مدمنون في السودان... إعادة التأهيل تتطلب رغبة ومنشآت

22 أكتوبر 2021
أسباب مختلفة قد تدفع الشباب إلى الإدمان (أوزان كوسه/ الأناضول)
+ الخط -

في أحد الأيام، وجد الشاب السوداني حمدان محمد نفسه وهو يستهلك الكحول بأنواعه، قبل أن تزداد معدّلات تعاطيه شيئاً فشيئاً، خصوصاً بعد فضّ اعتصام محيط قيادة الجيش السوداني قبل أكثر من عامَين، في أثناء الثورة على النظام السابق في البلاد. هو كان أحد شهود الواقعة التي قُتل فيها أكثر من مائة معتصم وجرح فيها مئات آخرين. يقول محمد لـ"العربي الجديد" إنّ "الذكريات المرتبطة بموقع الاعتصام وبهؤلاء العسكر الذين راحوا يقتلون الثوّار، ظلّت تطاردني. ولم أجد وسيلة للهروب من الواقع الأليم إلا بتعاطي الكحول المستمر، فصرت أشرب نحو سبع زجاجات في اليوم الواحد. لكنّ مشاركتي في ورشة خاصة حول رفع الوعي بالصدمات النفسية في مدينة زالنجي (غربي السودان) غيّرت تفكيري". 
يضيف محمد: "كنّا 30 مشاركاً وطُلب من كلّ واحد منّا رسم رمز للصدمة التي يعاني منها، فرسمت سلاحاً. وفي خلال تلك الورشة استطعت بمساعدة متخصصين من العمل على الخروج من الصدمة، ثمّ رحت أفكّر في التخلي عن الكحول". لا يخفي محمد أنّ "الأمر كان صعباً جداً، وحرمني من النوم لأيام. وقد حاولت العثور على مركز إعادة تأهيل في زالنجي حيث تُقام الورشة، لكنّني لم أوفَّق. كذلك لم أعثر على شيء من هذا القبيل في مدينة الجنينة (مركز ولاية غرب دارفور) حيث أعمل في إحدى المنظمات. لذا قطعت آلاف الأميال إلى العاصمة الخرطوم لتلقّي علاج من الإدمان".
ويتابع محمد أنّه "بمساعدة أصدقاء لي، قصدت مستشفى التجاني الماحي للأمراض النفسية في الخرطوم، حيث تأكّد المعنيون هناك من رغبتي في العلاج أوّلاً، ثمّ احتجزوني لمدّة أسبوعَين كمرحلة أولى قبل أن تُضاف أيام أخرى كمرحلة ثانية"، لافتاً إلى "استخدام حقن وحبوب في العلاج. وفي النهاية، تعافيت وصرت سليماً مع متابعة طبية". 

ويدين محمد بالفضل في نجاحه لـ"أسرة المستشفى، وأسرتي الصغيرة وكذلك الكبيرة، خصوصاً زوجتي التي دعمتني بالكامل في كلّ مراحل العلاج. كذلك أدين بالفضل لأصدقاء كثر ساهموا في توفير تكاليف العلاج التي وصلت إلى 76 ألف جنيه سوداني (نحو 170 دولاراً أميركياً)، وهو مبلغ لم يكن بمقدوري توفيره وحدي نظراً إلى الراتب الذي أتقاضاه". ويشير محمد إلى أنّه بعد ذلك، "نشطت في مجال التوعية بمخاطر الإدمان والتشجيع على العلاج في محيطي الاجتماعي، خصوصاً بين الأصدقاء"، فيما يشدّد على "أهمية تشجيع الدولة والمجتمع للمدمنين حتى يتمكّنوا من التخلّص من مصابهم، ودعم العلاج، وفتح مراكز متخصصة في الولايات المختلفة".

