مخدرات أوروبا... دول تقونن وأخرى تشكو انتشارها

07 سبتمبر 2023
ضبط أطنان من الكوكايين في البرتغال (هوراسيو فيلالوبوس/ Getty)
+ الخط -

غيّرت بعض الدول الأوروبية من سياساتها السابقة التي كانت تتشدد مع متعاطي القنب الهندي. في ديسمبر/ كانون الأول عام 2021، وافق برلمان مالطا على زراعة نبتة القنب التي يستخرج منها مخدر الحشيش للاستخدام الشخصي، لغرض التعاطي فقط، وليس الاتجار. وسمح للمواطنين الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً أو أكثر حيازة كميات محدودة من الماريجوانا، تصل إلى سبعة غرامات، وزراعة ما يصل إلى أربع نبتات من القنب في المنزل، لتصبح أول دولة في الاتحاد الأوروبي تسمح بالحشيش في المنازل، بهدف الاستخدام الشخصي. 
وفي هولندا، يُغَضّ النظر عن بيع كميات صغيرة من المخدرات الخفيفة، كالحشيش والماريجوانا، وفقاً لشروط، منها عدم بيعها لغير البالغين، وعدم وجود شكاوى من قبل الجيران في أماكن تداولها، مع استمرار حظر البيع بكميات كبيرة.

من جهتها، وضعت الحكومة الألمانية أخيراً خطة جديدة لتقنين القنب الهندي، بما لا يتعارض مع القوانين واللوائح الأوروبية. وفي اتفاق الائتلاف الحكومي، تعهدت الأطراف المشاركة في الحكومة بالسماح ببيع القنب الهندي للبالغين لأغراض ترفيهية في المتاجر المرخصة. لكن تطبيق ذلك رافقته صعوبات قانونية عززت المخاوف التي كانت موجودة منذ البداية من فشل أو تباطؤ العمل بهذا المشروع بسبب القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي. إذ تلتزم دول منطقة شنغن، في "اتفاقية تنفيذ شنغن"، "حظر التصدير غير المشروع للمخدرات بجميع أنواعها، بما في ذلك منتجات القنب. كذلك فإنها ملزمة بتسخير قوانينها الزجرية للتصدي لبيع أو شراء أو تسليم هذه المادة".
أما سويسرا الرائدة في مجال العقاقير، فتدرس السماح لمواطنيها بشراء منتجات القنب من الصيدليات لأغراض ترفيهية.
وكانت الحكومة الفيدرالية في سويسرا قد بدأت عام 2019، بسلوك هذا الاتجاه، من خلال إطلاق مشاريع تجريبية في بعض المناطق، سمحت لحوالى 5000 شخص بتدخين القنب بشكل قانوني، ما أدى إلى إدخال تغييرات في القوانين التي تحظر استهلاك القنب الهندي والتي يعود تاريخ صياغتها إلى عام 1951. 
في المقابل، هناك استخدامات طبية. وبحسب موقع "مايو كلينيك"، الماريجوانا الطبية مصطلح يُطلق على مشتقات نبات القنب ساتيفا التي تُستخدم في تخفيف الأعراض التي تسببها حالات مرضية معينة، منها داء ألزهايمر، التصلب الجانبي الضموري (ALS)، فيروس نقص المناعة البشري (الإيدز)، داء كرون، الصرع والنوبات المرضية، المياه الزرقاء، الغثيان أو القيء الشديد بسبب علاج السرطان. ويُطلق على الماريجوانا الطبية أيضاً القنب الطبي.

مختبر متطور لإنتاج المخدرات في إسبانيا (غوستافو دي لا باز/ Getty)
مختبر متطور لإنتاج المخدرات في إسبانيا (غوستافو دي لا باز/ Getty)

