مصير مجهول لنساء وأطفال "داعش" في سيناء

28 يونيو 2022
خلال تسليمهن إلى الجيش (فيسبوك)
+ الخط -

اعتقلت المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في حربه على تنظيم ولاية سيناء، الموالي لتنظيم "داعش"، عدداً من نساء وأطفال المقاتلين في التنظيم، خلال المداهمات المستمرة لمعاقله في مدينتي رفح والشيخ زويد، وسُلّموا إلى قوات الجيش المصري. وما من معلومات عن هؤلاء النساء، ما يطرح تساؤلات حول مصيرهن وكيفية التعامل معهن في ظل اختفاء مئات المصريين في السجون العسكرية والأمنية. وكثيراً ما تُندّد منظمات محلية ودولية بملف حقوق الإنسان في مصر.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، سُلّمت أكثر من 20 امرأة من نساء مقاتلي "داعش"، بالإضافة إلى عشرات الأطفال، لاتحاد قبائل سيناء والمجموعات القبلية المختلفة، وبعدها إلى الجيش المصري. ونشرت المجموعات القبلية صوراً وفيديوهات تؤكد عملية التسليم، في محاولة للتباهي بالإنجازات الميدانية التي تسجل لهم لدى القيادة التي يتبعونها في جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع المصري، الذي يعمل مع المجموعات القبلية بشكل علني في سيناء.
وأعلن اتحاد "أبناء مجاهدي سيناء" إلقاء القبض على 3 نساء و5 أطفال في منطقة كرم القواديس في نطاق مدينة الشيخ زويد، مشيراً إلى أنه بعد استجوابهم، تبين أنهن من مواليد محافظة الإسكندرية ومتزوجات من أعضاء في التنظيم، في وقت أعلن "اتحاد قبائل سيناء" في 24 إبريل/ نيسان الماضي تسليمه، للقوات المسلحة، 11 طفلاً و11 امرأة من اللواتي تركهن أزواجهن المقاتلون في "داعش" في قرية المقاطعة جنوب مدينة الشيخ زويد. وسلّمت ثلاث من زوجات "داعش" أنفسهن لقوات الجيش المتمركزة في أحد الكمائن القريبة من قرية الروضة في نطاق مدينة بئر العبد (غرب سيناء) في 10 مايو/ أيار الماضي. وفي 24 مايو/ أيار الماضي، سلم رجل وزوجته وأطفاله أنفسهم إلى كمين للجيش جنوب مدينة الشيخ زويد، بعد تمكنهم من الخروج من قرية اللفيتات التي داهمتها قوات الجيش والمجموعات القبلية وطردت "داعش" منها في تلك الأيام.
ومؤخراً، أعلنت مجموعات قبلية أن أحد عناصر "داعش"، ويدعى خالد عيسى، سلم نفسه وعائلته بأكملها في قرية المطلة غرب رفح، بعد نفاد الطعام والشراب لديهم. وأظهرت فيديوهات للمجموعات نفسها تسليم خمسة نساء وأطفال أنفسهم للمقاتلين البدو، الذين سلموهم مباشرةً إلى قوات الجيش، ليُنقلوا إلى جهة مجهولة. ويشار إلى أن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة لا يأتي على ذكر المعتقلين في سيناء، لا سيما النساء والأطفال.
في هذا السياق، يقول أحد مشايخ سيناء لـ"العربي الجديد" إنّ "المساس بالمرأة في سيناء خط أحمر مهما كانت تهمتها، وخصوصاً أننا نعرف أن هؤلاء النساء كن مجبرات ومكرهات من عائلاتهن على الزواج، بعد تعرضهن للتهديد والابتزاز من التنظيم في أوج قوته عامي 2015 و2016 وما بعد ذلك. كما أنه كان لأفراد العائلة المنتمين إلى "داعش" دور في زواجهن، في ظل العادات والتقاليد التي ما زال البعض يتمسك بها، إذ إن رب الأسرة هو الذي يختار الزوج ولا يحق للفتاة الرفض". 

