منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قبل ثلاثة أسابيع، وإحكام الاحتلال حصاره، مُنع إدخال الوقود إليه فيما قُطعت الكهرباء والمياه عن أهله وعن منشآته، لا سيّما الصحية منها. اليوم، سُمح بدخول شاحنات مساعدات، يحذّر معنيون من أنّها لا تفي بالحاجة، إذ لا توفّر إمدادات كافية لسكان القطاع المحاصر، بالإضافة إلى أنّها لا تشمل الوقود.
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قد طالب السلطات الإسرائيلية بـ"إضافة الوقود إلى الإمدادات المنقذة للحياة المسموح بدخولها إلى غزة"، قبيل بدء عمليات إدخال شاحنات المساعدات، مبيّناً أنّ "الوقود ضروري من أجل تشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات وسيارات الإسعاف ومحطّات تحلية المياه". لكنّ ذلك لم يتحقّق منذ بدء تلك العمليات في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
من جهته، حذّر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، اليوم الجمعة، من أنّ "نفاد الوقود قد يحوّل المستشفيات إلى مقابر بدلاً من كونها أماكن للعلاج أو للاحتماء من القصف".
وفي إطار التأكيد على الضرورة القصوى للوقود، أفادت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، بأنّ ثمّة حاجة إلى 94 ألف ليتر من الوقود على الأقلّ، يومياً، لمواصلة الوظائف الحيوية في 12 مستشفى رئيسياً في قطاع غزة. وحذّر ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريتشارد بيبركورن من أنّ "النقص الحاد في الوقود والإمدادات الطبية يمثّل خطراً بالنسبة إلى نحو 1000 مريض يحتاجون إلى غسل كلى، ونحو 130 طفلاً (حديث الولادة) في الحاضنات، ونحو 2000 مريض بالسرطان، إلى جانب المرضى الذين يتلقّون الرعاية بمساعدة أجهزة في وحدات العناية المركّزة وكذلك (المعتمدين على) أجهزة التنفّس الاصطناعي".
أضاف بيبركورن، خلال مؤتمر صحافي عن بُعد عقده في مكتب الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية، أنّ "صحة الأمهات والأطفال حديثي الولادة تتدهور، إذ إنّ أزمة الوقود الحادة تعرّض الأطفال للخطر"، بالإضافة إلى أنّها "تؤدي إلى تدهور وضع الأمن الغذائي". وأشار إلى "نحو 50 ألف امرأة حامل في غزة"، مبيّناً أنّ "في ظلّ الظروف الراهنة، يُسجَّل ما معدّله 183 ولادة يومياً".
وتابع المسؤول الأممي: "بسبب منع دخول أو خروج الإمدادات الإنسانية والمرضى، فإنّ ما معدّله 95 مريضاً غير قادرين على الوصول إلى الرعاية الصحية المتخصّصة خارج قطاع غزة يومياً".
وحثّ بيبركورن على توفير إمدادات مستدامة من الوقود والغذاء والمياه والمستلزمات الطبية إلى غزة، مشدّداً على الحاجة إلى ممرّ آمن للإمدادات في داخل غزة، ووقف إطلاق النار لأسباب إنسانية. ودعا كذلك إلى إلغاء أمر الإخلاء الذي وجّهته سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى الفلسطينيين، حتى يتركوا منازلهم في شمال غزة وينتقلون جنوباً.
تجدر الإشارة إلى أنّ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عبّرت أيضاً عن قلقها إزاء نقص الوقود. وحذّر المفوّض العام للوكالة فيليب لازاريني، اليوم الجمعة، من أنّه "لن نكون قادرين على استكمال أعمالنا من دون تأمين الوقود"، مبيّناً أنّ "الوقود الذي نملكه لن يكفي أكثر من يومَين لاستخدامه في إطار عملياتنا الخاصة".
برنامج الأغذية العالمي: النقص الحاد في الوقود يهدّد المساعدات الطارئة
في سياق متصل، أفاد ممثّل برنامج الأغذية العالمي في فلسطين سامر عبد الجابر بأنّ "النقص الحاد في الوقود" قد يجبر البرنامج على وقف تقديم المساعدات الغذائية الطارئة لآلاف الأسر النازحة في قطاع غزة، الذي تحاصره قوات الاحتلال الإسرائيلي.