تهريب
لم تعد حاويات الشحن تهرّب بضع مئات من الكيلوغرامات من الكوكايين الصافي، والمطبوخ بصورة رئيسية في كولومبيا والبيرو، بل تهرّب أطناناً منه نحو موانئ أوروبية. وتشير تقارير أوروبية رسمية إلى أن الكارتيلات الأوروبية تتسلم شحنات الكوكايين، ثم تأخذها في قوارب مخصصة لترمى في أماكن محددة بمحاذاة شواطئ الدنمارك الغربية مروراً بالأطلسي نحو إسبانيا، وحتى البحر الأبيض المتوسط. بعدها، ينتشل الصيادون المخدرات ويسلمونها لشبكات محلية تبيعها لعصابات، ثم للناس. وتحتل إسبانيا مكانة متقدمة في هذا الإطار، وباتت تصنع الكوكايين مستعينة بطهاة من أميركا الجنوبية. وفي إبريل/ نيسان الماضي، أعلنت شرطة إسبانيا في المقاطعة الصغيرة في غاليسيا (شمال غربيّ البلاد) اكتشاف مختبر متطور يعمل فيه طهاة كوكايين كولومبيون ومكسيكيون، وكانوا ينتجون نحو 200 كيلوغرام من الكوكايين يومياً، واعتُقِل 18 شخصاً. وتخشى السلطات فتح مصانع أو مختبرات جديدة بعد إغلاق تلك المكتشفة. 
وبحسب المفوضية الأوروبية، أُغلق 450 معملاً تنتج مادة الأمفيتامين وأم دي أم إيه (MDMA). وتعترف أوروبا بأن المواد المخدرة باتت تجد طريقها إلى مستهلكي القارة بصورة غير مسبوقة، ويُهرَّب المزيد منها، عدا عن إنتاجها محلياً. وتشير تقارير أوروبية إلى زيادة نطاق التوزيع بوتيرة تجعل من الصعب على السلطات ملاحقة المتورطين. وبحسب تقرير للمركز الأوروبي للمخدرات والإدمان، فإن تأثير ذلك بمجتمعات أوروبا أصبح أعمق، سواء لناحية الصحة العامة أو الحياة الاجتماعية. وأشار التحقيق الجديد إلى أن تأثير المخدرات الجديدة (خلط أنواع مع بعضها) يؤثر في العلاج ومساعدة المدمنين. كذلك يساهم انتشار المخدرات بهذه الصورة غير المسبوقة في تجنيد الشباب في عالم الجريمة، ويضغط على ميزانيات الصحة والتكاليف الاجتماعية للمجتمعات. وقال مدير المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان أليكسس غوسديل، تزامناً مع صدور نتائج التحقيق، إن كمية تهريب وإنتاج المخدرات لم تعرفها أوروبا من قبل.

ترتفع نسبة المخدرات في فرنسا (فاليري هاش/ فرانس برس)
ترتفع نسبة المخدرات في فرنسا (فاليري هاش/ فرانس برس)

