للإيراني علي درويشي، الذي أمضى كامل حياته في قطر، هوايات جمع متنوعة، شكلت له وهو في أواخر خمسينياته، ما يشبه المتحف المؤرخ للحياة الثقافية الخاصة بالعقود الماضية
وصل الإيراني علي درويشي إلى قطر، رفقة أهله، عام 1964. يومها كان طفلاً في عامه الثاني. وفي سنّ مبكر بدأ هواية جمع الطوابع. يقول لـ"العربي الجديد": "كان عمري تسع سنوات، وكنت أرافق والدي يومياً إلى مكتب شركته التي تختص باستيراد وتوزيع المواد الغذائية. كلفني بمهمة التوجه إلى مركز البريد لجلب الرسائل، وأذكر أنّ صندوق البريد الخاص بوالدي كان مليئاً دائماً بالرسائل، فأعجبت بأشكال الطوابع ورسومها، فبدأت أقصّها من الرسائل وأحتفظ بها، وبعد جمع كمية منها أضعها وسط ماء ساخن حتى أتمكن من نزعها عن ورقة الظرف التي ألصقت عليها، ثم أكويها، واحتفظ بها. لكنّي اكتشفت أنّ ذلك كان خطأ كبيراً، إذ كان عليّ أن أحتفظ بالطوابع وهي على الظرف ومختومة بخاتم البريد، لأنّ مجرد نزعها عن الظرف يفقدها أهميتها وقيمتها".
وبعد جمع الطوابع جذبت درويشي هواية جمع العملات القطرية والخليجية والعالمية، التي بدأها قبل نحو 20 عاماً، لتتنوع هواياته بعدها، فتشمل جمع المجلات، لا سيما الصادرة في قطر، واقتناء إصداراتها المتسلسلة، وكذلك الكتب التي تصدر عن الوزارات والجهات المختلفة في قطر، ويعمد إلى توثيق المعلومات والمقالات الواردة في المجلات والكتب، تحديداً المعلومات المرتبطة بقطر، بالماسحة الضوئية (سكانر)، ويحتفظ بها.
يقول درويشي، الذي يملك اليوم ما يشبه متحفاً تراثياً متنوعاً عن تاريخ قطر، إنّه جمع صوراً ووثائق ومقالات عن تاريخ الهاتف ومؤسسة الاتصالات القطرية "كيوتل"، التي تغير اسمها اليوم إلى "أوريدو"، واحتفظ بكلّ ذلك لديه، كما أن لديه أرشيفاً خاصاً بالمصارف القطرية، مثلاً بنك قطر الدولي، الذي أصبح بنك "دخان" بعد اندماجه مع بنك "بروة" أخيراً. يشرح: "لديّ أرشيف كامل لمسيرة هذا المصرف، فقد كان في بدايته يعرف بالبنك العثماني، ثم تحول إلى بنك بنكليز الإنكليزي". ويعقب: "أغلب مصادري مما كان ينشر في المجلات والصحف".
كذلك، يملك درويشي أرشيفاً مصوراً عن مناطق قطر وصحافتها، منها مجموعة كاملة من أعداد مجلة الصقر الرياضية، من العدد الأول حتى الأخير، فقد صدر العدد الأول منها في مارس/ آذار 1977 عن وزارة الدفاع القطرية، وقد صدرت المجلة في بادئ الأمر بصفة شهرية واستمرت على هذا المنوال خمس سنوات. وتضمن العدد الأول بعض الأبواب الرياضية الثابتة، مثل الرياضة حول العالم، ومن أرشيف الرياضة، وكتاب الشهر، ورجال ومعارك، كما تضمن رسالتين رياضيتين حول البطولة العربية الأولى لكرة اليد من الإسكندرية، وحول نشاطات الاتحاد الرياضي العسكري البحريني من المنامة، بالإضافة إلى جرعات ثقافية ومعلومات مفيدة حول بعض الرياضات وأثرها في صحة الإنسان، مع مسابقات فكرية ورياضية. وبمناسبة بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها الأرجنتين في يونيو/ حزيران 1978، أصدرت" الصقر" أول ملحق لها وكان في 16 صفحة. أصبحت المجلة في عام 1980 صرحاً إعلامياً رياضياً عربياً كبيراً، تُطبع منها 75 ألف نسخة كلّ شهر، وهو رقم كبير جداً بالنسبة إلى دول الخليج والمجلات المتخصصة في ذلك الوقت. وفي يوم 5 يناير/ كانون الثاني 1982 تحولت المجلة من الإصدار الشهري إلى الإصدار الأسبوعي. وابتداء من 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1982، أصدرت المجلة ملحقاً بحجم التابلويد في ثماني صفحات كلّ سبت، باسم "الصقر الرياضي". لكن، لأسباب مالية، توقفت مجلة الصقر عن الصدور، وحمل آخر عدد منها رقم 285 في 5 أغسطس/ آب 1986. كلّ هذه الإصدارات يملكها درويشي وتأخذه الحماسة إذ يتحدث عن تفاصيلها.
