وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان معاناة المعتقل بسجن وادي النطرون، محمد جابر عبد الرحمن (51 عاماً)، بعد تدهور حالته الصحية، وعدم حصوله على الرعاية الطبية المطلوبة.
عبد الرحمن كان موظفاً في وزارة الأوقاف، وهو محكوم عليه بالسجن 25 عاماً، على ذمة القضية 108، ويعاني من وجود حصوات سبّبت انسداد مجرى البول حتى وصل الأمر إلى مضاعفات شديدة بالكبد والكلى.
نُقل إلى مستشفى سجن ليمان 440 وادي النطرون الصحراوي، ويسمى قطاع الشؤون المجتمعية، وأكّدت الفحوصات الطبية ضرورة إجراء عملية جراحية له، لكن إدارة السجن تعنّتت في خروجه، رغم سوء وضعه الصحي.
وتحرّكت أسرته في مختلف الاتجاهات، وتقدّمت بمناشدات عديدة لمختلف الجهات المعنية، أملاً في إخراجه لإجراء العملية الجراحية له وإنقاذ حياته.
وليس كبار السن فقط هم من يعانون الإهمال الطبي في السجون ومقارّ الاحتجاز الرسمية، فهناك عشرات الحالات الأخرى لمختلف الفئات العمرية، منها على سبيل المثال لا الحصر، آية الله أشرف، صاحبة الستة وعشرين ربيعاً، التي تخطّت الحد الأقصى للحبس الاحتياطي منذ 10 أشهر، وتعاني من تدهور في حالتها الصحية في سجن القناطر للنساء.
آية الله أشرف، تخرّجت من معهد تكنولوجيا صحافة وإعلام من مدينة الخانكة بمحافظة القليوبية. ألقي القبض عليها، وأُخفيَت قسراً لمدة 119 يوماً، منذ يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وحتى 27 يناير/كانون الثاني 2019.
ثم عُرضت على نيابة أمن الدولة العليا بالتجمّع الخامس، التي أصدرت قرارها بالحبس رغم بطلان عرضها على النيابة.
ثم رُحِّلَت إلى سجن القناطر الخيرية للنساء، حيث أودعت في "الإيراد" ومنعت عنها الزيارة لمدة ثلاثة أشهر حسبما ذكر مصدر مقرّب من أسرتها، الذي أكّد كذلك أنها مُنعت من النزول إلى "الكانتين" لشراء مستلزمات لها، ومُنعت من الكلام مع أي سجينة حتى الجنائيات.
كذلك وُضعت أشرف في عنبر يضمّ 270 سجينة جنائية، والقليل من السجينات السياسيات، حسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان، الذي أضاف: "لم تكتفِ إدارة السجن بما تعرّضت له آية من صنوف التعذيب من رعب وتعذيب وتهديد باغتصابها وصعق بالكهرباء وتهديد باغتصاب أختها وأمها واعتقالهم، بل بالفعل قالوا لها إنهم اعتقلوا أمها وأهلها، وبالتالي اعترفت بجرائم لا تعرف عنها شيئاً في أثناء الاختفاء القسري، بل زاد على ذلك منع الزيارة إلّا كل شهر لمدة ربع ساعة".
وأكد مركز الشهاب تعرّض آية أشرف لـ"الإهمال الطبي المتعمد لها وعدم تمكينها من الحصول على حقن البنسلين الخاصة بها، ترتب عنه سيولة في الدم وتدهور حالتها الصحية".
فضلاً عن تدهور الحالة الصحية للمواطنة هدى عبد الحميد محمد أحمد (55 عاماً)، نتيجة تعرّضها لانتهاكات كبيرة في محبسها، وذلك جرّاء الإهمال الطبي بحقها، فهي مريضة سكري تتعرّض للإغماء وتساقط الأسنان والشعر دون متابعة طبية مناسبة، ورغم ذلك هي ممنوعة من الزيارة.
والجدير بالذكر أنّه كان قد قُبض عليها في 27 إبريل/نيسان 2021 واختفت قسراً مع زوجها وابنها، قبل أن تظهر على ذمة قضية وترحّل إلى سجن القناطر، وذلك بعد انتهاكات جسيمة حدثت لابنها "عبد الرحمن الشويخ" في محبسه بسجن المنيا.
ورصدت مراكز حقوقية مصرية تدهوراً خطيراً في حالة معتقلين، جرّاء الإهمال الطبي المتعمّد بحقهم في سجن وادي النطرون 440 سيّئ السمعة، هما أحمد الجندي (60 عاماً)، محبوس على ذمة القضية المعروفة إعلامياً بقضية كرداسة، وهو مصاب بفشل بعضلة القلب، بؤر سرطانية بالكبد، وورم بالساقين، وربو، وهو الآن مقعد. وكذلك يوسف الشاطر، المصاب بورم خبيث على الأنف يزداد كل يوم، ويصاب بآلام ودوخة شديدة.
ومع ذلك، فإنّ السجن يمنع خضوعهما لأيّ علاج أو عمل أشعة رغم التدهور في حالتهما الصحية، المعلوم لدى إدارة السجن، في إهمال طبي متعمد، وانتهاك لأبسط حقوق الإنسان.
هناك أيضاً حالة عبد الحميد بنداري، المحتجز حالياً في قسم شرطة أبو كبير بمحافظة الشرقية بدلتا مصر، الذي يعاني من "فتق سري" أصابه في أثناء فترة احتجازه ومع الإهمال وعدم إجراء العملية، حدث له اختناق في الأمعاء، بالإضافة إلى تكوين حصوات على الكلى أدّت إحداهما إلى انسداد تام في الحالب الأيسر.
