في قرية قلالة الواقعة في جزيرة جربة المطلّة على البحر متحفٌ يعدّ من بين أكبر وأشهر المتاحف في تونس، ويختزل تاريخ وتراث وعادات عائلات تونسية، خصوصاً في الاحتفالات. المتحف يعرض مجسّمات تحاكي ملابس وتراث التونسيين، وحرفهم التقليدية، وأبرز أنشطتهم السابقة. ويضمّ المتحف أقساماً عدة على شكل بيوت صغيرة تُعرض فيها مجسمات تشرح تفاصيل بعض العادات التي تتعلق بختان الأطفال، أو المداواة بالأعشاب، أو الطهي في الأعراس، وغيرها. كذلك، تعرض مجسمات تحكي عن خصوصية الحرف في تلك المنطقة، على غرار الحياكة وصناعة الحلي أو نسج الحصائر وعصر الزيتون بالطرق التقليدية.
وسط غرفة صغيرة، هناك مجسم لشيخ ستيني يرتدي اللباس التقليدي التونسي، ويحمل بين يديه أنواعاً مختلفة من الأعشاب، وأمامه بعض الأواني التي تحتوي على خلطات من الأعشاب كانت تُستعمل للمداواة. هذا المجسم وما يحيط به يعكس تاريخ المنطقة التي اشتهرت بالعلاج بالأعشاب الطبية على غرار العديد من المناطق التونسيّة. وفي غرفة صغيرة أخرى مجسّم لـ "النساج"، يصنع الحايك أو البسكري الجربي من خلال النول الذي يُرفع على أعمدة خشبية عمودية مثبتة بها أعمدة أخرى أفقية تُوزع حولها خيوط رقيقة لصناعة الحايك من القطن أو الحرير. وغير بعيد عنه، يوجد مجسم آخر لشخص يقوم بصبغ الخيوط والقطن. واشتهرت المنطقة على غرار بقية مناطق جزيرة جربة بحرف النسيج وصباغة الأقمشة وتصديرها إلى دول مجاورة.
وفي المتحف غرف أخرى تعرض أبرز الحرف التي ميّزتها، لا سيما تلك التقليدية المهددة اليوم بالاندثار على غرار صناعة الفخار والبسكري وصباغة الأقمشة والخيوط، وصناعة القفاف والقبعات من سعف النخيل وغيرها من الحرف. وتُعرض تلك المجسمات في مكان بسيط يمتاز ببياض جدرانه وقبابه التي تحاكي أيضاً العمارة القديمة في تونس. وغالبية الجدران مطلية باللون الأبيض، أما أبوابها فمطلية باللونين الأزرق أو الأخضر. وهناك القباب التي كانت تعلو أيضاً العديد من البيوت التونسية في الماضي. وتعدّ قرية قلالة من بين أشهر قرى جزيرة جربة التي تقع بالجنوب التونسي، وتمتاز بخضرة غاباتها وبيوتها البيضاء. وجعلها بحرها الأزرق منطقة سياحية مهمة. ويعتبر متحف قلالة من بين أشهر وأكبر المتاحف في تونس، إذ تقدر مساحته بنحو أربعة آلاف متر مربع.
يمتاز المتحف بأروقته التي تعدّ انعكاساً لعادات المنطقة. وبعد المرور بتلك الأروقة التي تُعرض فيها أبرز الحرف والصناعات الخاصة بالمنطقة، تعكس أروقة أخرى أبرز عادات والتقاليد الخاصة بالزواج في تلك المنطقة والتي تتشابه في بعض تفاصيلها مع مناطق تونسية. ويشار إلى أنّ الزواج في تلك المنطقة يستمر أسبوعاً أو حتى عشرة أيام، ويقام يومياً احتفال خاص.
وفي غرفة تُسمّى الحجبة، يُوجد مجسم لعروس وحولها العديد من النساء، يقمن بإطعامها والعناية ببشرتها مستخدمين خلطات طبيعية، لتنتقل في ما بعد إلى مراسم الحنة والحمام، وتزيين العروس بالزي التقليدي الجربي وتزيينها بالحلي والذهب على أن يُغطى نصف جسدها بالذهب. ومن عادات المنطقة أن ترتدي العروس طيلة احتفالات زفافها أنواعاً عدّة وكميات كبيرة من الحلي تغطي كامل منطقة الصدر والبطن بالذهب. وفي اليوم الرابع لمراسم الزفاف الذي يسمى بيوم "البربورة"، يجلس العريس مع امرأتين حول شجرة زيتون كرمز للخصوبة.
وتوضع تحت قدميه بيضة ليقوم بدهسها لطرد الحسد. وليلاً، تقام عروض موسيقية مختلفة، فيما تنتهي المراسم بجلوس العروس في الجحفة التي تُحمل على جمل لنقلها إلى بيت عريسها. والجحفة عبارة عن غرفة صغيرة من السعف تزين بالأقمشة الحريرية وتوضع فوق الجمل لتنقل عليها العروس بعد حجبها عن عيون المارة. وهي عادة ما زالت تميز المنطقة على غرار بعض المناطق الأخرى في الجنوب التونسي.
هذه العادات عرضت من خلال مجسمات، علماً أن هذه العادات ما زالت مستمرة. حتى وإن لم يحضر أي غريب عن المنطقة حفل زفاف بجزيرة جربة، فإنّه سيدرك عادات وتقاليد المنطقة بتفاصيلها في ذلك المتحف. ويقول محمّد ضاوي، أحد سكان المنطقة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المتحف شُيّد عام 2001، ويشهد سنوياً زيارة آلاف السياح التونسيين من مناطق عدة، وتوافد العديد من السياح الأجانب. ويعرض المتحف عبر تلك المجسمات كلّ تفاصيل منطقة جربة وعاداتها، لا سيما خلال احتفالات الزواج. وعلى الرغم من أنّ المنطقة تشتهر أكثر بحرفة صناعة الخزف والصيد البحري، إلّا أنّ العديد من الحرف الأخرى كانت وما زالت موجودة في المنطقة ولو بنسب أقل".