أكثر فأكثر، نجد أنفسنا متفاجئين من سلوكيات قد يأتي بها أطفالٌ اليوم، في سياق علاقتهم بذويهم، لجهة إبداء قلّة احترام تجاههم وتوجيه إهانات إليهم ورفع الصوت في وجههم على سبيل المثال لا الحصر. ويرى متخصصون نفسيّون واجتماعيّون أنّ السلطة المنوطة عادة بالأهل تصير هكذا في يد الأولاد، بما يشبه انقلاباً للأدوار. بالتالي، لم يعد الأهل يفرضون الضوابط إنّما الأطفال هم الذين يُعَدّون الطرف المسيطر في العلاقة.
ما الذي حدث؟ لماذا هذا التغيير؟ لماذا يتحكّم طفل ما بوالدَيه؟ هل التراخي الذي يبديانه هو السبب؟ هل هو عدم وضع حدود واضحة له؟ هل هو تردّدهما في قول "كلا" للصغير؟ وهل نحن في اتجاه نحو تزايد هذه الحالات، لا سيّما أنّ الأهل يكادون اليوم يلبّون كلّ نزوات أطفالهم، مبرّرين الأمر بأنّه يكفي الصغار ما يعانونه وسط الحجر المنزليّ المفروض عليهم على خلفيّة أزمة كورونا.
لا يبدو مصطلح "متلازمة الإمبراطور الصغير" أو "الطفل الطاغية" مألوفاً من قبل كثيرين، غير أنّ هذا ما يطلقه أهل الاختصاص على حالات مشابهة يعمد فيها طفل ما إلى السيطرة ليس فقط على والدَيه إنّما كذلك على مدرّسيه ومدرّبيه الرياضيّين على سبيل المثال وغيرهم من الأشخاص ذوي النفوذ عادة. ويبقى أنّ هذه الحالة الشاذة تبدأ في المنزل وليس في المدرسة أو الملعب الرياضيّ أو مركز النشاطات. بالتالي فإنّ الوالدَين هما المسؤولان، ولا يمكنهما رمي الكرة في ملعب الآخرين.
ممَّ يخشى الوالدان عندما ينصاعان لطفلهما ويقعان تحت رحمته؟ هل يخشيان من توقّفه عن حبّهما في حال عمدا إلى لجمه؟ أو أنّهما يحاولان فحسب تفادي نوبات غضبه، لا سيّما أنّ الضغوط كبيرة وكثيرة عليهما؟ قبل كلّ شيء، لا بدّ لهما من أن يعلما أنّ الرضوخ لولدهما أمر جدّ مضرّ بالنسبة إليه. فالأطفال في حاجة إلى ضوابط وقواعد حتى يدركوا أنّ ثمّة حدودا في المنزل كما في المدرسة والحياة عموماً. هم في حاجة إلى التعثّر حتى يتعلّموا كيفيّة النهوض، وإلى الإدراك بأنّه من غير الممكن الحصول على كلّ ما يشتهونه (البداية تكون مع الألعاب والسكاكر وما إليها) حتى لا تصدمهم الحياة في ما بعد ويتحوّلون إلى بالغين استبداديّين وأنانيّين وغير متسامحين.
ويحذّر أهل الاختصاص من أنّه كلّما تزايد تسلّط الصغير، جهد والداه أكثر لإرضائه وتلبية رغباته. ويدخل الجميع في حلقة مفرغة، فيغرق الوالدان في الاستسلام أكثر فأكثر فيما ولدهما ماضٍ في ابتزازهما والتحكّم بهما وهو في الوقت نفسه غاضب دائماً وقلق وحزين وعاجز عن تقدير ذاته وإن أوحت المظاهر خلاف ذلك.