لا ترتبط زيارة أضرحة الأولياء الصالحين في تونس بموعد محدّد أو مناسبة خاصة، ولا تتأثر تلك الزيارات بتأزم الوضع السياحي أو الاقتصادي. بل تشهد مقامات الأولياء زيارات يومية، وتُعرف بكونها سياحية للجميع تشهد مشاركة آلاف الناس على مدى العام في جهات مختلفة، حيث أضرحة الأولياء. وفي كلّ سنة، يُقام احتفال خاص بكل ولي يُسمى في تونس "الزردة". يُخصَّص له يوم أو يومان، ليشهد ذلك المقام، خلال الاحتفال، توافد مئات الناس من مختلف الجهات، لتكريم ذلك الولي والتبرك به والدعاء لتحقيق أمانيهم، والاستعانة بالولي للدعاء والتقرب إلى الله تبركاً بتقواه وقوة إيمانه كما يُعتقد.
وتتوزع مقامات وأضرحة الأولياء على كامل تراب البلاد، ويعود تاريخها لأكثر من 15 قرناً. وكانت وما زالت مقصداً لعدد كبير من التونسيين في كلّ الجهات لارتباطها بموروث وطقوس شعبية في كلّ جهة. ويتبرك الناس بأشخاص يُقال إنّهم كانوا متصوفين اعتكفوا بزواياهم وزهدوا في الدنيا. وأكسبتهم أعمالهم الصالحة محبة الناس، وجعلتهم في مكانة مرموقة عند الله. وارتبطت بكلّ ولي صالح عادات خاصة. فغالبية الناس يعتقدون أنّهم في حاجة إلى وسيط بينهم وبين الله لتحقيق أمنياتهم. ولكلّ وسيط طريقة لتحقيق الأماني.
في مقام "سيدي البشير"، توجد خيوط صغيرة ملونة معقودة في نعش الولي. ويُقال إنّ كل شخص يتمنى أمنية يجب أن يعقد خيطاً ويطلب ما يريده فتتحقق أمنيته. وتقول فاطمة، إحدى العاملات في تلك الزاوية، لـ "العربي الجديد"، إنّ "المقام يشهد زيارات بصفة يومية، خصوصاً من النساء. بعضهن يبحثن عن زوج أو يرغبن في إنجاب طفل أو الشفاء من مرض". تضيف: "ما عليها إلا قراءة الفاتحة وعقد النية وربط خيط رفيع تردد خلال ربطه أمنيتها سراً أو جهراً، والله محقق الأماني".
تُسمى تلك المقامات في تونس بالزاوية، وتنتشر الزوايا في جهات عدة خصوصاً في العاصمة، على غرار زاوية سيدي بوسعيد والسيدة منوبية وزاوية سيدي محرز وغيرها. وتتخذ بعض تلك الزوايا شكل البيوت القديمة، أو حتى شكل المساجد. توجد غرف عدة تتوسطها ساحة كبيرة حيث يجتمع الزوار وتقام حفلات "الزردة". ويكون قبر الولي الصالح في أكبر تلك الغرف. يدخلها الناس لقراءة الفاتحة وطلب الأمنيات وإشعال الشموع. كما تتشابه كلّ تلك المقامات في ألوان جدرانها وأبوابها التي يغلب عليها اللونان الأبيض والأخضر، فالأخير يرمز إلى الخصوبة والخير. ويقيم بعض الوافدين من أماكن بعيدة في تلك الغرف بأسعار رمزية طوال فترة الاحتفال.
وتشهد معظم تلك الزوايا عدداً كبيراً من الزيارات خلال فصل الصيف، وحتى قبل امتحانات آخر العام. يقصدها الأهل والتلاميذ طلباً للنجاح والتوفيق. وتواجه تلك الممارسات سخرية كبيرة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بسبب لجوء تلاميذ البكالوريا أحياناً إلى مقامات الأولياء طلباً للنجاح. كما تحولت تلك الزوايا، منذ انتخابات عام 2014، إلى مكان أو وسيلة للدعاية السياسية. بعد زيارة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مقام "سيدي بلحسن الشاذلي"، زار قائد أركان الجيش السابق الجنرال رشيد عمار بعض المقامات للتبرك بالأولياء الصالحين، وعبّر عن إيمانه بقدراتهم الخارقة، قائلاً إنّ تونس لها أولياء يحمونها. كما زار العديد من السياسيين مقامات أولياء عدة خلال حملاتهم الانتخابية داخل تلك المقامات.
ويتمّ التقرب إلى الأولياء الصالحين، لا سيما خلال حفلات "الزرد" الخاصة بكل ولي، ما جعل لكلّ مقام خادماً للزاوية، يقيم فيها باستمرار لاستقبال الضيوف وتنظيف المكان وتغيير غطاء قبر الولي كل فترة. ويواظب خادم الزاوية على قراءة الأذكار والأوراد في الزاوية.
غالبية النساء الوافدات إلى مقامات الأولياء يبحثن عن الشفاء من العقم أو جلب الحظ أو الزواج. ويتبرك آخرون بالولي لعلاج الأمراض الخطيرة والمستعصية. كما تزور المتزوجات حديثاً تلك المقامات طلباً للسعادة الزوجية. ولتحقيق تلك الأمنيات، هناك طقوس عدة تختلف من ولي إلى آخر، على الرغم من أنّ كل الزوايا تقدّم فيها الذبائح للتقرب إلى الولي والتبرع باللحوم إلى الفقراء، وإقامة الولائم في أضرحة الأولياء خلال طقوس احتفالية. ويتولى آخرون قرع الطبول أو عزف الموسيقى الصوفية أو تقديم العديد من عروض الفروسية. وتقام مهرجانات عدة في مقامات بعض الأولياء.
ويلاحظ وجود ممارسات غريبة داخل تلك الزوايا. ويعمد البعض إلى ذبح ديك وإشعال الشموع لتحقيق أمنيات معيّنة، فيما يعمد آخرون إلى كتابة أمنياتهم بالحناء على أحد جدران الزاوية، أو يعتكف الشخص داخل الزاوية لمدّة معيّنة يزهد فيها عن الدنيا وملذاتها، ويقضي أياماً في الدعاء والصلاة لتحقيق أمانيه.
وتقام بعض العروض الفلكلورية التي يقدّمها شخص معين يُعرف باسم "العيساوي"، يدعي أنّه مبارك من الولي، ويقوم بأكل العقارب والمسامير والمشي على قطع الزجاج أو لوح خشبي ثُبّتت عليه مسامير حادة. ويدعي ذلك الشخص أنّ الولي هو من يحميه من أي عمل خطر يقدم على فعله.
وفي كل مقام ولي بئر عذبة يشرب منها الزوار والمارة. ولا تقل تلك المياه قداسة عن مياه زمزم، اعتقاداً بقدرتها على شفاء الأمراض وعلاج الأشخاص. كما تعمد بعض الراغبات في الزواج إلى الاستحمام بتلك المياه التي تعتبر مياه مباركة بحسب الاعتقاد، كما يستحم بها أي شخص لطرد النحس أو العلاج من أي سحر. ويمنع بيع تلك المياه وتقدم بالمجان لكل طالب لكن بكميات محدودة حتى لا تنشف البئر.