بعدما شعر المعلمون الفلسطينيون بأنّ الحكومة الفلسطينية تتجاهل كلياً مطالبهم وإضرابهم المستمرّ في الضفة الغربية منذ الخامس من فبراير/ شباط الجاري، نفّذ آلاف منهم تحركات احتجاجية منفصلة، اليوم الإثنين، أمّام مقرّات مديريات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي في المدن الفلسطينية المختلفة، فكانت اعتصامات تراوحت أعداد المشاركين في كلّ واحد منها ما بين عشرات ومئات.
وهذا التحرّك هو الرابع ميدانياً للمعلمين في خلال فترة الإضراب الممتدة منذ 23 يوماً. فقد سبق لهم أن نفّذوا ثلاثة اعتصامات أمام المديريات، واعتصاماً مركزياً كبيراً أمام مقرّ مجلس الوزراء في رام الله، وسط الضفة الغربية، قبل أسبوع واحد، في 20 فبراير الجاري. وفي ذلك الاعتصام المركزي، عمدت أجهزة الأمن الفلسطينية إلى عرقلة وصول المعلمين من المحافظات الأخرى للمشاركة في هذا التحرّك.
ورصد "العربي الجديد" أحد اعتصامات اليوم أمام مديرية التربية والتعليم في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله، الذي تخلّلته رسائل مساندة وتضامن مع بلدة حوارة، جنوبي نابلس، التي شهدت هجوماً عنيفاً من قبل المستوطنين الإسرائيليين، أمس الأحد، إلى جانب الرسائل التي تطالب الحكومة بالاستجابة لهم.
يقول غالب حاج علي، وهو أحد المشاركين بالتحرّك، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الطروحات التي بدأت تخرج من أوساط في وزارة التربية عن إمكانية تأجيل امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) بسبب استمرار الإضراب، توحي للمعلم بأنّ الحكومة تتجاهله وبأنّها ترغب في إطالة مدّة الإضراب، وكأنّها حوّلت الأمر إلى عملية كسر عظم بينها وبينه".
ووجّه حاج علي رسالة إلى الحكومة، أفاد فيها بأنّ "المعلمين يطالبون بحقوق بسيطة جداً"، متمنياً على الوزارة "عدم اللعب على عامل الوقت والثانوية العامة". أضاف حاج علي: "نتمنّى أن تتنازل حكومتنا ويتنازل وزراؤنا ويسمعوا صوت المعلم ويتفهّموا مطالبه العادلة. كما نتمنّى التجاوب معنا بأسرع وقت ممكن لأنّ كل تلاميذ فلسطين وتلاميذ الثانوية العامة هم أبناؤنا ونحن حريصون عليهم أكثر من غيرنا".
ويطالب المعلمون، إلى جانب صرف رواتبهم كاملة، إذ تُصرَف منها فقط نسبة 80 في المائة منذ أشهر بسبب الأزمة المالية التي تشكو منها السلطة الفلسطينية، بأن تُصرَف علاوة بقيمة 15 في المائة على طبيعة العمل في الراتب، علماً أنّه كان قد تمّ الاتفاق على هذه العلاوة بعد إضراب نفّذه المعلمون في إبريل/ نيسان من عام 2022 الماضي. كما يطالبون بإنشاء نقابة أو جسم ديمقراطي يمثّلهم عبر الانتخابات، وهو بند ورد في مبادرة لجنة الوساطة في أزمة المعلمين السابقة.
وفي هذا الإطار، قال المعلم محمد حبية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعلم ما زال يطالب بتشكيل جسم نقابي منذ سنوات، وبتنفيذ الاتفاق الذي وافقت عليه الحكومة، إلى جانب المطالبة بتحسين ظروفه المعيشية وصرف بدل غلاء المعيشة".
