متنزهات ومساحات خضراء متآكلة بيئياً ومادياً في تونس

29 نوفمبر 2022
يشارك الناس في تدمير الغطاء النباتي (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل عقد كان المسلك الصحي (المتنزه) في حي المنار بتونس العاصمة مقصداً لسكان المنطقة والطلاب الجامعيين، ووفر من خلال موقعه على هضبة تطلّ على العاصمة مشهداً رائعاً لزواره الذين قصدوه لممارسة الرياضة، والاستمتاع ببعض الهدوء .
لكن المشهد تغيّر تماماً حالياً في هذا المتنزه، بعدما بدد الإهمال غطاءه النباتي وحوّله إلى مكان مقفر تتكدس فيه فضلات، ويرتاده منحرفون، ما حرم آلاف سكان المنطقة من متنفس طبيعي لضغوطهم المعيشية الكثيرة.
وليس المسلك الصحي في حي المنار إلا نموذج للوضع السيئ للغطاء النباتي في تونس العاصمة التي يسكنها 4 ملايين شخص، أي ثلث عدد سكان البلاد، إذ زحف الإهمال والتوسع في مشاريع البناء إلى غالبية المساحات الخضراء والحدائق العامة التي تقلصت، وانحسر دورها الوظيفي داخل المناطق السكنية.
ويعلّق رئيس الجامعة العامة للبلديات عدنان بوعصيدة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "البلديات مطالبة بإعادة ترتيب أولوياتها وتخصيص الميزانيات اللازمة لتأهيل المساحات التي تعرضت لتلف لأسباب مختلفة، بينها تأثيرات التغيّرات المناخية المتسارعة والجفاف الحاد".
ويشرح أن "غالبية البلديات وجهت جهودها خلال السنوات الماضية إلى تعبيد الطرقات وتوفير الإنارة العامة، على حساب تهيئة المناطق الخضراء والعناية بالمسالك الصحية، بسبب نقص الإمكانات المادية والبشرية. وميزانية البلديات التي لا تتجاوز 3 في المائة من رقم إنفاق الدولة لا تكفي للقيام بمهماتها على أكمل وجه".

أثرت قلة تساقطات الأمطار على النباتات (العربي الجديد)
أثرت قلة تساقطات الأمطار على النباتات (العربي الجديد)

ويتحدث بوعصيدة عن تأثير الانحباس الحراري على الغطاء النباتي داخل المناطق العمرانية، مؤكداً أن "نقص التساقطات المطرية وتجهيزات الري خلّفت تلفاً كبيراً في الأشجار والغطاء النباتي للمساحات الخضراء والحدائق العامة".
وأعلن عن نية 350 بلدية التوقيع على ميثاق بيئي لمكافحة التغيّرات المناخية سيلحظ توسيع أعمال التشجير والعناية بالمساحات الخضراء في سبيل الحد من تداعيات الانحباس الحراري".
وعموماً تشكل المساحات الخضراء والمسالك الصحية عنصراً مهماً في المخططات العمرانية الخاصة بالمدن، كما تخصص نماذج تشييد مشاريع المناطق السكنية الجديدة مساحات للحدائق العامة. لكن هذه الأماكن تتحوّل غالباً إلى مساحات بيضاء مهملة أو مصبات عشوائية للفضلات، فتحلّ أكوام النفايات بدلاً من الأشجار ونباتات الزينة.
وتشير بيانات رسمية لبلدية تونس العاصمة إلى تضمنها نحو 1100 هكتار من المساحات الخضراء، و37 متنزهاً حضرياً. كما يوجد 17 متنزهاً وطنياً في ولايات مختلفة، لكن هذه الأعداد المهمة من المتنزهات أصبحت عاجزة عن استقطاب التونسيين بسبب الإهمال، واحتضانها مصبات للفضلات وتجميع الأوساخ.

تتآكل المساحات الخضراء في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
تتآكل المساحات الخضراء في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وقد عرف معظم الغطاء النباتي في كل المناطق الخضراء الموجودة، سواء في العاصمة أو بقية الأحياء المجاورة لها والمدن الأخرى، إتلافاً وتآكلاً وعدم تجديد.
ويشكل نقص المسالك الصحية المهيأة والحدائق العامة أحد أهم أسباب عدم إقبال التونسيين على ممارسة الرياضة في الفضاءات المفتوحة، ما يزيد المخاطر الصحية والضغوط النفسية التي يسببها العيش داخل أحياء سكنية تفتقر إلى مناطق خضراء.
وينتقد رضوان النابلي، الذي كان قبل سنوات يمارس الرياضة يومياً في المسلك الصحي بمنطقة المنار، الإهمال الذي لحق بأحد أهم المسالك الصحية في العاصمة، ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المواطنين أصبحوا يتحاشون هذه المسالك خوفاً من تعرضهم لعنف أو سرقة من منحرفين ينفذون أعمالاً إجرامية، أو يتعاطون المخدرات فيها بعيداً عن المراقبة الأمنية".

ويبدي النابلي قلقه الكبير من تأثير تراجع المسالك الصحية والمساحات المفتوحة لممارسة الرياضة على نوعية حياة المواطنين داخل الأحياء السكنية التي وصفها بأنها "مغلقة"، ويعتبر أن "زحف المباني على المساحات الخضراء والانتهاكات التي ترتكب ضدها عبر تحويلها إلى أكشاك أو محلات تجارية تشكل انتهاكات واضحة لحق المواطنين في الحصول على مساحات خضراء"، ويشير إلى أن "غياب التعريف الواضح للمساحات الخضراء في النماذج السكنية التي تصادق عليها البلديات يشجع المطورين العقاريين على التلاعب بها، وإدراجها ضمن المساحات البيضاء للتحوّل لاحقاً إلى أراضٍ صالحة للبناء في غياب الرقابة الكافية".
وفي غياب الحدائق العامة والمسالك الصحية الكافية، تظل حديقة "البلفيدير" التي تمتد على مساحة 12 هكتاراً في تونس العاصمة، المتنفس الطبيعي الأهم لأكثر من 4 ملايين شخص، وتستمر في مقاومة الزحف العمراني على تونس العاصمة، واحتواء مخاطر التلوّث المتزايد داخل المناطق العمرانية.

المساهمون