استمع إلى الملخص
- **أزمة المياه والصرف الصحي:** نقص المياه بسبب الإغلاق الإسرائيلي يعقد تنظيف المراحيض، وارتفاع أسعار مواد التنظيف يزيد من تفاقم الوضع، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض الجلدية.
- **التأثيرات الصحية:** تكدس المهجرين في مساحات ضيقة يسبب انتشار الأمراض مثل الإسهال وأمراض الجهاز التنفسي، وزيادة الاستهداف الإسرائيلي للمرافق الصحية يزيد من الكارثة الصحية.
تعدّ المراحيض العامة من التحديات الصعبة التي يواجهها المهجرون في قطاع غزة يومياً، في ظل ضيقها وانعدام النظافة فيها وغياب الخصوصية.
ينتظر الفلسطيني زيد الكيلاني، وهو من حي الكرامة غربي مدينة غزة، دوره للدخول إلى مرحاض بلاستيكي عام أنشئ بطريقة بدائية وسط خيام المهجرين في معسكر دير البلح لخدمة عشرات الأسر المهجرة من جحيم العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويتسبّب الاكتظاظ الشديد في أعداد المهجرين، جراء التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة والمتزايدة لمناطقهم ومربعاتهم السكنية، في ضعف الخدمات المقدمة إليهم في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الخدمات المعيشية الأساسية المتمثلة في توفر الطعام والماء والمراحيض والمتطلبات اليومية.
بدأ الاكتظاظ منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي حين طلب الاحتلال من سكان محافظتي غزة والشمال التوجه نحو جنوب وادي غزة، وأتبعها بسلسلة أوامر إخلاء من المحافظات الجنوبية والوسطى نحو كيلومترات محددة، أطلق عليها اسم "مناطق إنسانية آمنة".
في الوقت الحالي، تضم مناطق التهجير نحو مليوني فلسطيني خسروا أو تركوا بيوتهم بفعل التهديدات الإسرائيلية والقصف المتواصل والمجازر غير المتوقفة، وسط أوضاع إنسانية معقدة تنعدم فيها أدنى متطلباتهم المعيشية اليومية. ويوضح زيد الكيلاني في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه أجبر على النزوح من منطقة سكنه في اليوم الثالث للعدوان، إلا أنه انتقل إلى منزل عائلة زوجته في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة على اعتبار أن أمد التصعيد لن يطول، وأنه سيرجع إلى بيته خلال أيام، إلا أن ذلك لم يحدث. هُجّر مجدداً برفقة أقاربه إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، من دون أن يتمكنوا من اصطحاب أي من مستلزماتهم الأساسية، وقد اضطروا إلى شراء نسبة كبيرة منها بأسعار مرتفعة.
ويتحدّث الكيلاني عن العقبات التي واجهته وأسرته منذ بدء التهجير المتكرر، الذي وصل إلى سبع مرات. ويقول: "أصعب تلك الأزمات يتمثل في إيجاد مرحاض، سواء داخل البيوت التي انتقلنا إليها وكانت مكتظة بالمهجرين أو الخيام التي تفتقر إلى مراحيض وسط الكم الكبير من العائلات المهجرة".
دفع التهجير المتواصل وعدم توفر الشقق السكنية والمحال مئات المهجرين للتوجه إلى المدارس ومراكز الإيواء المكتظة التي تواجه الأزمة نفسها، فيما انتقل البعض الآخر لإنشاء خيام خشبية وبلاستيكية، ليبدأ فصل جديد من المعاناة المتمثلة في انعدام وجود شبكات الصرف الصحي، نتيجة إنشاء تلك المخيمات على أراض زراعية أو غيرها، لا تتوفر فيها الخدمات اليومية والضرورية.