يضيف أن "هناك غضباً بسبب الصور التي تتعمد المجموعات القبلية نشرها لنساء مقاتلي التنظيم وهن يسرن إلى جانبهم، قبل نقلهن بواسطة سيارات المجموعات القبلية إلى عربات عسكرية تابعة للجيش، وتسليمهن للمجهول، في ظل غياب الرقابة والقانون والمحاسبة لقوات الجيش التي ارتكبت الفظائع بحق أبناء سيناء على مدار سنوات الحرب". ويقول إن "الجيش لا يؤتمن على نساء سيناء، ويعلم الجميع أن مصيرهن مجهول حتى إشعار آخر، ولا يمكن لأي شخص السؤال عنهن أو البحث عن مكان اعتقالهن".
ويشدّد على ضرورة الاهتمام بهذا الملف من قبل قيادات المجموعات القبلية، لأنّهم مسؤولون أمام التاريخ عن تسليم النساء لقوات الجيش، وبالتالي، يجب ضمان حياة كريمة لهن بعد الانتهاء من التحقيقات الأمنية اللازمة والروتينية، وإشراكهن في الحياة الطبيعية، وتعويضهن عمّا تعرضن له من حياة قاسية لا تمت للحياة الآدمية بصلة، سواء خلال زواجهن ثم إنجابهن بالإضافة إلى الظروف السيئة التي عشنها في مناطق العمليات في مدينتي رفح والشيخ زويد. وعاشت العائلات أياماً وليالي طويلة تحت القصف في ظل نقص المواد الغذائية وانعدام مقومات الحياة كالصحة والتعليم.

قوات الأمن المصري لن تبرّئ نساء "داعش" أو تعتبرهن ضحايا (فيسبوك)
قوات الأمن المصري لن تبرّئ نساء "داعش" أو تعتبرهن ضحايا (فيسبوك)

وكان تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش" قد شن هجمات ضد قوات الجيش والمجموعات القبلية في شهر مايو/ أيار الماضي، رداً على اعتقال النساء وإهانتهن من قبل المجموعات القبلية والجيش، خلال المداهمات في مدينتي رفح والشيخ زويد.
إلى ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الأمن المصري يوجّه اتهامات جاهزة لنساء مقاتلي "داعش"، تتعلق بنقل الدعم اللوجيستي بين مناطق سيناء المختلفة من خلال استخدام عربات الكارو التي تجرها الحيوانات، بالإضافة إلى رصد حركة قوات الجيش المصري. ولطالما وجهت هذه الاتهامات إلى النساء على امتداد سنوات الصراع في سيناء، وكتبت حولها روايات وأخبار مفبركة تتعلق باعتقال نساء خلال أدائهن مهام لتنظيم "داعش". وبالتالي، قد نكون أمام محاكمات عسكرية للنساء المعتقلات في ظل عدم وجود عائلات أو محامين للدفاع عنهن، في ظروف اعتقال سيئة، وخصوصاً أن الأطفال برفقتهن".

يضيف أنّ "قوات الأمن المصري لن تبرّئ نساء "داعش" أو تعتبرهن ضحايا بسبب إجبارهن على الزواج والاستمرار في الحياة السيئة مع مقاتلي "داعش" وسط ظروف إنسانية وصحية وبيئية صعبة. حتى إن المواطن العادي في سيناء قد عانى الأمرين منذ عام 2013 وحتى عام 2019، فكيف الحال في مناطق سيطرة "داعش" التي كانت بلا كهرباء ولا مياه ولا خدمات صحية". ويشير إلى أنه "يجب النظر في قضيتهن بدعم مباشر من مشايخ سيناء، وخصوصاً أن غالبية النساء يتحدرن من سيناء، وقلة منهن من محافظات مصرية أخرى".
يشار إلى أنّ محافظة شمال سيناء شهدت عمليات خطف واعتقال واختفاء قسري للمئات من أبنائها ونسائها على مدار سنوات الحرب بين الأمن المصري وتنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم "داعش"، الذي بات يفقد جزءاً كبيراً من مناطق سيطرته في المحافظة، في وقت يختفي الصوت الحقوقي في المحافظة كما بقية محافظات مصر. وتغيب وسائل الإعلام والمؤسسات الحقوقية التي يمكن أن تنظر في الحياة الأمنية والاقتصادية والتعليمية والصحية السيئة التي يعيشها أبناء المحافظة، نتيجة الظروف الخاصة بها بالحرب على الإرهاب، وما تبع ذلك من إجراءات عسكرية صارمة شملت المحافظة بكاملها.

المساهمون