في مبنى الخياط الكائن وسط شارع عزمي بيك، أحد أقدم الشوارع التاريخية لمدينة طرابلس شمالي لبنان، يقع مركز الجمعية اللبنانية لدعم البحث العلمي "ليزر"، التي حملت على عاتقها منذ خمسة عشر عاماً مساعدة طلاب الدراسات العليا لتحصيل شهادات الدكتوراه والماجستير، وتحديداً أولئك المنتمين إلى عائلات غير ميسورة.
في الطابق الثاني للمبنى، يستقبلك مدير الجمعية ومؤسسها البروفيسور مصطفى الجزار، الحاصل على جائزة منظمة أشوكا العالمية للخدمة المجتمعية، بناء على دوره ودور الجمعية في إيجاد مساحات للتعليم.
في المبنى المكون من خمسة طوابق، تكتظ المكاتب والأقسام داخل الجمعية بالطلبة بين متطوعين أو مستفسرين، فيما موظفو المؤسسة يعملون كما في خلية نحل في ظروف صعبة يعيشها الطلاب في مدينة طرابلس والمناطق المجاورة في شمال لبنان.
كيف بدأت القصة؟
عام 2008، اكتملت الظروف لتأسيس الجمعية وبلغ عدد أعضائها الذين ذهبوا لتسجيلها رسمياً 46 أستاذاً، غالبيتهم الساحقة أساتذة جامعيون في الجامعة اللبنانية. ويوضح الجزار أنه خلال مراحل تكوين الجمعية، لوحظ أن الأستاذ الجامعي أو مدير القسم الجامعي لدى بلوغه سن التقاعد يستبدل بأستاذ جديد بحسب الولاء السياسي والطائفي، الأمر الذي يهدد مستقبل التعليم الجامعي اللبناني.
يضيف الجزار أن الهدف الأول الذي عملت الجمعية عليه هو إرسال مبتعثين متفوقين في مراحل الماجستير والدكتوراه إلى دول أوروبية أو إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة تخصصات سيجري تقاعد أساتذتها بعد سنوات، بهدف ملء تلك الشواغر من أسماء كفوءة. وخلال خمس سنوات، استطاعت الجمعية تخريج حوالي 287 أستاذاً جامعياً متخرجين من برامج مشتركة بين الخارج ولبنان بمنح كاملة، وجرى ربطهم بالجامعة اللبنانية كأساتذة متعاقدين ثم مثبتين في ملاك التعليم الرسمي أو حتى في الجامعات الخاصة.
التعليم قبل سلّة الغذاء
يقول جزار إن الأزمة السورية ضاعفت مسؤوليات التي شعرت أنها أمام مسؤولية أخلاقية تضاهي جهود الجمعيات العاملة فيالجمعية الحقل الإنساني والغذائي، وهي ضمان حق التعليم الجامعي للأجيال السورية التي لجأت إلى لبنان ويبدو أنها ستعيش "تغريبة" طويلة بحاجة إلى سد ثغرة أساسية، وهي منع تحويل الشباب السوري إلى شباب غير فاعل ويائس.
في هذا الإطار، حصلت الجمعية على تمويل كبير لتعليم جامعي للنازحين السوريين على صعيد المنطقة كاملة، وتم قبول طلبات 252 طالبا في السنة الأولى للأزمة، واستمر الأمر حتى العام 2019 بمعدل 400 طالب سنوياً. وبات جزء كبير منهم إما يعمل في الخارج أو في لبنان ضمن مشاريع المؤسسات الخارجية وخصوصاً بعد تفشي وباء كورونا، إذ بات جزء كبير منهم يعمل عن بعد.
بعيداً عن الاستثمار السياسي
ويقوم المشروع على سلسلة اتفاقيات مع كبرى الجامعات اللبنانية الخاصة وبتخصصات يطلبها سوق العمل في لبنان والخارج. كما يُطلب من الطالب الحاصل على المنحة أن يقدم ساعات من وقته لتعليم تلاميذ على مهارات محددة في إطار مشروع بناء القدرات وخدمة المجتمع.
ويفتخر الجزار بأن جمعيته خرّجت عشرات بل مئات الطلاب، أبرزهم أربعة خريجين بالطب النووي، ثلاثة منهم بقوا في لبنان والرابع يغطي ثغرة في الشمال السوري، بالإضافة إلى مهندسين وطلاب صحافة وإعلام وعلوم إنسانية وتصميم غرافيكي.
طاقة شمسية
كما حصلت الجمعية على تمويل من جهات مانحة لمساعدة المدارس والجامعات في طرابلس وعكار وقرى الشمال اللبناني لتركيب طاقة شمسية تضمن تشغيل الصفوف في الجامعات والمدارس في ظل أزمة الكهرباء التي تعصف بلبنان، والتي تشكل أحد أبرز العوائق الداخلية. وجرى إمداد حوالي 13 مدرسة بالطاقة البديلة وهناك مشروع يشمل أكثر من عشرين مدرسة أخرى على صعيد شمال لبنان.
ويتحدث الجزار عن وجود برامج حيوية داخل الجمعية كتدريب طلاب الصحافة والإعلام للسنة الثانية على برنامج يحاكي تطور مهنة الصحافة مع مدربين من مؤسسات إعلامية وصحافية، بالإضافة إلى برامج تشمل طلاب الثانويات والمدارس بهدف مساعدتهم في اختيار تخصصهم الجامعي.