أضاف عبد الجابر، في بيان صادر اليوم الجمعة، أنّ اثنَين فقط من المخابز المتعاقدة مع البرنامج يملكان الوقود لإنتاج الخبز في الوقت الراهن، مشيراً إلى أنّه قد لا يتوفّر أيّ وقود لديهما غداً. وأكد أنّ من شأن ذلك أن يمثّل "ضربة موجعة لآلاف الأسر التي تعيش في ملاجئ وتعتمد على الخبز المقدّم لها يومياً"، مبيّناً أنّ البرنامج يوفّر إمدادات من الخبز يومياً لنحو 200 ألف شخص يعيشون في الملاجئ، لكنّ هذا العدد انخفض إلى 150 ألفاً، أوّل من أمس الأربعاء، بسبب نقص الوقود.
وأوضح ممثّل برنامج الأغذية العالمي أنّ السلع الغذائية الأساسية تنفد بسرعة في متاجر غزة، نظراً إلى عدم قدرتها على التزوّد بالمنتجات بسبب الطرقات المتضرّرة والمخاوف المتعلقة بالسلامة ونقص الوقود.
وفي هذا الإطار، قالت رئيسة برنامج الأغذية العالمي سيندي مكين، في تصريحات لوكالة رويترز أمس الخميس، إنّ "البيروقراطية المجنونة" عند معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة تبطئ تدفّق المساعدات الإنسانية إلى حدّ أنّها تدخل "قطرة قطرة".
وبدورها، وصفت وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) المساعدات الإغاثية التي تدخل إلى قطاع غزة في الوقت الراهن بـ"الفتات"، محذّرة من أنّ قطاع غزة في حاجة إلى مساعدات مستدامة بعد نحو ثلاثة أسابيع على العدوان الإسرائيلي المكثّف.
اتحاد دولي: انقطاع الوقود سيؤدّي إلى كارثة إنسانية
وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، قالت مسؤولة الإعلام والتواصل في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر مي الصايغ إنّ "الوضع الإنساني في قطاع غزة أكثر من كارثي، في ظلّ خروج أكثر من 12 مستشفى و32 مركزاً صحياً عن الخدمة، بسبب نفاد الوقود أو نتيجة تعرّضها للقصف".
وحذّرت الصايغ من عدم توفّر مياه نظيفة وكهرباء ووقود في غزة منذ ثلاثة أسابيع، بالإضافة إلى خروج شبكة تحلية المياه عن الخدمة نتيجة نفاد الوقود، علماً أنّ تلك الشبكة كانت توفّر نحو 40 في المائة من حاجة القطاع من المياه.
وشدّدت الصايغ على أنّ "الوقود من الأمور الأكثر حيوية، لأنّ كلّ المنشآت الأساسية من قطاع صحي وكهرباء ومياه وغيرها في حاجة إلى الوقود للتمكّن من مواصلة عملها".
وبيّنت بدورها أنّه في حال انقطع الوقود، وتالياً الكهرباء في المنشآت الصحية، فإنّ حياة كثيرين سوف تكون معرّضة للخطر، مشيرة إلى المرضى الذين يحتاجون إلى غسل كلى وهؤلاء الموصولين بأجهزة إنعاش بالأوكسجين والأطفال الخدّج في الحاضنات.
ورأت الصايغ أنّه "في حال انقطاع الوقود، سوف تتحوّل المستشفيات إلى مقابر، بدلاً من أن تكون أماكن للعلاج أو الاحتماء من القصف" الإسرائيلي.
أضافت مسؤولة الإعلام والتواصل في الاتحاد الدولي أنّ انقطاع الوقود سوف يؤدّي أيضاً إلى كارثة في تأمين المياه أو تحليتها، وفي توقّف شبكات الصرف الصحي، والأمر الذي يتسبّب بدوره في انتشار الأمراض والأوبئة.
وذكرت الصايغ أنّ "نقص الوقود يقف عائقاً أمام توزيع المساعدات الإنسانية على مستحقّيها"، لافتةً إلى أنّ "جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لم تتمكّن أخيراً من تسليم مساعدات".
(الأناضول، رويترز، العربي الجديد)