إمكانيات محدودة
قصة حمدان محمد واحدة من قصص مدمنين سودانيين كثيرين نجحوا في التخلص من الكحول والمخدّرات، في حين ينتظر آخرون خوض التجربة. سالم (اسم مستعار) شاب سوداني مدمن مخدّرات، يخبر "العربي الجديد": "أفكّر مليّاً في الإقلاع عن عنها، لكنّ قدراتي المالية تعوّق ذلك، كذلك خوفي من نظرات المجتمع، وعدم توفّر مركز متخصّص بالقرب من منزلي".
وببطء شديد، تفكّر السلطات السودانية المختصة في إنشاء مراكز إعادة تأهيل للمدمنين وتعزيز المتوفّر منها وتجهيزه وتوسيعه، بالإضافة إلى دور إيواء، بالإضافة إلى التزوّد بالوسائل العالمية في هذا السياق، وتأمين اختصاصيين نفسيين وغيرهم. كذلك تفكّر الحكومة في الدخول في شراكات مع منظمات من المجتمع المدني ومؤسسات اقتصادية ورؤوس أموال، بهدف توفير علاج للحالات المستعصية في خارج البلاد.
وفي السودان، ثمّة مستشفيات متخصصة في علاج الأمراض النفسية والعقلية، وفي داخلها أقسام خاصة بعلاج الإدمان، لكنّه لا يتوفّر إلا مركز حكومي متخصص واحد على طول البلاد وعرضها، وهو "مركز حياة للعلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي" الذي أسّسته في عام 2014 وزارة التنمية الاجتماعية في ولاية الخرطوم بالتعاون مع عدد من الجهات مثل جهاز الاستخبارات الوطني وقوات الشرطة. ويستقبل هذا المركز آلاف الشبان سنوياً، علماً أنّ أسرّته تكفي نحو 30 شخصاً فقط فيما تستقبل عياداته أعداداً أخرى تتلقّى العلاج بالمتابعة المستمرة.

تحرك احتجاجي وشاب في السودان (محمود حجاج/ الأناضول)
الخيبات قد تدفع كثيرين إلى الإدمان (محمود حجاج/ الأناضول)

يقول نائب مدير "مركز حياة للعلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي" الدكتور محمد عز الدين لـ"العربي الجديد" إنّ "المركز يوفّر فرصة علاج حقيقية للتخلص من إدمان المخدرات والكحول وبنسبة كبيرة تفوق النسب العالمية، لا سيّما أنّ المدمنين يتعاطون كحولا ومخدرات هي من الأخفّ تأثيراً على الإنسان، مقارنة بتلك المتوفّرة في بقية دول العالم". 
يضيف عز الدين أنّ "علاج الإدمان يأتي بواحد من بروتوكولَين أجيزا عالمياً. البروتوكول الأوّل يقضي بسحب السموم من الجسم، والثاني بتقليل جرعات المواد المستهلكة تدريجياً"، مشيراً إلى أنّ "المركز يستخدم البرتوكول الثاني. فيُصار إلى عزل المدمن لمدّة تتراوح ما بين سبعة أيام وعشرة، والتدرّج في تقليل كمية المواد، وذلك كمرحلة أولى. وبعد انتهاء العزل، تمتد مرحلة التأهيل 35 يوماً بواسطة اختصاصين نفسيين واجتماعيين وكادر تمريضي على درجة عالية من التدريب. كذلك يقدّم المركز برامج ترفيهية في أثناء فترة العزل الأولى"، لها دور علاجي كذلك من قبيل الرسم بمساعدة فنانين تشكيليين. ويأتي ذلك إلى جانب إقامة محاضرات دينية وتوفير صالات رياضة للأشخاص المعنيين.
يتابع عز الدين أنّ "الذين يقصدون عيادات المركز بمعظمهم، يأتون برغبة منهم وليس تحت ضغوط من أسرهم، الأمر الذي يساعد في تسريع العلاج"، لافتاً إلى أنّ "المركز يقدّم كل خدماته في مقابل مبلغ رمزي". ويطالب عز الدين بـ"إزالة كلّ العقبات الخاصة بعلاج الإدمان، بما فيها تعديل التشريعات ونشر التوعية وعقد شراكات بين الدولة والمجتمع في هذا المضمار، وتمويل البحوث، وتصميم قاعدة بيانات واضحة عن أعداد المدمنين وتوزّعهم الجغرافي".