ويقول الفلسطيني أمجد محمد علي، وهو من حي النصر غربي مدينة غزة، إن أزمة المراحيض العامة بدأت منذ الأيام الأولى للعدوان بفعل الأعداد الهائلة للمهجرين في بقع جغرافية محددة. وتزامنت مع أزمات أخرى تمثلت في النقص الشديد لمياه الاستخدام اليومي، والتي من شأنها تنظيف تلك المراحيض الجماعية كثيرة الاستخدام، بسبب الإغلاق الإسرائيلي للمعابر وقطع إمدادات المياه والكهرباء لتشغيل المضخات التي توصل المياه.
ويلفت علي إلى أزمة أخرى، وهي منع دخول مواد التنظيف مع زيادة الطلب عليها، أو دخولها بنسب بسيطة لا يمكنها تغطية الطلب المتزايد، الأمر الذي تسبب بارتفاع أسعارها أكثر من 20 ضعفاً، في الوقت الذي يعاني الفلسطينيون من أوضاع اقتصادية صعبة بفعل فقدان مصادر دخلهم.
ويوضح محمد أنّه بسبب عدم وجود مراحيض في الأراضي التي تضم مخيمات اللجوء، تُنشأ مراحيض جماعية مؤقتة من الخشب والنايلون، فيما يُحفر في الأرض بجوارها لتصريف المياه العادمة، في ظل بعد تلك المخيمات عن شبكات الصرف الأساسية، والمهترئة أساساً بسبب زيادة الضغط والاستهداف الإسرائيلي المتواصل للبنية التحتية، وتدمير ما يزيد عن 70% منها. وتنعدم في تلك المراحيض الصغيرة أدنى درجات النظافة بسبب نقص المياه ومواد التنظيف، الأمر الذي تسبب بظهور العديد من الأمراض الجلدية بين المهجّرين، كما أنها تفتقر إلى الخصوصية. وتقول الفلسطينية سهاد أبو سعدة، المهجرة من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة نحو منطقة المشاعلة غرب مدينة دير البلح، إنها تشعر بالقلق في تلك المراحيض العامة، نظراً للاكتظاظ الشديد ورداءة تجهيزها بأدوات بدائية.
وتلفت أبو سعدة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن صغر مساحة تلك المراحيض، التي لا تتجاوز المتر أو المتر ونصف المتر في أفضل الأحوال، لا يمكنها من تلبية احتياجاتها أو احتياجات أطفالها الثلاثة، خصوصاً في ظل اضطرارهم إلى التغسيل المتواصل بسبب الرمال والأتربة والوحل الذي يغطي طرقات الخيام المتجاورة.
في هذا الإطار، يتحدث الطبيب المتخصص في الأمراض الجلدية وائل حسونة عن مدى شناعة تأثيرات العدوان الإسرائيلي على مختلف النواحي المعيشية، وفي مقدمتها قضية تكدس مئات آلاف المهجرين في أماكن ومساحات ضيقة تفتقر إلى مقومات الحياة اليومية، بالإضافة إلى انعدام سبل الرعاية والوقاية الخاصة بالفئات العمرية كافة. ويقول لـ"العربي الجديد" إن العامل الأشد خطورة في قضية الازدحام يرتبط باضطرار المهجرين إلى تشارك المراحيض في مخيمات اللجوء، والتي تفتقر إلى النظافة والصيانة بفعل الاستخدام المتواصل، الأمر الذي تسبب بانتشار العديد من الأمراض، ومن أبرزها الإسهال وأمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية، كالجرب والطفح الجلدي وقمل الرأس وجدري الماء.
ويوضح حسونة أن العديد من العوامل ساعدت على انتشار تلك الأمراض وغيرها في صفوف النازحين، والأطفال على وجه التحديد، بسبب النقص الشديد في مواد التنظيف وغلاء سعرها، علاوة على الاستهداف الإسرائيلي المباشر للمرافق الصحية، بالتزامن مع الإغلاق التام للمعابر، ومنع دخول الأدوية والمستهلكات الطبية التي يمكنها التخفيف من حدة الكارثة الصحية التي يتسبب فيها تواصل العدوان.