تخالف المحصلة العامة للهيكل العمري في تركيا مخططات الدولة التي تعوّل على جيل الشباب وقوة عمله من أجل تحقيق الأهداف التنموية والاقتصادية والوطنية والوصول إلى نادي العشرة الكبار في العالم. وفعلياً، توفر ظواهر اجتماعية عدة أسباب تراجع الإنجاب وتناقص عدد أفراد الأسرة التركية، في مقدمها المخاوف الاقتصادية وارتفاع المصاريف اللذان يفرضان الإحجام عن الزواج، وانتشار المساكنة.
وتتحدث الباحثة بوكيت أوزجان لـ"العربي الجديد" عن أن "الواقع الحالي في تركيا أفضل من السنوات السابقة، لأن الزيادة الطبيعية في المواليد إيجابية، وربما يزيد عدد المواليد على عدد الوفيات بحلول نهاية العام الحالي، مع توقع بلوغ عدد السكان حوالى 85.7 مليوناً بزيادة حوالى 1.4 مليون عن عام 2021، لكن ارتفاع التكاليف المعيشية هذا العام، قد يوصلنا إلى نتائج خطرة أيضاً".
وتحذر أوزجان من أن "معدل النمو السكاني لا يزيد عن 1.09 في المائة، ما يعني أن عدد سكان تركيا سيبلغ 98 مليوناً عام 2060، ثم سيتراجع إذا بقيت معدلات الإنجاب والوفيات والهجرة كما هي اليوم، إلى حوالى 86.6 مليوناً في نهاية القرن، حين تشكل نسبة كبار السن والكهولة غالبية السكان".
وتشير أوزجان استناداً إلى نسب وأرقام إحصاءات إلى أن "تشجيع الإنجاب بات سياسة معلنة في تركيا بعدما تراجع معدل الخصوبة إلى 1.99 ولادة لكل امرأة، أي أقل من المعدل العادي البالغ 2.1 مولود لكل امرأة. وفيما لن يزيد معدل المواليد عن 15.3 لكل ألف شخص، فإن المشهد المستقبلي للسكان سيتمثل في ارتفاع عدد كبار السن والبطالة وتراجع الإنتاج، وزيادة الأعباء الحكومية، ما يعني أن مستقبل تركيا سيكون في خطر إذا لم تتغير المواقف من الزواج والإنجاب، وتتوافر حلول للعازفين عنهما".
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد سكان تركيا العام الماضي ناهز 84.3 مليوناً، نحو 70.7 في المائة منهم في المناطق الحضرية، موزعين على مساحة 769630 كيلومترا مربعا، بكثافة مقدارها 108 أفراد لكل كيلومتر مربع، ما يجعلها تحتل المرتبة 17 عالمياً على صعيد عدد السكان.
ويشكل الأتراك نسبة 75 في المائة من الشعب، ويأتي بعدهم الأكراد بنسبة 18 في المائة وباقي القوميات والمهاجرين (17 في المائة)، وتتراوح أعمار نسبة 27 في المائة من الفئات العمرية بين 0 و14 عاماً، و67 في المائة بين 15 و64 عاماً، و6 في المائة فقط فوق 64 عاماً.
ويشير الباحث شوكت أقصوي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن بلاده لا تصل إلى نسبة الزيادة السكانية ومواليد المنطقة العربية، لكنها لم تبلغ أيضاً نسبة الشيخوخة كما دول أوروبا، لكن استمرار تردي الواقع الاقتصادي والمخاوف من الإنجاب قد يجعل بلده في مرتبة الدولة العجوز.
ويلفت إلى أن حكومة "العدالة والتنمية" تنبهت إلى هذا الأمر، وزادت من الدعم المالي والرعاية الاجتماعية لزيادة الإنجاب، عبر منح مساعدات مالية مباشرة للمواليد الجدد، وقطعة ذهبية للمولود الأول تزيد قيمتها للمولودين الثاني والثالث، وتأمين الرعاية الصحية والضمانات المتزايدة والقروض المصرفية الميّسرة التي تصب في خانة تشجيع الزواج والإنجاب. وقد استهل هذا النهج عام 2015.
