كاد العالم أن ينسى فترة الإغلاقات والحجر الصحي ومنع السفر التي عاشها بسبب فيروس كورونا، وأرقام الإصابات والوفيات الكبيرة. لكن يبدو أن البشر مقبلون على موجة جديدة من تزايد الإصابات، وبدأت السلطات الصحية في دول عدة التحذير من مخاطرها.
في الولايات المتحدة، تتابع السلطات الصحية عن كثب انتشار ثلاثة متحورات جديدة من فيروس كورونا، من بينها سلالتان منتشرتان، وسلالة ثالثة توصف بأنها شديدة التحور، لكن لم يثبت انتشارها على نطاق واسع في الوقت الحالي.
ويوصف المتحور EG.5 أو "إيريس" كما يطلق عليه في المملكة المتحدة، بأنه سلالة كورونا الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وقدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركية أن EG.5 يشكل 20.6 في المائة من الإصابات الجديدة، في حين لفتت وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة إلى أنه وراء إصابة واحدة من بين كل سبع إصابات مسجلة.
الإصابات بمتحورات كورونا الجديدة ليست كبيرة إلى درجة إعلان الطوارئ
وأظهرت البيانات أن المتحور FL.1.5.1 هو ثاني أكبر مسبب للإصابات بنسبة 13.3 في المائة في الولايات المتحدة، كما تتعقب السلطات سلالة جديدة شديدة التحور تسمى BA.2.86، ويطلق عليها أيضاً اسم "بيرولا". لكن لا يزال انتشارها محدوداً، وأطلقت وكالة الأمن الصحي البريطانية قبل أيام تحذيراً بعد العثور عليها في المملكة المتحدة، لافتة إلى وجود متحور آخر من المتحور الشهير أوميكرون، لم تطلق عليه تسمية رسمية، لكنه يعرف باسم "BA.6" أو "Pi".
وحتى الآن، لا تعد الإصابات بهذه المتحورات الجديدة كبيرة إلى درجة إعلان حالة طوارئ، لكن هناك قلق متزايد من انتشار المتحور BA.2.86، أو "بيرولا"، والذي بدأ بالانتشار في عدد من دول العالم في أغسطس/آب.
في الوقت الحالي، يقول المسؤولون إنهم جاهزون للتعامل مع تلك السلالة إذا استمر انتشارها، وتشير التقييمات المبكرة التي تم العمل عليها إلى أن العلاجات الحالية، وكذلك اللقاحات، ليست عديمة الفائدة ضد BA.2.86.
وتقول منظمة الصحة العالمية إنها تتابع ظهور BA.2.86 شديد التحور، ووفق البيانات، فعند مقارنته بالمتحور XBB.1.5، الذي انتشر في وقت سابق من هذا العام، يتبين أن BA.2.86 لديه 36 طفرة، وحثت المنظمة بلدان العالم على مواصلة مراقبة متحورات كورونا، لكنها أكدت أن هناك "معلومات محدودة للغاية بشأن BA.2.86. وتتضمن طفرات المتحور الجديد تغييرات في الأجزاء الرئيسية من الفيروس، والتي يمكن أن تساعده في تجاوز دفاعات الجسم المناعية، أو اللقاحات.
ويشير اختصاصي الأمراض الجرثومية، إيلي شاهين، إلى أن المعلومات المتاحة حول المتحورات الجديدة لا تزال غير واضحة، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يتم الإبلاغ عن كثير من الإصابات بالمتحورات الجديدة المختلفة لفيروس كورونا في الدول العربية، لكن ذلك لا يشير إلى عدم وجودها، إذ إنها يمكن أن تنتقل بسهولة. بالنسبة للمتحور BA.2.86 فإن خطورته تكمن في وجود أكثر من 30 طفرة، ما يعني إمكانية وجود تغيير في خصائص وطبيعة فيروس كورونا، كما أن سرعة انتشاره تعني إمكانية إصابة الملايين خلال فترة قصيرة، ما قد يخلق تحديات جديدة للبنية التحتية الصحية".
وبسبب حداثة ظهور تلك المتحورات، لا توجد بيانات واضحة حول عوارضها التي قد يعاني منها المصابون، لكن الأعراض قد تكون مشابهة لعوارض فيروس كورونا المعروفة، وتشمل السعال، والتهاب الحلق، وسيلان الأنف، والعطس، والشعور بالتعب، وآلام العضلات.
وبحلول 24 أغسطس، تم تسجيل 10 إصابات على الأقل بالمتحور BA.2.86 في قاعدة بيانات الفيروسات العالمية GISAID، أربعة منها في الدنمارك، واثنتان في جنوب أفريقيا، واثنتان في الولايات المتحدة، وواحدة في إسرائيل، وأخرى في المملكة المتحدة، ولم يتم الإبلاغ عن أي وفيات، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، كما أبلغت خمس دول أخرى على الأقل عن علامات أولية على الأقل لطفرات BA.2.86 في عينات من مياه الصرف الصحي الخاصة بها، وأكدت سويسرا وتايلاند اكتشاف المتحور على أراضيها، كما أعلنت الدنمارك ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أبلغ علماء في إسبانيا وألمانيا عن علامات على إصابات بالطفرة الجديدة.
