كانت عائشة صلاح الغول (26 عاماً)، وهي من مدينة رفح الحدودية الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، تحلم بتأسيس مشروعٍ تجاريّ يعود عليها بدخل جيّد ويلبّي شغفها في التجارة وتسويق الحرف اليدوية، علماً أنها تخصصت في اللغة العربية والتربية الإسلامية. وعلى الرغم من إدراكها حجم المعوقات التي تعترض إنشاء المشاريع في غزة، إلا أنها اتخذت قرارها بإطلاق مشروعها برفقة سبع خريجات جامعيات.
حالها حال غالبية خريجات كليات التربية في قطاع غزة، تقدمت الغول لامتحان التوظيف الخاص بالمعلمين الجدد في وزارة التربية والتعليم في القطاع قبل عامين، من دون أن يحالفها الحظ. بعدها، عملت مربيةَ أطفال ومدرّسة في إحدى رياض الأطفال. وفي منتصف إبريل/ نيسان الماضي، بدأت تنفيذ مشروعها الذي يجمع شابات مبتكرات يصممن الهدايا، ويروّجن لمنتجاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي.
في البداية، أطلقت صفحة على موقع إنستغرام لتأجير فساتين الأفراح، لكنها لم تتمكن من الترويج لهذا المشروع، فانتقلت إلى تأجير حقائب كبيرة عادة ما تستخدمها المقبلات على الزواج. وبالفعل، لاقت فكرتها رواجاً. ثم انضمت إليها صديقتها التي تعمل في تصميم الهدايا والتطريز وغيرها، ما ساهم في تطوير المشروع.
تقول الغول لـ"العربي الجديد": "بدأت البحث عن شابات لديهن أفكار مميزة يرغبن في تنفيذها، بهدف العمل في إطار مشروع واحد ومساندة بعضنا بعضاً بصفتنا خريجات مبدعات. وبالفعل، انضم إلينا ست شابات أخريات وأطلقنا مشروع ياقوت، وهو الأول في القطاع الذي تديره شابات فقط".
تتنوع تخصصات الشابات الثماني، وهي اللغة العربية والتربية الإسلامية، والتربية الرياضية، وإدارة الأعمال، وعلم النفس، وعلوم الأحياء، والفنون الجميلة، والسكرتاريا. وما يجمعهن هو عدم حصولهن على فرصة عمل دائمة، ومنهن من عملن ضمن مشاريع مؤقتة لا تتجاوز أربعة أشهر. وتشير الغول إلى أنهن استعنّ بالإعلانات الممولة على مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الزبائن، وبدأن البحث عن مقرّ للمشروع، إلّا أن بدلات إيجار المحال كانت مرتفعة في شوارع المدينة الرئيسية. فكان خيارهن استئجار شقة سكنية وسط المدينة والعمل على مشروعهن.
وكان لجائحة كورونا تأثير بموعد إطلاق المشروع في بداية مارس/ آذار الماضي، فأرجئ إلى شهر إبريل/ نيسان. يتضمن مكان العمل قسماً للتطريز، وقسماً لأعمال السيراميك، وقسماً للهدايا والتغليف، وقسماً للأعمال الخشبية، وقسماً للرسم، منها من خلال المسامير والخيوط، وقسماً لزينة الأعراس، وقسماً لتأجير الفساتين.
تدير إيناس السوالمة قسم التطريز في المشروع. هي التي تخرجت بتخصص اللغة العربية والتربية الإسلامية. اعتادت التطريز منذ كانت في عمر المراهقة، وكانت تساعد والدتها في صنع منتجات منزلية فقط. عملت في مجال التعليم في أحد المراكز. وفي أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي بدأت تسوّق منتجاتها بين أفراد العائلة.
تصنع السوالمة الأكسسوارات من الخرز والميداليات والتيجان النسائية. وتقول لـ"العربي الجديد": "جمعنا رأس المال من مالنا الخاص. لم يدعمنا أحد"، الأمر الذي تعتبره إيجابياً. تضيف أنها تواكب كل ما هو جديد في ما يتعلق بتصميم الهدايا. وتتحدّث عن طموح الفتيات ورغبتهن في تطوير مشروعهن وشراء محل أو شقة كبيرة.
تضيف: "تجارب المشاريع النسائية الناجحة في قطاع غزة ضعيفة. ويعد المجتمع في جنوب القطاع محافظاً. لكنّ النظرة تغيّرت بعض الشيء، وبات هناك تقبلل كبير لمنتجاتنا. وبعد التعامل معنا، عادة ما تكون ردود الفعل إيجابية من النساء والرجال على حد سواء، ونسعى إلى تطوير عملنا والاستعانة بمبدعات أخريات".
أما صفاء خليفة (25 عاماً)، فتعمل في قسم الرسم، وهي خريجة تربية فنية من جامعة الأقصى في خانيونس جنوبيّ القطاع. سبق أن عملت مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لمدة أربعة أشهر، وكانت ترسم الجداريات، إضافة إلى الشخصيات والمجسمات ورسومات بغرض التعليم. لكنها أُحبطت كثيراً، وتركت العمل بسبب عدم وجود أي تقدير، لأنها كانت تحصل على مبالغ رمزية. إلا أن انضمامها إلى مشروع "ياقوت" أعاد إليها الحماسة والرغبة في العمل، وبدأت ترسم اللوحات وتصمم زينة الأفراح وعلب الحلوى التي تقدَّم في الأفراح والمناسبات الأخرى. تقول لـ"العربي الجديد": "يقدّر الناس عملنا كشابات يتمتعن بأفكار جديدة وجميلة، سواء بتصاميم الأفراح وغيرها. ومنذ انطلاق المشروع، لبينا طلبات الكثير من الزبائن".