على الرغم من أن الأهالي كانوا يأملون إرجاء افتتاح المدارس في سورية، حددت وزارة التربية السورية يوم الثالث من سبتمبر/ أيلول، والذي يصادف اليوم، موعداً لبدء العام الدراسي لجميع مراحل التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي وبكافة التخصصات العلمية والمهنية.
ويأتي هذا الموعد الاعتيادي المعروف لدى السوريين بعد سلسلة من التراجعات الكبيرة لقيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، وقد خسرت الليرة أكثر من نصف قيمتها منذ حوالي عام فقط. وقبل ذلك، تراجع سعر صرف الليرة بمعدل 100 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي، في حين ارتفعت أسعار السلع والتجهيزات المدرسية ما بين 200 إلى 300 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي.
ورافق هذا الواقع الجديد جملة من القرارات الحكومية التي اتخذت مؤخراً برفع الدعم عن بعض المواد والسلع الأساسية، وارتفاع كبير في أسعار المحروقات والتي تؤدي إلى زيادة التكاليف المترتبة على العملية التعليمية في سورية، حتى بات التعليم الذي تدعي الدولة مجانيته يُثقل كاهل أهالي الطلاب ويشكل عبئاً وعائقاً أمام كثيرين.
يقول المدرس بسام ياغي، وهو من سكان حي الدويلعة في العاصمة السورية دمشق، إن موعد افتتاح المدارس أشبه بكابوس لدى معظم الأهالي والطلاب على حد سواء؛ فبالإضافة إلى العبء الكبير على الأهالي لتأمين المواد الغذائية والاحتياجات المعيشية الأساسية، يأتي ارتفاع أسعار مستلزمات المدارس ليشكل أزمة بالنسبة لغالبية الأهالي في جميع المحافظات السورية.
يضيف لـ "العربي الجديد" أن "ارتفاع المستلزمات بشكل جنوني يساهم في إفقار المجتمع السوري وزيادة نسبة التسرب من المدارس". وتشير الإحصائيات إلى تسرب ما يزيد عن 2.5 مليون تلميذ من المدارس تتراوح أعمارهم ما بين 6 و17 عاما خلال السنوات القليلة الماضية.
ويرى ياغي أن هذا الرقم سيشهد زيادة كبيرة هذا العام، بعد الارتفاع الكبير في أسعار القرطاسية والملابس، وعجز الأهالي عن تلبية الحد الأدنى من معيشة أبنائهم. يضيف: "بدأت مديريات التربية وإدارات المدارس تعتمد بشكل كبير في سدّ احتياجاتها من قرطاسية وكتب مدرسية أثناء العام الدراسي، على نفقة ذوي الطلاب في معظم المراحل".
من جهته يقول ن. ع. وهو أحد أصحاب المكتبات في مدينة حمص، إن أسعار المستلزمات المدرسية ارتفعت خلال العام الحالي عن المائة في المائة كحد أدنى، وتراوح سعر الحقيبة المدرسية ما بين 80 ألف ليرة و200 ألف ليرة (نحو 15 دولاراً أميركياً حسب سعر الصرف الرسمي)". يضيف لـ "العربي الجديد": "بلغ متوسط سعر دفتر السلك 5500 ليرة سورية والسعر يزيد بحسب عدد الصفحات. في المقابل، سجلت أسعار الدفاتر العادية 3000 ليرة للواحد منها، أما أسعار أقلام الحبر والرصاص، فتراوحت أسعارها ما بين 1000 إلى 3000 للواحد منها، والممحاة والمبراة 1000 ليرة، عدا عن الملابس والكتب للمراحل فوق التعليم الأساسي، والزي لمرحلة التعليم الأساسي".
وكتقدير أولي، يشير صاحب المكتبة إلى أن كل تلميذ في مرحلة التعليم الأساسي يحتاج لمبلغ يزيد عن 300 ألف ليرة سورية، ما يعادل راتب موظف حكومي بعد الزيادة الأخيرة، وكل طالب في مرحلتي الإعدادي والثانوي إلى ضعف هذا المبلغ ليبدأ عامه الدراسي.
خلال الآونة الأخيرة، تتراجع قيمة الليرة السورية بشكل سريع ويومي، ويبلغ سعر صرف الدولار الواحد حوالي 14,400 ليرة سورية. وبات راتب الموظف لا يتجاوز الـ 20 دولاراً أميركياً. هذا بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود. أما النسبة الأكبر في مناطق النظام السوري، فباتوا من معدومي الدخل، وتحديداً العمال المياومين الذين فقدوا أعمالهم في ظل الأوضاع الأمنية التي تعيشها البلاد.
يقول عماد الأسعد من مدينة طرطوس، لـ "العربي الجديد"، إن لائحة مشترياته لأحد أبنائه في التعليم الأساسي بلغت 405 آلاف ليرة، مضيفاً: "هذا واحد من ثلاثة أبناء في المرحلتين الإعدادية والثانوية". وتُشير منظمات المجتمع المدني في بعض المحافظات مثل حمص والسويداء إلى تراجع الاهتمام بالواقع التعليمي نتيجة تدني مستوى الدخل وعجز الكثير من العائلات عن تلبية احتياجات أبنائها المدرسية، وأطلقت الفعاليات الأهلية والجمعيات الخيرية والمغتربون مبادرات مخصصة لدعم التعليم وتأمين القرطاسية لمعظم التلاميذ المحتاجين في جميع القرى والبلدات.
