محنة مضاعفة للنازحين والعمال الأجانب المقيمين في لبنان

30 سبتمبر 2024
يزيد العدوان الإسرائيلي من معاناة العمال الأجانب في لبنان/بيروت 30 سبتمبر 2024(Getty)
+ الخط -

في ظلّ فوضى كبيرة تعصف بلبنان على وقع الغارات الإسرائيلية، يبحث عمال أجانب مقيمون في لبنان من جنسيات مختلفة، بينهم سودانيون وإثيوبيون وسريلانكيون وبنغلادشيون، عن ملجأ آمن بعيداً عن أماكن الإيواء المخصّصة للبنانيين حصراً، ويجد العديد منهم ضالّتهم في ملجأ يُشرف عليه رهبان يسوعيّون.

ففي دير هادئ تابع للرهبنة اليسوعيّة في شرق بيروت، تتردّد أصوات بكاء أطفال، فيما نساء بوجوه واجمة يتحلّقن حول طاولة متحدثات بصوت خافت. وفي باحة الدير الخارجية، ينتظر البعض بهدوء توزيع وجبات الطعام، على وقع هدير طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي لا تكاد تفارق سماء بيروت.

ويتوافد هؤلاء الباحثون عن الأمان يومياً من جنوب لبنان، ومن منطقة البقاع  (شرق)، وأيضاً من الضاحية الجنوبية لبيروت التي أنهكها القصف الجوي الإسرائيلي في الأيام الماضية. ويقول الراهب اليسوعي مايكل بيترو إن الكنيسة التي كانت تستقبل عادة العمال الأجانب، تحولت بين ليلة وضحاها إلى ملجأ.

ويضيف هذا الراهب الأميركي المسؤول في الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين "بدأ الأمر مع عائلة وصلت إلى هنا وسألت إن كان ممكناً أن تبقى هنا، قلنا لهم نعم، وفي صباح اليوم التالي جاء ثلاثون شخصاً ثم تبعهم خمسون آخرون". وحاول الرهبان المتطوّعون التواصل مع مراكز إيواء لتحويل هؤلاء الأشخاص إليها، لكن دون جدوى.

ويشرح مايكل السبب "بعض الأماكن كانت مكتظة أصلاً، والبعض الآخر لا يقبل سوى لبنانيين". وبهذا صار الدير يستقبل 52 شخصاً.

هؤلاء أيضاً بحاجة

مع حركة النزوح الكبيرة، اضطر الكثيرون من سكان مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة، أن يقيموا في مدارس أو فنادق أو مراكز إيواء، ومنهم من لم يجد لعائلته سوى الحدائق والأرصفة والساحات العامة، في مناطق يعتبرونها أكثر أمناً من غيرها.

وتقول ضياء الحاج شاهين، وهي متطوعة لبنانية، "المهاجرون أيضاً بحاجة للمساعدة، لا أحد ينظر إليهم، يُعاملون كأشخاص من الدرجة الثالثة، والبعض منهم ليس لديهم جوازات سفر أصلاً"، إذ كثيراً ما يمنع أصحاب العمل العمال الأجانب من الاحتفاظ بجوازات سفرهم.

قبل أيام، وصلت إلى دير الرهبان اليسوعيين العاملة السريلانكية كوميري بارارا البالغة 48 عاماً، برفقة ابنها ذي الأعوام الاثني عشر، هاربة من مدينة صيدا في جنوب لبنان. وتعيش كوميري منذ عشرين عاماً في لبنان، حيث تزوجت من رجل فلسطيني وأنجبت منه قبل أن ينفصلا. وهي عاملة منزلية على غرار معظم بنات جنسيتها في لبنان. وتقول كوميري: "لم يهتم بي أحد"، إذ غادر أصحاب البيت الذي تعمل فيه وفقدت الاتصال معهم.

أما مالاني سومالتا، وهي عاملة منزلية من سريلانكا أيضاً، فقد فرّت من الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تتعرض يومياً لقصف إسرائيلي، إضافة لإنذارات من الجيش الإسرائيلي بين الحين والآخر بإخلاء أحياء كاملة من سكانها في مهلة وجيزة. وتقول مالاني البالغة من العمر 46 عاماً وهي تبكي "لقد تركنا كل شيء وراءنا وجئنا إلى هنا". وقد أقفل المطعم الذي تعمل فيه.

وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، يعيش في لبنان أكثر من 160 ألف عامل أجنبي، تشكل النساء 65% منهم. ويُعتقد أن العدد في الحقيقة أكبر من ذلك، إذ إن الكثيرين يقيمون في لبنان بشكل غير نظامي.

أريد أن أعود لبلدي

وصلت سوزان بايمبا من سيراليون إلى لبنان قبل عامين لتعمل في منزل بجوار مدينة صيدا. ومع بدء الغارات الإسرائيلية هربت مع عدد من مواطنيها إلى بيروت، حيث افترشت الأرض في الشوارع قبل أن تستقر في دير اليسوعيين.

وحاولت سوزان التواصل مع أشخاص من سيراليون يقيمون في منازل، لكن أصحاب هذه المنازل "طردونا قائلين: لا نريد متاعب!". وتقول هذه العاملة ذات السنوات السبع والثلاثين "لا نريد الآن سوى أن نعود لبلدنا، تعبنا". وعمد المسؤولون عن الدير إلى وضع النساء والأطفال في الطابق الأول، والرجال في الطابق الثاني.

من جهتها، تقول ملكة جمعة، وهي سودانية ثلاثينية لاجئة في الدير عاشت أهوال الفرار من دارفور عام 2014 ثم فرت قبل أيام من قرية أرنون جنوبيّ لبنان في رحلة مرهقة محفوفة بالمخاطر "أنا لم أفهم لم اندلعت الحرب في السودان، والآن لم أفهم لم اندلعت الحرب هنا".

(فرانس برس)

المساهمون