ويحتاج بنداري، البالغ من العمر 61 عاماً، إلى تدخل جراحي عاجل وفق رأي الأطباء، وتأبى قوات الأمن المصرية، التصريح له بالخروج والعلاج بالخارج.
بالإضافة إلى تردي الحالة الصحية للدكتور حسن البرنس، رئيس قسم الأشعة في كلية طب الإسكندرية ونائب محافظ الإسكندرية الأسبق، وذلك بسبب الإهمال الطبي والانتهاكات بحقه.
البرنس ممنوع من الزيارة، ومحبوس انفرادياً منذ سنوات، ومحروم العلاج والأغراض الشخصية، وتتزايد أعراض المرض عليه. وهو مريض بالسكر وفقد نحو 20 كيلوغراماً من وزنه بمحبسه في سجن برج العرب بمحافظة الإسكندرية. والبرنس طبيب بشري وأستاذ جامعي ورئيس قسم الأشعة التخصصية في كلية الطب، ونائب محافظ الإسكندرية الأسبق، وهو يعاني من مرض السكر، وضعف شديد بالبصر بسبب مرض الكتاركت والإهمال في علاج مرض السكر وضعف شديد في السمع.
البرنس معتقل منذ 21 أغسطس/آب 2013، وأودع في 8 يونيو/حزيران 2018 في الحبس الانفرادي بسجن برج العرب، ومُنعت عنه الأدوية والمتعلقات الشخصية وحُرم الزيارات وتلقي العلاج.
بشكل عام، تفتقد السجون المصرية مقومات الصحة الأساسية التي تشمل الغذاء الجيد والمرافق الصحية، ودورات المياه الآدمية التي تناسب أعداد السجناء، وكذلك الإضاءة والتهوية والتريض، وتعاني في أغلبها من التكدّس الشديد للسجناء داخل أماكن الاحتجاز، ما جعل العديد من المنظمات الحقوقية المصرية تطالب بإلزامية فتح النيابة العامة تحقيقاً في وفاة كل معتقل وسجين في حال وفاة أي مواطن داخل أحد أماكن الاحتجاز أو السجون المصرية، بغضّ النظر عن التاريخ المرضي للسجناء، فضلاً عن المطالبات البديهية بالتعامل الجاد مع استغاثات المساجين في الحالات الطارئة وتسهيل الإجراءات اللازمة لتلقي الرعاية الصحية داخل السجون أو في مستشفيات خارجية، وتخصيص ميزانية من وزارة الداخلية من أجل تحسين البنية التحتية فى السجون وأماكن الاحتجاز وتوفير الأجهزة والأدوات الطبية اللازمة بدلاً من الاعتماد على الإسعافات الأولية فقط.
وبالطبع، هذه ليست حالات فردية للإهمال الطبي المتعمد في السجون المصرية، لكنها أحدث حالات. رغم أنّ الحق في الصحة منصوص عليه في الدستور والقوانين ولائحة السجون المصرية.
وتنصّ المادة الـ 18 من الدستور المصري الصادر عام 2014 على أنّ "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة… ويجرّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".
وتنصّ المادة الـ 55 من الدستور على أنّ "كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيّد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلّا في أماكن مخصّصة لذلك لائقة إنسانياً وصحياً".
وكذلك تنصّ المادة الـ 56 على أنّ "السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون للإشراف القضائي ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرّض صحته للخطر".
ومع ذلك، يعاني المحتجزون في السجون المصرية كلها، كي يُسمَح لهم برؤية طبيب السجن، الذي يعامل المحتجزين بطريقة سيئة ويتهمهم بالتمارض، وهو ما يدفع الكثير من المحتجزين إلى الاعتماد على الأطباء المحتجزين معهم لتشخيص حالاتهم. ثم يمتد الإهمال الطبي في السجون ليشمل المنع غير المبرّر لدخول الأدوية اللازمة للمحتجز أو السماح له بالخروج لإجراء التحاليل الطبية أو الخروج لمستشفى بالخارج إذا كانت حالته تستدعي ذلك، وهو أمر يحتاجه كثير من المحتجزين في ظل التجهيزات المتواضعة لعيادة أو مستشفى السجن التي عادة أيضاً ما لا يوفّر إجراء التحاليل، وهو ما يدفع الأهالي إلى سحب عينات الدم من المحتجزين في الزيارات وأخذها إلى أقرب معمل طبي. وقد أكّد كثير من المحتجزين في سجون مختلفة أنّ طبيب السجن عادة ما يكتفي بإعطاء المحتجزين المسكّنات بغضّ النظر عمّا يشكون منه، حسب تقرير حديث صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.
وإذا كانت الأرقام تعبّر عن حجم الفاجعة، فإنّ عام 2020 وحده شهد 73 حالة وفاة نتيجة إهمال طبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر. بينما قضى نحو 774 محتجزاً داخل مقار الاحتجاز المصرية المختلفة، خلال السبع سنوات الماضية، حيث توفي: 73 محتجزاً عام 2013، 166 محتجزاً عام 2014، 185 محتجزاً عام 2015، 121 محتجزاً عام 2016، 80 محتجزاً عام 2017، 36 محتجزاً عام 2018، 40 محتجزاً عام 2019، و73 محتجزاً عام 2020.