منذ نحو عام، تخوض آمال معركة شرسة في وجه مرض السرطان الذي استنزفها مادياً ومعنوياً وجسدياً، في ظلّ تقاعس السلطات واعتمادها سياسة المماطلة والتمييع والاستهتار. وتتحدّث آمال، المفعمة بالحياة عن صراع متعدّد الجبهات؛ الأول هو المرض بحد ذاته والوجع والعلاج الكيميائي والمضاعفات والانعكاسات بمختلف أشكالها، بعدما ضربها في المعدة. والثاني تقف خلفه الدولة التي تترك مرضاها بلا دواء ولا علاج ولا مساعدة لتأمين التكاليف الباهظة التي يتكبدها المريض.
وتقول آمال لـ"العربي الجديد" إنها تتحسن، إلّا أنّ "معاناتي تتلخّص في إيجاد الدواء المقطوع من السوق. وفي حال وجدناه، فسعره مرتفع جداً، عدا عن كلفة العلاج الكيميائي في المستشفى مرة كلّ أسبوعين"، داعية المسؤولين إلى "إيجاد حلّ للأزمة التي من شأنها أن تعيد كلّ مريض يتحسن إلى الوراء، وتساهم في تراجع صحة المرضى الذين لا يملكون ترف الوقت وانتظار الحلول المؤقتة".
وفي وقت يخرج وزير الصحة فراس أبيض، كلّ فترة، ليعلن عن انفراجة في أزمة الدواء لمرضى السرطان والأمراض المستعصية، يؤكد مطلعون أنّه لا تقدّم ملموساً بعد والأدوية ما زالت مفقودة، ما أدى إلى نشوء مبادرات فردية لتأمين الأدوية من الخارج.
ويقول رئيس جمعية "بربرا نصار" لدعم مرضى السرطان، هاني نصار، لـ "العربي الجديد"، إنّ "تصريح وزير الصحة أو المعنيّين بأنّ الأزمة حلّت أو إلى انفراج يُفهم على أنّ كلّ أدوية السرطان تم تأمينها، وهذا غير صحيح. هناك 445 دواء للسرطان في لبنان، 10 منها تصنّع محلياً والبقية تستورد من الخارج، في حين أنّ هناك 12 ألف حالة سرطان جديدة سنوياً".
يتابع: "إذا افترضنا أنّ مصرف لبنان وقّع على أربعين أو ستين دواء، فهناك أدوية ليست متوفرة، علماً أن وزير الصحة أبلغنا بعد حلقة تلفزيونية رفعنا فيها الصرخة أن مصرف لبنان سيدعم ويدفع لشركات الأدوية شهرياً لتأمين أدوية الأمراض المستعصية السرطانية وغير السرطانية، وستكون متوفرة هذا الأسبوع. في المقابل، هناك أدوية كثيرة لم تعط موافقة بشأنها".
ومن بين هذه الأدوية، بحسب نصار "أفاستين (لعلاج سرطان القولون والمستقيم) وإيبرانس (لعلاج سرطان الثدي). وهناك أدوية وصلت إلى البلد ولم تشترها وزارة الصحة. كما أنّ دواء أليمتا (علاج ثانٍ لسرطان خلايا الرئة غير الصغيرة المعاود) مقطوع منذ شهر في وزارة الصحة. وإذا توفر في السوق، فسعره 500 دولار ويدفع بالدولار النقدي، ما يضع مريض السرطان أمام خيارين: إما تأمين الدولار الطازج أو البقاء من دون علاج".
يضيف نصار أنّ "علاج كيترودا (نوع جديد من الأدوية يشارك دفاعات الجسم في قتال الخلايا السرطانية) غير متوفر لدى وزارة الصحة أو حتى الجهات الضامنة التابعة للمديرية العامة للأمن العام وقوى الأمن الداخلي وغيرهما، علماً أن هذا العلاج قد يمكن المريض من العيش فترة أطول، وإلّا ستتدهور حالته وقد يصل إلى الوفاة". كما يلفت إلى أن "كيترودا ليس متوفراً في المستشفيات الموجودة على الأطراف، بل فقط الكبرى منها، والتي تخصصه لمرضاها وليس للمرضى الجدد. ومع أنه يعطى في المرحلة الرابعة، لكنه دواء مناعي يعد ثورة في عالم العلاجات ويطيل عمر المريض". ويؤكد "وفاة بعض المرضى بسبب عدم توفر الأدوية المناعية. ومنذ فترة، توفيت أربعينية بسبب انقطاع دواء مماثل، ما أدى إلى تفشي المرض في كلّ جسمها".
