يستعد التلاميذ في ليبيا، للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، لبدء الموسم الدراسي الجديد في وقت مبكر، إثر تحديد وزارة التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية مطلع سبتمبر/ أيلول موعد الانطلاق، لكن متابعين لا يرون أن البداية المبكرة تشكل مؤشراً كاملاً يزيل القلق من التهديدات الكثيرة التي يواجهها قطاع التعليم.
وأوضحت الوزارة، في بيان أصدرته قبل أسبوعين، أن بداية العام الدراسي ستكون في 3 سبتمبر، فيما درجت العادة أن ينطلق في منتصف الشهر ذاته، مع تسجيل استثناءات شملت تأجيل البداية إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، أو حتى إلى منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني بسبب ظروف أمنية قاهرة أو أسباب أخرى مختلفة مرت بها ليبيا، وهو ما حدث مثلاً عام 2021.
عموماً، ساعدت النهاية المبكرة للعام الدراسي الماضي في تحديد موعد مبكر لإطلاق العام الجديد، وفق ما يشير محمد موسى، وهو مدير مدرسة للتعليم الأساسي في طرابلس. ويستبعد موسى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بدء الدراسة فعلياً في 3 سبتمبر، ويرجح أن يتأخر دخول التلاميذ أسبوعاً، وأن تكون البداية شكلية عبر توافد عدد من التلاميذ، وتخصيص حصص لمراجعة ما درسوه خلال العام الماضي، وهو ما يحصل كل عام. ويشير موسى الى أن موعد بدء الدراسة في مطلع سبتمبر يتزامن مع نهاية العطلة السنوية للمعلمين، معتبراً أن تحديد البداية في سبتمبر "أمر جيد لم تشهده السنوات السابقة، شرط أن تلتزم الوزارة بالجدول الذي وضعته للموسم الدراسي، كما فعلت العام الماضي".
وبحسب خطة وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي المقبل، والتي نشرت على موقع فيسبوك، ينتهي الفصل الأول من العام الدراسي الجديد في 21 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ثم تجرى امتحانات بين 25 ديسمبر 2023 و4 يناير/ كانون الثاني 2024. أما الفصل الثاني فينطلق في 21 يناير، وينتهي في مايو/ أيار، وهو تاريخ أبكر بكثير من الأعوام السابقة.
والأربعاء الماضي، كلّف وزير التربية والتعليم موسى المقريف مصلحة التفتيش التربوي بمهمة الإشراف على توزيع الجداول الدراسية في المؤسسات التعليمية، واختيار معلمين مناسبين للمراحل وفق معدلات الأداء. كما منحها سلطة نقل المعلمين من المؤسسات التربوية إلى أخرى بالتنسيق مع إدارة الاحتياط العام، من أجل ضمان تغطية الجداول الدراسية.
ويمكن أن تستفيد مصلحة التفتيش، بحسب توجيهات الوزير، من الموارد البشرية المتاحة، وبينها معلمو العقود وأولئك الذين نزحوا من بلديات أخرى، والمنقولون من فائض الملاك الوظيفي عن طريق وزارة الخدمة المدنية.
وتنقسم سلسلة التعليم المتوسط في ليبيا إلى أساسي يتضمن 9 مراحل (6 ابتدائية و3 إعدادية) وثانوي لفترة ثلاث سنوات في التخصصين العلمي والأدبي.
وقبل أسبوعين، أنهت المدارس تسجيل التلاميذ الجدد والمنقولين، فيما نفذت مراكز التطعيم إجراءات التحصين الصحية الخاصة بكل مرحلة.
ويلخص موسى مشكلات التعليم ومؤسساتها في عدم كفاية المدارس، في ظل عدم اكتمال عمليات الصيانة والبناء التي تنفذها الوزارة، والنقص الحاد في المعلمين وعدم كفاءة عدد كبير منهم، إضافة إلى مشكلات الرواتب وعدم تدفق المكافآت للمعلمين المتعاقد معهم.
قلق من الازدحام
وفي حديث مع "العربي الجديد"، تشتكي المتخصصة الاجتماعية في إحدى المدارس الحكومية بالعاصمة طرابلس رقية حنيش من تزايد عدد التلاميذ في مقابل محدودية الفصول الدراسية، والذي تؤكد انه "سيجعل الفصل الواحد يضم نحو 50 تلميذاً، ما يؤثر على مستوى الهدوء والتحصيل العلمي داخل الفصل، ويثير قلقاً كبيراً من خطورة الازدحام في حال انتشرت فيروسات أو أمراض معدية، كما حصل مع وباء كورونا".