شاب سوداني في السودان (عبد المنعم عيسى/ Getty)
ثمّة خوف دائم من الوصمة الاجتماعية (عبد المنعم عيسى/ Getty)

تهديد للشباب
من جهته، يقول البروفسور علي بلدو وهو استشاري في الطب النفسي وعلاج الإدمان، لـ"العربي الجديد" إنّ "الظاهرة خطيرة جداً وتهدد حياة الشبان والشابات، خصوصاً بعد أن تحوّل السودان من دولة معبر للمخدّرات إلى دولة مقرّ لها ولتعاطيها والمتاجرة فيها، ما أدّى إلى انتشارها حتى في المدارس والجامعات والمعاهد العليا". يضيف بلدو أنّ "ذلك الخطر لا يقابله جهد عام لعلاج الإدمان نظراً إلى نقص الكوادر وقلة المراكز المتخصصة التي لا تزيد عن مركزَين، أحدهما حكومي والثاني خاص في السودان ككلّ، وهو عدد لا يتناسب مع أعداد المدمنين المتزايدة، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى السفر إلى خارج البلاد لتلقّي العلاج". 
ويوضح بلدو أنّ "كثيرين من المدمنين لا يجدون تكاليف العلاج والتحاليل وما إليهما"، منتقداً بشدّة "عجز الدولة في توفير الرعاية الصحية الجسدية والنفسية للمدمنين". كذلك يشير إلى "المحاذير والخوف من الوصمة الاجتماعية، ومن الملاحقات القضائية"، مشدداً على أنّ "عدم تلقّي العلاج يؤدّي في النهاية إلى مضاعفات خطرة قد يدفع الشاب أو الشابة حياتهما ثمناً لها". ويقترح بلدو "إنشاء آلية للتعامل مع حالات الإدمان، تبدأ بالتوعية في المدارس والجامعات، ثمّ استخدام آلية الإنذار المبكّر، ومنح العلاج مجاناً، والتوسّع في إنشاء المراكز المتخصصة، واستبقاء الكوادر المؤهلة للحؤول دون هجرتها".
لكنّ لأستاذ علم الاجتماع الدكتور أشرف أدهم رأياً آخر، إذ يرى أنّ "العلاج الحقيقي للإدمان أساسه علاج المشكلات الاجتماعية التي تدفع الشباب نحو هاوية التعاطي، وأُولاها مشكلات البطالة وحالة اليأس العام نظراً إلى عدم تحقيق طموحاتهم السياسية والاجتماعية والمعيشية وإحساسهم بالعجز في ردّ الدين لأسرهم". يضيف أدهم لـ"العربي الجديد" أنّ "العلاج يكمن في توظيف طاقات الشباب واستغلالها لمصلحة التخطيط الاجتماعي والاقتصادي السليم، وبالتالي الإنتاج، حتى يشعروا بدورهم الفردي والجماعي".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشير أدهم إلى أنّ "إدمان الكحول والمخدّرات من الأمراض الاجتماعية العديدة، وهو يحتاج إلى جهد كلي من قبل الدولة والمؤسسات الاجتماعية لدراسة الأسباب عبر باحثين ومهتمين ومتخصصين، حتى تكون المعالجة في إطارها الأشمل وتؤدّي في النهاية إلى خفض معدّلات الإدمان". كذلك يقترح أدهم "تغيير نظام الخدمة الوطنية الإلزامية وجعلها أداة لتأهيل الشباب وزجّهم من خلالها في مشاريع إنتاجية مع نسبة أرباح لهم، فضلاً عن جعلها مدخلاً عاماً إلى التوظيف".

المساهمون