من جهته، يوضح الناشط المدني علي السالم، وهو من محافظة السويداء، لـ "العربي الجديد"، أن "المغتربين بدأوا قبل نحو شهر من الآن جمع مبالغ مالية لشراء الزي المدرسي والقرطاسية للطلاب المحتاجين، فيما أطلقت الجمعيات الخيرية حملات تهدف إلى تحقيق الغاية نفسها". يضيف أن "أقل مبلغ يحتاجه طالب المرحلة الأساسية من ملابس وقرطاسية يزيد عن 250 ألف ليرة سورية، فيما يحتاج طالب المرحلة الإعدادية أو الثانوية إلى ما يزيد عن 500 ألف ليرة في الفصل، وهذه المبالغ لا تتضمن تكاليف النقل من وإلى المدارس. وبادرت بعض الجمعيات في السويداء إلى تخصيص صندوق من التبرعات يتكفل بتأمين نقل الطلاب إلى المدارس".
يتابع في حديثه لـ "العربي الجديد": "ظهرت مبادرات فردية لمغتربين من أبناء محافظة السويداء تكفل فيها أكثر من شخص بتأمين الزي المدرسي لتلاميذ بلدته، بالإضافة إلى القرطاسية". ويذكر أن معظم جمعيات المجتمع المدني في السويداء صبت جلّ اهتمامها على مسألة دعم التعليم، وخصصت صناديق لمساعدة الطلاب في معظم المراحل وخاصة لمرحلة التعليم الأساسي والجامعي، ونتيجة للتقصير الواضح والمتعمد من النظام بدعم القطاع التعليمي، وجدت هذه الجمعيات حيزا وحاجة كبيرة لملء هذا الفراغ الذي أحدثه النظام.
فجمعية بلدة "إمتان" الخيرية في أقصى جنوب السويداء، تكفلت منذ سنوات بتأمين كافة مستلزمات الطلاب في البلدة وكذلك وسائل النقل الى المدارس خارج البلدة، وهذه واحدة من الجمعيات التي تضع التعليم أولوية في المجتمع.
أما جمعية "الإنسانية تجمعنا" في مركز محافظة السويداء، فقد سارعت منذ شهر لشراء الزي المدرسي للتلاميذ والقرطاسية قبل الارتفاع الأخير للأسعار، بالإضافة إلى تكفلها بمساعدة أكثر من 300 طالب جامعي براتب شهري يتراوح ما بين 100 و150 ألف ليرة طوال سنوات الدراسة الجامعية.
وفي محافظتي طرطوس واللاذقية، لا يختلف الأمر كثيراً عن السويداء، لناحية الحاجة والعجز عن تأمين مستلزمات الأبناء، وخصوصاً أن معظم أبناء الساحل السوري يعتمدون على الوظائف في قطاعات الدولة. وكان العديد من سكان المحافظتين يعتمدون قبل سنوات على المساعدات المقدمة من جمعيات تتبع لرجال أعمال معروفين مثل جمعية البستان، وقد شهد العامان السابقان تراجعاً في حجم الدعم بعدما تغيرت إدارة الجمعية، وباتت أعداد لا تُحصى من العائلات رهينة العجز عن تأمين مستلزمات أبناءها المدرسية.
وتقول داليا القصير من محافظة طرطوس الساحلية، وهي أم لأربعة أطفال، اثنان منهم في مرحلة التعليم الأساسي، إنّ عائلتها مثال مكرر لآلاف الأسر في المحافظة التي بالكاد تستطيع تأمين أدنى مستلزمات أبنائها المدرسية. وتشير إلى أنها أخرجت أبناءها الكبار في التعليم الثانوي والإعدادي، ووجهتهم للعمل وتعلم حرفة صناعية، لعدم قدرتها على تحمل تكاليف تعليمهم. تضيف لـ "العربي الجديد" أن "المدرسة مثلها مثل أي شيء في هذا البلد، قد أصبحت حكراً لأبناء الذوات والأغنياء. أما الفقير، فعليه أن يقف في طابور المساعدات الإنسانية وينتظر دوره على أبواب الجمعيات الخيرية".
ولا يختلف المشهد في محافظة حمص عنه في محافظة السويداء. ويعتمد العديد من الأهالي في تعليم أبنائهم على المجتمع المدني من المغتربين والجمعيات الخيرية. وتشير متطوعة في إحدى الجمعيات الخيرية، في حديثها لـ "العربي الجديد"، إلى أن الفضل في دعم التعليم يعود إلى المغتربين من أبناء حمص في دول المهجر، وخصوصاً المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية، فهؤلاء قدموا مساعدات إنسانية واهتموا في السنوات القليلة الماضية بالجانب التعليمي بشكل أفضل.
وتوضح: "بالطبع هذا لا يعني أن الجمعيات والمغتربين يحققون الكفاية لآلاف الأسر التي تعيش تحت خط الفقر في جميع المحافظات السورية، فالكثير من تلك الأسر تضطر مرغمة لعدم تعليم أبنائها أو إخراجهم من المدارس في سن مبكرة ودفعهم إلى سوق العمل من أجل المساعدة في تأمين لقمة العيش".