سعت الأجهزة الحكومية والأمنية المصرية إلى إسكات صوت سكان حي ميناء العريش في محافظة شمال سيناء، هم الذين رفضوا هدم منازلهم لتوسعة ميناء العريش الذي بات ملكاً لوزارة الدفاع المصرية. وتضمنت محاولات الحكومة والأمن جملة من الإغراءات، تمثلت في صرف سريع للتعويضات المالية، على عكس الروتين المتبع في تعويض المهدمة منازلهم في سيناء، وتوفير فرص عمل لأبناء المنطقة، ومنحهم أراضي بديلة في العريش. إلا أن الأهالي استمروا على مطالبهم برفض الخروج من منازلهم وتسليمها لآليات الهدم، ما دفع قوات الأمن إلى التدخل.
وفي التفاصيل، يقول أحد سكان حي الميناء لـ"العربي الجديد" إنه خلال الأيام الماضية، بدأت قوات أمنية كبيرة تحضر إلى المنطقة برفقة الآليات الهندسية، وتتدخل بشكل مباشر وسريع لإخماد أي صوت معارض من العائلات التي جاءها الدور لهدم منازلها. وسُجلت اعتداءات على النساء وكبار السن من قبل أفراد الأمن من دون مراعاة للظروف النفسية التي يمر بها السكان خلال هدم وإخلاء منازلهم التي بنوها على مدار سنوات. يضيف أن الجهات الحكومية والأمنية حاولت الاستفراد بالعائلات من خلال منح إغراءات وحلول شخصية لكل عائلة على حدة، بزيادة قيمة التعويضات وسرعة صرفها وتوفير أراض بديلة للبناء عليها، وتوفير وظائف لأفراد من العائلة، لا سيما داخل مشروع الميناء في حال تشغيله. بيد أن كل سكان المنطقة متفقون على رفض مشروع التهجير المسمّى بتوسعة الميناء، ولا يمكن القبول به ولا بالتعويضات الممنوحة من الدولة "لأن المبدأ ليس في قيمة المباني المادية بقدر الخروج من الأرض التي عشنا فيها عشرات السنين، وقد عمرت الأرض في هذه المنطقة بوجودنا على الرغم من غياب الدولة وعدم اهتمامها بها طوال العقود الماضية".
وحصلت "العربي الجديد" على مقاطع مصورة تظهر قوات كبيرة من الشرطة والأمن المركزي تحاصر منطقة حي الميناء، وترافق الآليات الهندسية خلال اقتحامها المنطقة لاستكمال الهدم. كما تظهر المقاطع مشادات واحتكاكات مباشرة بين قوات الأمن والمواطنين المعترضين على قرار إزالة منازلهم. وقال أحد ضباط الأمن المكلفين بطرد المواطنين ومواجهتهم: "اللي هيقف (من سيقف) على أرضه هيتقبض عليه (سيعتقل)"، ما أدى إلى موجة من الغضب بين المواطنين المهددين بالتهجير القسري عن منازلهم.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد تحدث، في 26 فبراير/ شباط الماضي، عن تهجير المواطنين وتعويضهم. وقال: "في ناس مستغربة عمل (إجراء) توسعة للميناء. الظهير الخلفي به بعض المساكن تُعوّض ونخلي عشان نعمل (إنشاء) ميناء عالمي في هذا المكان. بنعمل حاجة غير الموجودة خالص لنضع ميناء العريش على خريطة موانئ مصر، ويكون ميناء عملاقاَ يطلّع كل المنتجات (استيراد وتصدير) سواء تعدين أو منتجات زراعية".
وعاد مواطنون لنشر المناشدات والاستغاثات بضرورة وقف مشروع إزالة المنازل، بالإضافة إلى رسائل موجهة من أطفال المنطقة لجميع المسؤولين المصريين. بيد أن هذه المناشدات حالها كحال التي سبقتها لم تؤت ثمارها حتى الآن، في ظل إصرار الجهات الرسمية في مصر على إزالة المنطقة لتوسعة الميناء، الذي من المقرر أن يكون جاهزاً للعمل نهاية العام الحالي". وتعقيباً على ذلك، تقول مصادر محلية في مدينة العريش، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك قراراً بإنهاء قضية الأهالي القاطنين في منطقة الميناء في أقرب وقت ممكن وإخلائهم منها، وهدم المنازل وتجريف المنطقة، حتى لا يبقى هذا الملف مفتوحاً طوال الوقت، لا سيما أن محاولات الجهات الحكومية لإقناع الأهالي بترك منازلهم في مقابل مادي باءت بالفشل، لأن الأهالي مؤمنون بفكرة وجود بديل لأرضهم يمكن بناء الميناء عليها وتوسعته بحجم أكبر مما تريده الدولة في الوقت الحالي".
تتابع أن الحكومة لا ترغب في إبراز مشاهد إخلاء بالقوة من منطقة الميناء، أو بحدوث احتكاك مع المتضررين بشكل مباشر كما حصل سابقاً في جزيرة الوراق، بل تريد إخلاءها بهدوء. إلا أن بقاء المواطنين على موقفهم بعدم الخروج من منازلهم أدى إلى التوجه نحو استخدام الأدوات الخشنة، عن طريق القوى الأمنية المدنية المتمثلة في الشرطة والأمن المركزي، علماً أن الجيش ينأى بنفسه عن التدخل المباشر في هذه القضية، على الرغم من أن المشروع بأكمله لصالح القوات المسلحة المصرية.
وخلال السنوات الأخيرة، بدا واضحاً الاهتمام الرسمي بميناء العريش، من خلال التدرج في السيطرة عليه عبر تحويله بداية إلى جزء من ممتلكات المنفعة العامة، ونزع الملكية الخاصة للعقارات الواقعة في نطاق حدوده، ثم قضى قرار رئاسي بنقل تبعية الميناء إلى الجيش، وتخصيص الأراضي المحيطة به اللازمة لأعمال التطوير لوزارة الدفاع، وذلك بإجمالي مساحة 541 فداناً، وإبعاد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن استخدامه أو إدارته ليصبح منطقة عسكرية.
ويسبب مشروع التوسعة الذي تقوم عليه وزارة الدفاع المصرية هدم 1108 منشآت سكنية، و32 مبنى تجارياً، و23 منشأة حكومية، ومناطق ترفيهية وشاليهات مثل "شاليهات نجمة سيناء"، بينما صرفت تعويضات لعدد من العائلات التي قبلت بالتعويض وأخلت منازلها خلال الأسابيع الماضية. وتحاول بعض العائلات كسب الوقت وعدم الموافقة على ترتيب أوراقها في المحافظة لاستلام التعويضات، بهدف الحصول على مبالغ أكبر.
وأنشأ ميناء العريش الواقع على ساحل البحر المتوسط عام 1996، بعد صدور قرار بتحويله من ميناء صيد إلى ميناء تجاري. وقامت الهيئة العامة لميناء بورسعيد بإعداده لاستقبال السفن التجارية. ويوجد في الميناء، الذي يقع على الساحل الشمالي للعريش، رصيف بطول 242 متراً يستخدم للسفن التجارية بغاطس (المسافة الرأسية بين سطح الماء والجزء السفلي من جسم السفينة) من 7 إلى 8 أمتار، ورصيف آخر بطول 122 متراً يستخدم للعائمات الصغيرة بعمق 3 إلى 4 أمتار.
كما توجد مساحات تخزينية مغطاة وغير مغطاة. وتتلخص أنشطة الميناء في تصدير خامات سيناء التعدينية إلى دول البحر المتوسط والبحر الأسود، واستقبال سفن الصيد الصغيرة والبضائع.