العلاجات واللقاحات الحالية ليست عديمة الفائدة ضد متحورات كورونا الجديدة
وأصبح المتحور EG.5 هو السائد في الولايات المتحدة ومناطق مختلفة في المملكة المتحدة وأوروبا خلال شهر أغسطس، وصنفته منظمة الصحة العالمية على أنه "متحور محل اهتمام"، لكنها أكدت أنه "بناءً على الأدلة المتاحة، تم تقييم المخاطر التي يشكلها EG.5 على الصحة العامة على أنها منخفضة على المستوى العالمي".
ويعتقد خبراء الصحة أن هذا المتحور لا يشكل تهديداً كبيراً، وهو يشكل على الصعيد العالمي نحو 11.6 في المائة من الإصابات، ويقول أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة جونز هوبكنز، أندرو بيكوش، إن "EG.5 لا يشكل تهديداً أكبر من بقية المخاطر العالمية".
وتم تحديد المتحور في الصين في فبراير/شباط الماضي، وجرى اكتشافه في الولايات المتحدة في إبريل/نيسان، وبدأت المملكة المتحدة في مراقبته في يوليو/تموز، لكه بات يشكل 14.5 في المائة من الإصابات البريطانية.
ويتوقع العلماء أن EG.5 هو طفرة جديدة من سلالة أوميكرون XBB.1.9.2، وأن الطفرة تساعده على تجنب الأجسام المضادة التي طورها الجهاز المناعي، وقد يكون هذا سبب تحوله إلى السلالة السائدة في أنحاء العالم، وأحد أسباب ارتفاع أرقام إصابات كورونا من جديد.
ويتفق الخبراء المعنيون بمتابعة فيروس كورونا على أن الإصابة بالعدوى للمرة الثانية، أو الثالثة والرابعة، أمر لا مفر منه. لكنهم غير متأكدين من مدى الضرر الذي يمكن أن تسببه الإصابة الجديدة. تقول أخصائية الأمراض المختبرية، وداد حيدر، لـ"العربي الجديد": "تسببت المتحورات الجديدة في ارتفاع أعداد الإصابات، لكن الحالات تتماثل للشفاء سريعاً، وبالتالي فإن المتحورات لا تؤدي إلى تأثيرات صحية خطيرة على المجتمعات، وتبقى المخاوف أعلى بالنسبة لكبار السن، أو من يعانون من أمراض مزمنة، وهذه الفئة من الناس أكثر عرضة للمضاعفات بسبب ضعف المناعة".
وتضيف حيدر: "تبقى الأعراض مشابهة إلى حد كبير لما أحدثته المتحورات السابقة، وغالبية أعراض فيروس كورونا متشابهة، لكن المشكلة تكمن في تباين مناعة الأشخاص على مواجهة الفيروس، كما تتباين تأثيرات العوارض بين الأشخاص بحسب تاريخهم المرضي. حتى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراءات استثنائية لمواجهة انتشار المتحورات، والعلاجات الأساسية لفيروس كورونا تظل الأدوات المستخدمة في المرحلة الراهنة".
يعد FL.1.5.1 من أكثر السلالات التي تصيب المواطنين في الولايات المتحدة تحديداً، وبنسبة تصل إلى 13.3 في المائة من إجمالي الإصابات، حسب تقديرات مركز السيطرة على الأمراض، وقد تضاعف الإصابات بالمتحور الذي أطلق عليه اسم "فورناكس" خلال الأيام الماضية.
ويعد FL.1.5.1 وEG.5 من سلالة المتحور XBB، ويشتركان في طفرة تعرف باسم F456L، والتي يبدو أنها تساعد على انتشارهما، كما يبدو أن أعراضهما متشابهة إلى حد كبير، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، وتشمل السعال، والتعب، وآلام في أنحاء الجسد.
حتى الآن، لم يتم إطلاق تسمية على السلالة الفرعية الجديدة من BA6، والتي تمت صياغتها بـ "Pi"، لكن الاختلافات المبكرة التي ظهرت تعني أن لديها القدرة على التسبب في موجة جديدة من العدوى. ورغم أنها إحدى سلالات BA.2 من أوميكرون، والذي ظهر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلا أن "Pi" يحتوي على 33 طفرة في البروتين الشوكي، وهي الأغشية الموجودة على السطح الخارجي للفيروس، والتي تسهل دخوله الخلايا البشرية وإصابتها، وقد رُصدت ثلاث إصابات، اثنتين في الدنمارك، وإصابة في إسرائيل.
ويطرح انتشار هذه المتغيرات علامات استفهام حول إمكانية العودة إلى فرض ارتداء الكمامات، أو الالتزام بالتباعد الاجتماعي. ويشير الطبيبان حيدر وشاهين، إلى أن إمكانية فرض إلزامية وضع الكمامات يعود إلى السلطات في كل دولة، وأنه من المستحسن بالنسبة إلى كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة الالتزام بالتباعد الاجتماعي، ووضع الكمامات عند الحاجة.