ستمضي الشخصية البارزة سابقاً في المجتمع الراقي، غيلاين ماكسويل، البالغة 60 عاماً، على الأرجح بقية حياتها وراء القضبان، إذ قضت محكمة في نيويورك الثلاثاء بسجنها 20 عاماً، بعدما أدينت نهاية عام 2021 بتهمة الاتجار جنسياً بقاصرات لحساب رجل الأعمال الراحل جيفري إبستين.
ولم يبد أي انفعال تقريباً على ماكسويل التي كانت تضع كمامة، عندما أصدرت قاضية محكمة مانهاتن الفدرالية أليسون نايثان هذا الحكم عليها بسبب الجرائم "الشنيعة" التي ارتكبتها.
لكن قبل النطق بالحكم، أعربت ماكسويل للمرة الأولى عن "تعاطفها مع جميع الضحايا"، وقالت إنها "تأسف لما عانينه" جرّاء الجرائم الجنسية المرتكبة بين عامي 1994 و 2004 في حق مراهقات تراوح أعمارهن بين 14 و 17 عاماً.
إلّا أن ماكسويل ألقت المسؤولية الرئيسية على شريك حياتها السابق، جيفري إبستين، الذي انتحر في سجنه في نيويورك في آب/أغسطس 2019، واصفة إياه بأنه "متلاعب (...) خدع كل من كانوا في محيطه".
"جرائم شنيعة في حق أطفال"
وردّت القاضية نايثان عليها، مؤكدةً أنها لا تُعاقب "بدلاً من إبستين"، واستنكر المدعي العام الفدرالي داميان وليامز "جرائم ماكسويل الشنيعة في حق أطفال"، مبدياً ارتياحه إلى أن "لا أحد فوق القانون" في الولايات المتحدة.
وتلقت المدعيات بارتياح العقوبة التي قررتها المحكمة.
وأعربت آني فارمر، البالغة 40 عاماً، التي روت بأسىً خلال المحاكمة في نهاية عام 2021 كيف وقعت في سنّ المراهقة ببراثن ماكسويل وإبستين، عن ارتياحها إلى أن "الوقت ليس متأخراً إطلاقاً على الحقيقة والمسؤولية".
وقالت ضحية أخرى، هي سارة رانسوم للصحافة: "نعم، يجب أن تموت غيلاين في السجن".
وقالت رانسوم التي لم تكن بين المدعيات، مع أنها من الضحايا: "لقد أمضيت 17 عاماً في سجني الخاص بسبب ما فعلته بي مع جيفري إبستين وجميع المتواطئين معهما. تعرضت للاغتصاب عدة مرات. كنت أحياناً أتعرض للاغتصاب ثلاث مرات في اليوم (...). وكان يوجد تدفق متواصل للفتيات اللواتي كن يتعرضن للاغتصاب مراراً وتكرارأً".
55 عاماً
بعد محاكمتها في نيويورك في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ وكانون الأول المنصرمين التي أدينت خلالها بتهمة الاتجار الجنسي بالقاصرات من أجل جيفري إبستين، كانت ماكسويال تواجه عقوبة تصل إلى السجن 55 عاماً.
وكان وكلاؤها الذين أعلنوا عزمهم على استئناف الحكم قد طلبوا في منتصف يونيو/حزيران ألا تتعدى العقوبة الحبس 20 سنة، واستنكروا وضع موكلتهم في السجن الانفرادي، وهي خطوة عللتها إدارة السجن بخطر إقدامها على الانتحار.
وأثار هؤلاء كذلك عبثاً التأثير السلبي الذي أحدثه في حياتها كل من والدها روبرت ماكسويل الذي توفي سنة 1991 جراء سقوطه من يخته في ظروف غامضة، وجيفري إبستين.
وفي نهاية محاكمتها أواخر سنة 2021، وصف الادعاء العام ماكسويل بأنها "صائدة متطورة"، إذ كانت تعمل عن سابق تصور وتصميم على استمالة وإغواء المراهقات وتأمينهن لإبستين في منازله الواقعة في فلوريدا ومانهاتن ونيو مكسيكو وجزر فيرجن الأميركية.
وأدلت أربع نساء، هنّ "جاين" و"كايت" و"كارولاين"، إضافة إلى أني فارمر (42 عاماً)، وهي الوحيدة التي مثلت أمام المحكمة من دون اسم مستعار، بإفادتهن أمام محكمة مانهاتن الفدرالية عن حياتهن المدمرة بسبب إرغامهن على ممارسة الجنس مع إبستين عندما كنّ بين الرابعة عشرة والسابعة عشرة، في أحيان كثيرة بوجود ماكسويل.
"غلطة العمر"
وخلال الشهر المنصرم، ادعت ماكسويل، وهي مولودة في المملكة المتحدة حيث نشأت ضمن بيئة ثرية جداً، وكانت من شخصيات المجتمع الراقي في فرنسا والولايات المتحدة، عبر محاميها أنها "كانت تعيش طفولة صعبة ومؤلمة مع والد استبدادي ونرجسي ومتشدد"، وأصبحت تالياً "ضعيفة أمام إبستين الذي التقته مباشرة بعد وفاة والدها، وهو أكبر خطأ ارتكبته في حياتها".
وارتبط إبستين وماكسويل خلال الأعوام الثلاثين المنصرمة، إذ كانا شريكَي حياة في بداية التسعينيات، ثم نشأ بينها تعاون مهني، وتواطؤ في جرائمهما الجنسية.
وكان رجل الأعمال المليونير الذي يتمتع بشبكة علاقات اقتصادية وسياسية قوية في الولايات المتحدة وخارجها متهماً هو نفسه باغتصاب مراهقات، لكن انتحاره حرم ضحاياه محاكمته.
وبعد عام على انتحاره، أوقفت ماكسويل في نيوهامبشير (شمال شرقيّ الولايات المتحدة) في يوليو/تموز 2020 ووضعت مذّاك في سجن في نيويورك.
وفي إطار الملف الضخم للجرائم الجنسية لهذه الشبكة، توصل الأمير البريطاني أندرو، صديق إبستين وماكسويل، إلى اتفاق بالتراضي في 15 فبراير/شباط الماضي مع الأميركية فرجينيا جوفري التي كانت تتهمه بالاعتداء عليها جنسياً في 2001 عندما كانت قاصراً.
وأفادت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية بأن التسوية تقضي بأن يدفع أندرو عشرة ملايين جنيه استرليني (13.1 مليون دولار) لجوفري ومليوني جنيه لجمعية خيرية لدعم ضحايا الاتجار بالجنس، في مقابل إسقاطها الدعوى عليه، وهو ما حصل بالفعل في 9 مارس/ آذار الماضي.
وتفادت العائلة الملكية بذلك محاكمة أمام القضاء المدني كانت ستثير ضجة كبيرة وتسبب لها إحراجاً.
(فرانس برس)