ويملك درويشي أيضاً أرشيفاً لأعداد متنوعة من مجلة "العروبة"، التي صدرت في فبراير/ شباط 1970، وهي أول مجلة قطرية أهلية تصدر عن دار العروبة لمؤسسها عبد الله حسين نعمة. كذلك، يملك أعداداً كاملة من مجلة "الدوحة"، التي صدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 1969عن إدارة الإعلام في قطر، قبل أن تصبح وزارة الإعلام، لكنّ هذه المجلة توقفت في أغسطس/ آب 1986 عن الصدور. ولديه أيضاً أعداد أرشيفية من صحيفة "العرب"، التي صدر عددها الأول في مارس/ آذار 1972، وصحيفة "الراية"، التي ولدت في مايو/ أيار 1979، وما زالت تصدر يومياً حتى الآن.
كذلك، يحتفظ درويشي بصور لحكام قطر، الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني (سنوات الحكم من 1913 إلى 1949)، نجل مؤسس قطر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني (1878 - 1913)، والشيخ علي بن عبد الله آل ثاني (1949 - 1960)، والشيخ أحمد بن علي آل ثاني (1960 - 1972) والشيخ خليفة بن حمد آل ثاني (1972 - 1995)، والأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (1995 - 2013).
ويقصد "متحف درويشي" مواطنون ومقيمون مهتمون وكذلك سائحون. يقول درويشي في هذا الصدد: "في إحدى المرات حضرت إليّ باحثة أجنبية، من الدنمارك أو بلجيكا، تجري دراسة عن المياه والآبار في قطر، فدللتها إلى بئر ماء في فريج الجسرة، قرب بيتنا هناك، وكنت أمر بجانبه يومياً، فقالت لي: مستحيل، فهي تفقدت المنطقة ولم تجد أيّ بئر، لكنّها عادت بعد أيام لتخبرني بأنّها وجدت البئر لكنّه كان مغلقاً".
تنوعت اهتماماته وهواياته التي جعلها مصدراً لرزقه، من جمع الميداليات الرياضية، والسيوف والأواني المنزلية والتلفزيونات والتلفونات، وصولاً إلى أشياء لا تخطر في البال، ومنها علب المشروبات الغازية. يقول درويشي إنّ علبة مشروب غازي أميركي شهير فارغة يملكها، وتعود إلى ستينيات القرن الماضي، تجاوزت قيمتها سبعة آلاف ريال (1900 دولار أميركي). كذلك، لديه فناجين قهوة قطرية، بلغ سعر واحد منها خمسة عشر ألف ريال (4100 دولار)، ولديه أشرطة كاسيت وأسطوانات لمغنين خليجيين وعرب، منها لأبي بكر سالم ومحمد عبده، يصل سعر بعضها إلى 1500 ريال (412 دولاراً)، وعلب أعواد ثقاب (كبريت)، يصل سعر قطعة واحدة منها عليها علم قطر، إلى 1500 ريال.
ويحتفط درويشي بأول دليل للهاتف في قطر يعود إلى عام 1955 وقد طبع في البحرين، وبكتاب "يوم العلم"، الذي بدأ الاحتفال به رسمياً في الستينيات، وفيه صور وأسماء الطلاب المتميزين، في مختلف المراحل الدراسية. يروي درويشي: "ذات يوم، حضر مواطن وبدأ يقلب في الكتب والمجلات، وبينما يتصفح كتاب يوم العلم، أخذ يبكي، فاستغربت بكاءه، فأخبرني بأنّه وجد صورة والده بين الصفحات".