تعتبر قرية يبنا إحدى أكبر القرى العربية في قضاء مدينة الرملة، وذكرت في الكثير من الكتب والمراسلات القديمة كونها تقع على خط السكة الحديد القادم من غزة، والمتجه إلى محطة القطار المركزيّة في مدينة اللد، وتبعد محطتها مسافة 56 كلم عن محطة غزة.
قرر عدد من الأسر التي هجرت من قرية يبنا المحتلة، إطلاق اسم قريتهم على المنطقة التي أقاموا فيها بعد النكبة، لتصبح "مخيم يبنا". تتذكر المسنة الفلسطينية مريم إبراهيم الكرد (80 سنة) التفاصيل الدقيقة لإنشاء مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، خصوصاً مخيم يبنا الذي ترعرت فيه، إذ كانت تبلغ خمس سنوات حين النكبة. توضح أن عائلتها انتقلت في البداية إلى بلدة جباليا، وعاشت في خيام لمدة ثلاثة أسابيع، قبل أن يصبح اسم المنطقة مخيم جباليا، ثم انتقلت أسرتها إلى منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح، والمطلة على البحر، وأقامت الأسرة في خيمة منحتها إياها منظمة "كويكرز". تقول: "أذكر محاولات والدي منع تسرب مياه الأمطار إلى داخل الخيمة، فقد بدأ بقاءنا فيها في الصيف، ثم جاء الشتاء الصعب".
تضيف الكرد عن نشأة مخيم يبنا: "كانت المنطقة الأقرب من الحدود المصرية، وهي منطقة رملية يكثر فيها نبات الصبار، تجمع والدي وأعمامي، وعدة عائلات أخرى مثل الهمص، والمغير، والطويل، والبنا، ونصر، واستقروا في المنطقة، وكانت توزع خيام كبيرة على الأسر. لاحقاً، تطور المخيم إلى منازل من جدران طينية، وأخرى من الحجارة التي يتم دهنها بالطين الأحمر، وكانت كل عائلة تسكن في منزل من غرفتين، ثم أصبحت المنازل في المخيم من القرميد، وأخرى من صفائح الحديد ذات أسقف من الإسبست، ولا تزال بعض البيوت فيها أسطح الإسبست حتى الأن".
تتابع: "في البداية كانوا يطلقون على المخيم اسم بطيمة، نسبة لأهالي قرية البطاني الغربية، ويسميهم البعض مخيم الخرسان، نسبة لعائلة الأخرس، لكن لاحقاً أصبح اسم مخيم يبنا هو الرائج بسبب أعداد المنتمين لهذه القرية من سكانه، كما برز عدد منهم كمعلمين وأطباء وشخصيات مجتمعية، وحتى شخصيات سياسية، على غرار الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والشهيد أبو يوسف النجار أول قائد عام لقوات العاصفة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح".
وفق معلومات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزة، فإن مدينة رفح فيها مخيم لاجئين واحد، لكنه يختلف عن بقية مخيمات قطاع غزة، إذ إن المخيم يشغل مناطق متفرقة، وبات كل جزء منه معروفاً بين الناس باسم سكانه، أو باسم المناطق والبلدات التي نزحوا منها، مثل مخيم الشابورة، ومخيم الشعوت، ومخيم يبنا، ومخيم تل السلطان.
لجأ إلى مدينة رفح 41 ألف شخص عقب النكبة الفلسطينية، وعاشوا في الخيام إلى أن أنشأت وكالة "أونروا" مخيم رفح في عام 1949، وحسب معلوماتها، فإن المخيم يضم حالياً أكثر من 125 ألف لاجئ، وفق آخر إحصاء لعددهم أجري في نهاية عام 2022 الماضي.
وتعتبر عائلة "الهمص" من بين أبرز العائلات التي ساهمت في تأسيس "مخيم يبنا"، ويشير محمد الهمص (64 سنة)، إلى أن غالبية سكان قرية يبنا توجهوا إلى المنطقة الواقعة بين بلدة جباليا ومدينة رفح، ليبتعدوا عن هجمات العصابات الصهيونية، وكان نعيم الهمص هو مختار العائلة وأحد وجهاء القرية، فبادر إلى جمع أسر القرية ليقيموا في مكان واحد، وقام على إدارة شؤون السكان كما كان يفعل قبل النكبة.
يضيف الهمص لـ"العربي الجديد": "أطلق سكان رفح حينها على المخيم اسم مخيم يبنا، لأننا كنا كعائلة واحدة، حتى أن الزيجات كان الأهالي يفضلون أن تكون من نفس القرية، وقد قرر المختار أن نعيش في نفس المنطقة على أمل العودة سوياً. كنت حينها طفلاً صغيراً، وكان الكبار يحكون لنا عن تفاصيل البلاد قبل الاحتلال، ويكررون أننا سنعود قريباً إلى قريتنا. أتذكر جيداً الخذلان الذي تعرض له اللاجئون في مخيمات قطاع غزة بعد النكسة، وكيف تقلصت آمال العودة. عشت معظم سنوات طفولتي أبني أحلام العودة إلى قرية يبنا، والتي كان والدي يحكي دوماً أنه كان يملك قطعة أرض فيها، وكان فيها الكثير من أشجار الليمون والبرتقال".