ويلفت نصار إلى أنّ "دواء إيبرانس (أحد مضادات الأورام) تلجأ إليه المريضات بسرطان الثدي، وهناك 2500 حالة جديدة سنوياً. وبشكل عام، يمكن للمريضة الشفاء منه أو التعايش معه بفضل الدواء الذي يؤدي انقطاعه إلى تفشي المرض في الجسم، ما يعني تسجيل حالات وفاة". ويشير إلى أن "هذا الدواء سعره أربعة ملايين ونصف المليون تقريباً، أي 3 آلاف دولار. وفي حال رفع الدعم عنه، يصبح نحو 60 مليون ليرة وهو مبلغ شهري. من هنا، فإن رفع الدعم عن الأدوية السرطانية يعني أننا سنكون أمام مجزرة. من هنا، أستبعد رفع الدعم".
من جهة أخرى، يتحدث نصار عن الفاتورة الاستشفائية التي تزيد من معاناة مرضى السرطان، خصوصاً أنّ وزارة الصحة لا تؤمّن إلا نسبة لا تذكر، علماً أن علاج المريض هو على حساب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وبالأصل يدفع 5 في المائة من سعر الدواء و10 في المائة من الاستشفاء. لكن اليوم، الفرق أصبح مضاعفاً، باعتبار أن المستشفيات تسعر بأرقام مرتفعة وتزيد التسعيرة من دون أي مبرر. بالتالي، باتت جلسة المريض للعلاج الكيميائي التي لا تتخطى نصف نهار بأكثر من مليوني ليرة".
بدوره، يقول عضو لجنة أطباء "القمصان البيض" (ناشطون ضدّ الفساد)، هادي مراد، لـ "العربي الجديد": "لا تقدّم حتى الساعة على صعيد أزمة انقطاع أدوية السرطان والأدوية المستعصية. وما زال المريض يتكبد تكاليف العلاج بأسعار خيالية، وأنا أتكفل بعلاج 10 مرضى سرطان ثدي وبروستات، من خلال جلب أدوية من تركيا".
إلى ذلك، تقول الناشطة الاجتماعية سعاد غاريوس، لـ "العربي الجديد": "في حملة نحن واحد، نسعى لتأمين أدوية السرطان، ونعتمد على متبرعين من خارج لبنان، والأدوية الأكثر طلباً هي لعلاج السرطان والأدوية المستعصية". وتشدد على أنّ "المعاناة تطاول جميع المرضى بكل الفئات العمرية حتى الأطفال، ولا يمكن ترك المرضى والأشخاص ذوي الإعاقة. هؤلاء كانوا يتمسّكون بالأمل للعيش، واليوم أتت الدولة وسرقته منهم بمغامرتها بصحتهم ونهب وقتهم وإضاعة فرصهم في العيش".
وتشير إلى أن "هاجسنا بات تأمين الدواء للمريض وبشكل كافٍ لشهر واثنين وثلاثة وبشكل مجاني، علماً أنّ هناك أشخاصاً ميسورين يصرون على الدفع. وعندها، نطلب منهم الذهاب إلى أشخاص في حاجة للعلاج ولا يملكون المال لمساعدتهم".
وتلفت غاريوس إلى أنّ "أسعار الأدوية خيالية وتفوق قدرة أي شخص على التحمّل. كيف الحال إذاً لدى الأشخاص ذوي الإعاقة أو مرضى ربما خسروا عملهم ولم يعد هناك دخل لهم؟ للأسف، هناك حالات كثيرة توقف علاجها، خصوصاً فوق عمر الستين، لأنّها باتت ترى نفسها عبئاً على العائلة التي تعاني أصلاً من تدهور الأوضاع المعيشية والغلاء الفاحش وتفضل الموت على أن تكبدهم مصاريف خيالية ستدفعهم إلى الاستدانة وطلب المال".
تضيف غاريوس: "المرض كالسارق يأتي سريعاً ليأخذ كل شيء ويغادر. من هنا، حياتهم لا تحتمل إضاعة الوقت والتمييع. كل دقيقة من حياة المريض قد تكون آخر دقيقة يعيشها. لكن للأسف، الدولة تتعمد قتل مواطنيها وإعدامهم". ومن أكثر المشاهد المؤلمة، تقول غاريوس إن "وفاة مرضى باتت بالنسبة إلى الأحياء أملا للعيش، إذ أن كثراً بعدما توفي أقارب لهم عمدوا إلى التبرع بأدويتهم، الأمر الذي ينقذ حياة العديد من المرضى".