لمدة أسبوعين. وما زالت الصين تطبق فترة الحجر الصحي هذه على الانتقال داخل المدن الكبرى، إذ يلزم المسافر البقاء في حجر صحي لمدة 7 أيام، ثم فترة مراقبة لمدة 7 أيام إضافية، كما يتوجب تقديم تقارير منتظمة إلى مسؤولي الصحة المحليين.
وخلال فترة الألعاب الأولمبية، يمنع على الأشخاص مغادرة المدن الكبرى إلا في حالات الطوارئ، كالدخول إلى المستشفى. وستجري السلطات طوقاً أمنياً صارماً، بالإضافة إلى تكثيف الرقابة من قبل الشرطة والمتطوعين المحليين، مع فرض عقوبات قاسية على أي شخص يخالف القواعد.
وفي حال العثور على اختبارات موجبة بين سكان الصين، سيتم عزل العائلات فوراً في المستشفيات المتخصصة منعاً لارتفاع أعداد الإصابات.
صفر كورونا
وسعت الصين من خلال الاستراتيجية المتبعة لاحتواء كورونا إلى تقييد الحريات الشخصية من دون الاكتراث للكلفة الاقتصادية لسياسة الإغلاق، على عكس العديد من الدول، الأمر الذي ساعدها على احتواء كورونا. ومنذ بدء تفشي الوباء، وبحسب الأرقام المسجلة في موقع "Our World in Data"، وهو موقع علمي متخصص يركز على المشاكل العالمية الكبيرة مثل الفقر والمرض والجوع وتغير المناخ، فإن الصين لم تسجل أكثر من 4600 حالة وفاة نهاية عام 2019، مقارنة مع تسجيل الولايات المتحدة 830 ألفاً، و150 ألفاً في المملكة المتحدة، ما يمثل رقماً ضئيلاً جداً بالمقارنة مع تعداد السكان بحسب "بي بي سي"، وهو نحو ثلاث وفيات لكل مليون شخص، بالمقارنة مع 2500 في الولايات المتحدة و2190 في المملكة المتحدة.
صحيح أن العديد من المنظمات والخبراء شككوا بدقّة البيانات الرسمية، إلا أن الأرقام المصرح عنها كانت منخفضة مقارنة بالدول الأخرى، ما يعني نجاحاً نسبياً في السيطرة على كورونا. بالإضافة إلى القيود المتشددة، فرضت الصين اللقاح على سكانها. وبحسب الأرقام، فإن نسبة نحو 85 في المائة من شعبها أخذت اللقاحات المضادة لكوفيد-19.
وترى الصين أن تشديد الإجراءات قد يكون الوسيلة الأنجح للسيطرة على الوباء، وإلا فقد تتعرض البلاد إلى نكسة جديدة، بحسب عالم الأوبئة في جامعة هونغ كونغ البروفيسور بن كاولينغ. ويرى أنّ اللقاحات الصينية وظهور المتحورات ربما تكون من العوامل المؤثرة على الوضع الصحي في الصين، ويمكن أن تتأثر البلاد في حال أعادت فتح أبوابها.
قيود مشددة
في إطار سياسة التشدّد التي تتبعها الصين، أفاد تقرير لشبكة "سي أن أن" الأميركية بسعي مدينة تيانجين الساحلية (شمال البلاد) ومقاطعة هيآن (وسط) للسيطرة على الوباء بعد انتشار "أوميكرون" لدى جزء من السكان، الأمر الذي يشكل التحدي الأكبر حتى الآن لاستراتيجية القضاء على كورونا في البلاد. وبدأت تيانجين، التي اكتشفت أول انتشار لـ "أوميكرون" قبل أيام، جولة ثانية من الاختبارات الجماعية على سكانها البالغ عددهم 14 مليون نسمة. كما أدى انتشار "أوميكرون" إلى إغلاق المدينة بالكامل.
ويثير تفشي "أوميكرون" قلق المسؤولين في بكين بشكل خاص، نظراً لاستضافة البلاد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. وألغت السلطات جميع الرحلات من هذه المناطق إلى العاصمة بكين، كما ألغيت 425 رحلة جوية في مطار تيانجين الدولي إلى كافة المناطق الصينية.
وتحدث تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عن استراتيجية الصين لتحقيق نتائج واقعية من خلال سياسة "صفر كورونا" يصف طبيعة الحياة في مدينة شيآن الصينية، التي يبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة، والتي ما زالت تعيش تحت إغلاق مشدد منذ 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهو الأطول في البلاد منذ الأيام الأولى لتفشي الوباء في ووهان.
وبحسب التقرير الذي نقل شهادات عن العديد من السكان في المقاطعة عن تفاصيل حياتهم اليومية، فإن حراس الأمن باتوا متشددين أكثر من حراس السجن، ولا يسمح للأشخاص بمغادرة المنزل إلا للضرورة القصوى، والتي تتعلق فقط بحدوث طارئ صحي.
كما تقوم السلطات بشكل شبه يومي بإجراءات تعقيم الشوارع والمباني، بعدما تم الكشف عن وجود حالات إصابة بالفيروس. ويشير إلى أن الصين ما زالت مصرة على تطبيق أساليب صارمة جداً لمكافحة الفيروس، بما في ذلك الحجر الصحي الصارم وإغلاق الحدود.