وتشرح حنيش أن "المدارس الحالية في محيط منطقتها بحي الدريبي، وسط العاصمة طرابلس، تتعامل مع عدد سكان مماثل لوقت إنشائها في ثمانينيات القرن الماضي، في حين زاد عدد سكان المنطقة بشكل متسارع خلال 40 سنة، وانتشر البناء العمودي في كل الأنحاء، ويشمل ذلك أيضاً باقي مناطق العاصمة". وتذكر أن "المدارس الخاصة تستوعب في العادة بعض نسب الزيادة السكانية، لكن ارتفاع أسعارها خلال السنوات الأخيرة بالتزامن مع الظروف المعيشية الصعبة دفع أولياء أمور إلى إعادة أولادهم إلى التعليم المجاني في المدارس الحكومية، ما زاد الضغط عليها، من دون أن تظهر مؤشرات لحلول قريبة".
توفر الكتاب المدرسي
الجيد هذا العام، بحسب ما تؤكد وزارة التربية والتعليم، هو توفر الكتاب المدرسي، إذ أعلن مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية في الوزارة وجود 3 ملايين كتاب، لكن سليم بن رمضان، وهو ولي أمر طالبين في المرحلة الإعدادية والثانوية، يبدي عدم ثقته بالإعلان، ويقول لـ"العربي الجديد": "سننتظر بدء الموسم الدراسي ووصول الكتب إلى أولادي، وعندها يمكن أن نرتاح من أزمة الكتاب المدرسي".
ويذكّر بن رمضان بتجربته السيئة، على غرار أولياء أمور آخرين للتلاميذ، مع الكتب المدرسية في العامين الأخيرين، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم يكن يوجد كتاب واحد في المدارس قبل عامين، وقضى أولادنا العام كله من دون كتب. والعام الماضي توفرت الكتب نسبياً مع غياب أكثرها للمواد المهمة، ما اضطرنا إلى تدبر كتب مستعملة لأبنائنا من أقرباء أو أصدقاء، أو تصوير كتب وتجليدها". وهذه الأزمة أثارت الرأي العام، ووصل رد فعلها إلى مكتب النائب العام الذي فتح تحقيقاً بقضايا فساد مالي في شأن عقود طباعة وتوريد الكتاب المدرسي.
جهود المعلمين
ومن المؤشرات التي تبعث على الارتياح النسبي لدى بن رمضان انطلاق الموسم الجديد بعد إضافة زيادات كبيرة إلى الأجور في قطاع التعليم، لذا يأمل بن رمضان في أن يبذل المعلمون جهوداً أكبر.
وتوضح سوسن شعيب، وهي معلمة في المرحلة الثانوية، لـ"العربي الجديد"، أن الحصص الأسبوعية لكل معلم تراوح بين 10 و18، بما لا يزيد عن 4 يومياً، وتبدي بالتالي رضاها عن عدد هذه الحصص، لكنها ترفض إلغاء علاوة الحصة المحددة بـ15 ديناراً (3 دولارات)، التي كانت تمنح سابقاً، وترجح أن يدفع هذا الإلغاء المعلم إلى "التلكؤ، لأن الجميع سيستلم المرتب نفسه وفقاً للدرجة الوظيفية، حتى من يدرّس حصصاً إضافية من دون أي دافع للاجتهاد".
وتثير شعيب قضية مكافآت المعلمين الذين جرى التعاقد معهم خلال السنوات الماضية من أجل سد النقص في بعض المواد المهمة خاصة بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، وتوضح أن "المدارس لا تزال تحتاج إليهم، لكن الاستمرار في عدم منحهم مكافآتهم أو توقيع عقود وظيفية رسمية معهم سيدفعهم إلى عدم المشاركة في الموسم الحالي، وستظهر أزمة نقص المعلمين مجدداً، وستواجهها الوزارة بمعالجات مؤقتة لن تفيد في رفع مستوى عملية التعليم التي تجتهد الوزارة لتحقيقها".
وأمر وزير التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية المقريف مراقبي البلديات بـ"إحالة احتياجاتهم إلى مصلحة المرافق التعليمية لضمان توفير بيئة دراسة تلائم العام الدراسي الجديد، وجعله مثالياً"، وأشار إلى سعي الوزارة الحثيث إلى معالجة قضية الإفراجات المالية لمعلمي العقود.
وفي نهاية يوليو/ تموز الماضي، أعلنت الحكومة في طرابلس استكمال إنجاز 145 مدرسة سيجري تشغيلها قبل بداية العام الدراسي المقبل (2024-2025)، من بينها 49 ستسلّم إلى قطاع التعليم خلال ديسمبر المقبل. ويندرج ذلك ضمن خطة الحكومة لإنشاء 500 مدرسة جديدة، وصيانة عدد من تلك القائمة، في إطار محاولتها مواجهة تحدي النقص في المدارس بسبب تهالك بعضها وتدمير أخرى خلال أزمات وحروب السنوات الماضية.