كوكايين
وعام 2022، أشار تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي إلى أن الأخير يواجه "تهديداً متزايداً من سوق مخدرات أكثر تنوعاً وديناميكية يقوم على التعاون الوثيق بين المنظمات الإجرامية الأوروبية والدولية". وخلص إلى أن سوق الكوكايين والميثامفيتامين آخذ في التوسع في أوروبا، مدفوعاً بمستويات قياسية من التهريب وتنامي مشكلات العنف في القارة.
وعام 2020، ضُبطت أكبر كمية من الكوكايين على الإطلاق (214,6 طناً) في الاتحاد الأوروبي والنرويج وتركيا للعام الرابع على التوالي، وفق التقرير الصادر عن يوروبول والمركز الأوروبي لإدارة المخدرات والأدوية. وبين عامي 2010 و2020، تضاعفت عمليات ضبط الميثامفيتامين في الاتحاد الأوروبي، بينما زادت الكميات المضبوطة بنسبة 477 في المائة إلى 2,2 طن عام 2020.
ونقلت صحيفة "دي ستاندرد" البلجيكية عن مدير شرطة جنوب العاصمة بروكسل كوين دي برانت، حديثه عن اتساع نطاق تهريب الكوكايين عبر موانئ بلجيكا، قائلاً إن "ما نشهده مقلق للغاية".
وكشفت معطيات حديثة لمكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، عن تسجيل ارتفاع قياسي في إنتاج الكوكايين، بالتزامن مع تزايد الطلب العالمي على هذه المادة المخدرة. وعزا هذا الارتفاع إلى زيادة زراعة الكوكا، وهو النبات الذي يصنع منه المخدر، إذ نمت زراعته بنسبة ناهزت 35 في المائة بين عامي 2020 و2021. وتضم دول أميركا الشمالية نسبة 30 في المائة من إجمالي مستخدمي الكوكايين في العالم، فيما تصل هذه النسبة إلى 24 في المائة في أميركا الوسطى والجنوبية، و21 في المائة بأوروبا الغربية والوسطى، وتنخفض إلى نسبة 9 في المائة بأفريقيا.
وتشير منظمة الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول) إلى أن العصابات الأوروبية على علاقة وثيقة بعصابات أميركا الوسطى والجنوبية، وتجلب الكوكايين إلى موانئ كبيرة في القارة العجوز، وبخاصة إسبانيا وبلجيكا وهولندا. ويرى أن شبكات التهريب الأوروبية باتت ترسل شحناتها إلى موانئ أصغر في الاتحاد الأوروبي، بعيداً عن رادارات الشرطة. وأخيراً، كشف تحقيق أعدته القناة التلفزيونية الدنماركية "تي في تو" (TV 2) عن كيفية تورط سفن صيد هولندية في تهريب الكوكايين إلى الساحل الغربي للدنمارك، وينفذ رجال العصابات دوريات بحرية للحصول عليها ويهددون الصيادين المحليين في حال إبلاغ السلطات.
وذكر المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان، في تقرير صادر عام 2021، أن حوالى 3.6 ملايين أوروبي تعاطوا مخدر الكوكايين مرة واحدة على الأقل خلال عام 2021، وهو مستوى تاريخي أعلى 4 مرات من المسجل قبل 20 عاماً. وزاد العرض على الكوكايين بأوروبا، مع تسارع نمو الطلب، وسجل حجم المحجوز منه في القارة رقماً قياسياً عام 2021 مع ضبط 240 طناً، بحسب مكتب الشرطة الأوروبي (يوروبول)، في مقابل 213 طناً عام 2020، و49 طناً قبلها بـ 10 سنوات. وأخيراً، قال الأمين العام للإنتربول يورغن شتوك، إنه لا يزال يتدفق أضعاف ما يُضبَط.
وأشار تقرير للمركز الأوروبي صدر في يونيو/ حزيران 2023، إلى زيادة عمليات تهريب المخدرات إلى الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى ارتفاع أعمال العنف. ففي العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي، قُتلت فتاة لم تتجاوز عامها الحادي عشر في إطلاق نار مرتبط بالمخدرات في ميناء أنتويرب بشمال بلجيكا. وتُلقب مدينة أنتويرب بأنها "عاصمة الكوكايين في أوروبا". وكشفت السلطات في اليوم نفسه عن ضبط 110 أطنان من الكوكايين في الميناء عام 2022، مقارنة بـ 91 طناً عام 2021.
وفي هولندا، أفادت السلطات بضبط 52.5 طناً من الكوكايين في مدينة روتردام عام 2022، بانخفاض بلغ 77 طناً عن عام 2021. وأشار التقرير إلى ارتفاع عمليات تصنيع الكوكايين في الاتحاد الأوروبي، حيث فُكِّك 34 مختبراً عام 2021 مقارنة بـ 23 منشأة عام 2020، مضيفاً أن عصابات الجريمة المنظمة تستهدف بنحو متزايد الموانئ الأصغر، سواء في دول الاتحاد الأوروبي أو في دول الجوار.

تهديد... وحلول
وقالت مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، في وقت سابق إن "الجريمة المنظمة المتعلقة بالمخدرات تشكل تهديداً كبيراً للمجتمع، ويساورني قلق بالغ من أن أنواع المخدرات المستهلكة في أوروبا أضحت اليوم أكثر ضرراً على الصحة مما كانت عليه في الماضي".
من جهتها، سجلت وكالة الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة وجود تحديات حقيقية أمام أوروبا لناحية تهريب المخدرات. وأشارت إلى ما يطرأ على طرق التهريب إلى القارة وإغراقها بالمزيد منه، مشددة على أن "المافيا النيجيرية تقوم الآن بتهريب الكوكايين من أميركا الجنوبية إلى أفريقيا، ومنها إلى أوروبا، وبأربعة أضعاف ما كان عليه في السابق".
إلى ذلك، قدمت المفوضية الأوروبية مقترحات جديدة لتعزيز نفوذ المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان، التابع لها، لمكافحة هذه الظاهرة ولعب دور أكثر أهمية في تحديد ومعالجة التحديات الحالية والمستقبلية المتعلقة بتجارة وترويج المخدرات غير المشروعة في الاتحاد الأوروبي.
وقالت نائبة رئيس المفوضية لتعزيز أسلوب حياة الأوروبيين، مارغريتيس شيناس: "استشرى إنتاج المخدرات وتهريبها مع الاضطرابات التي تفاقمت خلال فترة تفشي وباء كوفيد-19". أضافت أن عصابات الجريمة المنظمة قامت بزيادة وتيرة عمليات المخدرات لاستغلال الوضع الجديد، لذلك أصبحنا حالياً نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أدلة وقدرات تحليل واضحة وحديثة وموثوقة لمكافحة المخدرات غير المشروعة في الاتحاد الأوروبي.