وأضاف حبية أنّ "تسريبات بدأت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حول مقترحات حكومية بصرف سبعة أو ثمانية في المائة من العلاوة المتّفق عليها وتأجيل الباقي"، وإذ شدّد على أنّ "هذه التجزئة مرفوضة"، فضّل "سحب تنفيذ الاتفاق كرزمة واحدة". وأوضح حبية أنّ "الاتفاق شمل صرف العلاوة (15 في المائة) في بداية عام 2023، لكنّ ذلك لم يحصل"، مشدّداً على أنّه لا بدّ للمعلم من أن يضمن حقّه في ظلّ التجربة المريرة مع الحكومة.
من جهتها، أوضحت المعلمة نوى العادل حجة لـ"العربي الجديد"، أنّ "المعلم لا يطالب إلا بالعيش مستوراً وبكرامة وتعليم أولاده. وهو لا يطالب بأكثر من حقّه بتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه وصرف راتبه، بعدما صبر نحو 15 شهراً وهو يتقاضى في خلالها من الحكومة 80 في المائة فقط من راتبه".
ورفضت حجة الاتهامات التي تطاول المعلمين المضربين عن العمل، وشدّدت على أنّ "المعلّم ليس خارجاً عن الصف الوطني، ونرفض تخوينه، لكنّه من حقّنا أن نسأل أين أصبح تطبيق الاتفاق. أعطونا حقّنا، ولا نريد أيّ شيء آخر".
وعن الأزمة المتعلقة بالثانوية العامة، قالت حجة إنّ "ابني تلميذ توجيهي، وهو ليس أفضل من باقي التلاميذ. وهو سوف يلتحق بالجامعة، ولا أستطيع توفير مصاريفها له"، وطالبت بتوفير "متطلبات الحياة للمعلم".
وقد شارك في الاعتصام بالبيرة عدد من تلاميذ الثانوية العامة الذين يُعَدّون الأكثر تضرّراً من بين التلاميذ، وهتفوا لمعلميهم، ووجّهوا بدورهم رسائل إلى وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي بضرورة النظر إلى وضعهم وتقديم حلول لهم غير تأجيل امتحانات الثانوية العامة.
وفي هذا السياق، قال التلميذ محمد ترتير، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من حقّ معلمينا الحصول على رواتبهم كاملة ومن حقّهم المطالبة بذلك"، وتعليقاً على حديث مسؤولين عن إمكانية تأجيل امتحانات الثانوية العامة، أكّد أنّ الأمر "لن يكون في مصلحتنا". أمّا زميله أسيد مطير فقال لـ"العربي الجديد": "طالما لم يأخذ المعلم حقّه، فالطالب لن يأخذ حقّه أيضاً".
وتتكرّر الأزمة، إذ إنّ المعلمين الفلسطينيين خاضوا في عام 2016 إضراباً خلص إلى دفع علاوة بنسبة 10 في المائة على طبيعة العمل، واستقالة قيادة الاتحاد العام للمعلمين، إذ إنّ الاتحاد لم يكن هو الذي يقود الإضراب بل حراك المعلمين الموحّد. لكنّ ثمّة مطالب ظلّت قائمة، من قبيل إنشاء نقابة أو انتخابات مباشرة في اتحاد المعلمين.
وفي العام الماضي، عاد المعلمون إلى الإضراب مرّة أخرى، لكنّ اتحاد المعلمين هو الذي بدأه. لكن بعدما علّق الاتحاد الإضراب من دون أن تكون مطالب المعلمين قد حُقّقت، استمرّ الإضراب بقيادة حراك المعلمين الموحّد-2022، قبل أن ينتهي بعد مبادرة من لجنة وساطة في الأزمة تضمّ ممثلين عن مؤسسات حقوقية وأهلية وشخصيات فلسطينية. وتنصّ المبادرة على صرف علاوة بنسبة 15 في المائة في بداية العام الجاري، ثمّ علاوة إضافية بنسبة خمسة في المائة في العام المقبل من ضمن قانون "مهنة التعليم"، إلى جانب تشكيل جسم نقابي للمعلمين. ومن جديد، عاد الإضراب هذا العام بقيادة الحراك للمطالبة بتنفيذ بنود تلك المبادرة.