لم تمنعه الإعاقة البصرية من العمل، ومنذ 14 عاماً، يشتغل الفلسطيني محمود مسعود (32 عاما) في معصرة للزيتون في قرية عرعرة بالمثلث الشمالي في الداخل الفلسطيني، ليبرهن للجميع أن الإرادة الصلبة والعزيمة القوية تنتصران على الإعاقة.
ولد محمود مسعود عام 1989 في بلدة عرعرة بالمثلث الشمالي بين ستة أشقاء وثلاثة شقيقات، وهو الابن الوحيد الذي يعاني من إعاقة بصرية. متزوج وله ثلاثة أبناء. وتعزو والدته هذه الإعاقة إلى الصدمة التي تعرضت لها وهي حامل به، إذ توفي والدها، فأثر ذلك على صحتها وأصيبت بجلطة.
ورغم أنّ مسعود ولد بإعاقة بصرية حرمته نعمة البصر، لكنها أنارت بصيرته وقادته نحو التحصيل العلمي والمعرفي، فهو حاصل على شهادة في الشريعة الإسلامية وشهادة في القانون من الجامعة الأميركية بجنين، كما درس التلاوة وتجويد القرآن.
ولمسعود عدة هوايات، منها السباحة وركوب السفن الشراعية، وقد حصل على جائزة في سباق السفن الشراعية ضمن إحدى المجموعات.
ومنذ عام 2007، يعمل محمود في معصرة للزيتون في قرية عرعرة، ويشغلها خلال موسم الزيتون بشكل مستقل من دون مساعدة أحد، بل إنه يتنقل بين الآلات بخفة ويحفظ أماكن كل الأّزرار.
يقول محمود لـ"العربي الجديد": "فقدت البصر، وتلك حكمة من الله، لكنني لم أستسلم للبطالة، فأنا أعمل في المعصرة منذ 14 عاما، بعد أن تعلّمت أصول المهنة من أحد الأشخاص الذي لمس لديّ السرعة والذكاء"، وأشار إلى "تشابه آليات عمل معظم معاصر الزيتون.. الاختلاف فقط يكون في بعض التفاصيل الصغيرة التي يمكن تجاوزها بالتجربة".
ولا يكتفي مسعود بتشغيل المعصرة، بل إنه يعرف كل أنواع الزيتون، باستطاعته تقدير جودة الزيت المعروفة في أرض فلسطين التاريخية، كما يمتلك القدرة على تمييزها عن الأنواع الجديدة.
ويضيف: "أشهر نوع زيتون هو البلدي النبال، النوع الثاني يدعى الصوري ويكون لونه أحمر، وهناك المنزلين طعمه طيب، لكنه لا يمنح كميات كثيرة، أما النوع الرابع فهو حديث "البرنيع"، هندسته وتناسله إسرائيليان، زيته وكميته تختلف عن الصوري، ولونه أخضر..".
بالإضافة إلى ذلك، يعمل الشاب الكفيف مرشداً لبرامج الكمبيوتر الخاصة للمكفوفين "برايل" في تل أبيب، ويتنقل في وسائل النقل العامة بشكل مستقل.
ويتابع مسعود: "الحياة بالنسبة لي طبيعية، ولا أرى في الإعاقة البصرية أي مشكلة، لكن هذا لا ينفي وجود أشخاص مثلي حرموا نعمة البصر، وهم غير مستقلين وبحاجة دائمة للمساعدة".
ولا ينكر المتحدث دور الدعم الأسري الذي مكنه من النشوء في بيئة لم تعمق شعوره بالنقص أو الإعاقة: "منذ طفولتي كانت أسرتي تعاملني معاملة طفل طبيعي، وهذا ساعدني كثيرا في بناء شخصيتي وتحقيق استقلاليتي".
ووجّه مسعود رسالة لذوي الإعاقة البصرية قائلاً: "يجب أن تحاولوا الاعتماد على النفس بدل الآخرين، قد تفشلون مرة واثنتين، لكنكم ستتعلمون، وتدريجيا ستتذوقون طعم إنجازكم".