وفيما تقدر دراسات وصول نسبة المسنين الذين يتجاوزون 65 عاماً إلى نحو 9 في المائة، مع توقع دراسات أن تبلغ 10.2 العام المقبل و22.5 في المائة عام 2060، يؤكد أقصوي أن "تركيا ستواجه مراحل خطرة، لكنها لن تكون دولة شيخوخة، لذا نرى أن الاهتمام يتزايد لإزالة أسباب تراجع الإنجاب والعزوف عن الزواج، في موازاة التنبه لطرق رعاية ودعم المسنين". ويلفت إلى أن جامعات تركية عدة أدخلت أخيراً دراسة مناهج الشيخوخة ضمن تخصصات العلوم الاجتماعية، وذلك في موازاة زيادة دور الرعاية للمسنين.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهّد مرات تجنيب بلاده مخاطر تراجع السكان، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة الحفاظ على دور الأسرة، ومشيداً بالإنجازات التي حققتها المرأة في مختلف المجالات.
وقال أردوغان خلال مشاركته عبر وسائل التواصل في مؤتمر الجناح النسائي لـ "حزب العدالة والتنمية": "انخفض النمو السكاني في تركيا إلى نحو النصف، وقد يتراجع عدد السكان خلال تاريخ غير بعيد إذا استمر هذا الوضع". وذكّر بأن "أوروبا تواجه منذ فترة طويلة تهديد التراجع السكاني، لكننا لن نسمح بأن تواجه تركيا المصير نفسه".
وشدد على أهمية المرأة في الحفاظ على مفهوم الأسرة، مشيراً إلى أن "انهيار الأسرة في الغرب بدأ مع التعامل مع المرأة كسلعة وإبعادها عن دورها الأساسي المقدس في المجتمع. وتتعرض تركيا لمحاولات فرض الواقع نفسه عليها من خلال مخططات تستهدف الأسرة عبر شاشات التلفزيون والأفلام والموسيقى والإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال. والمحافظة على ميزات تركيا السكانية يمر عبر الدفاع عن مفهوم الأسرة، وليس التشجيع المادي فقط".
وسبق أن لفت أردوغان إلى أن المرأة في تركيا تمتعت بتكافؤ الفرص في مجال التعليم في عهد حزب "العدالة والتنمية" الذي يتولى السلطة منذ عام 2002، وأشار إلى أن تركيا شهدت أكبر نسبة تمثيل للنساء في البرلمان، في الفترة نفسها أيضاً.
ولفت إلى "وجود 54 امرأة حالياً في كتلة حزب العدالة والتنمية في البرلمان الذي يضم 600 مقعد. وهناك وزيرتان ضمن الحكومة، والجناح النسائي للحزب يضم أكثر من 5.3 ملايين، في رقم يناهز إجمالي عضوية النساء في سائر كل الأحزاب الداخلية".
ويبقى أن أسماء تغلب على المواليد الجدد في تركيا، وفي مقدمها يوسف للذكور، وزينب للإناث، وذلك بحسب بيانات مديرية شؤون السكان والجنسية التابعة لوزارة الداخلية التي تشير إلى أن اسم يوسف أطلق على 7134 مولوداً من الذكور، ثم ألب أرسلان (6304 مواليد ومعراج 5777 مولوداً، وجاء بعدها بنسب متفاوتة أسماء عمر وغوكتوغ ومصطفى وأراس.
على صعيد الإناث، حل اسم زينب في المركز الأول بعدما أطلق على 10130 مولودة، وتلاه اسم إيليف (6546 مولودة)، وأسيل (6496 مولودة)، ثم دفنة، وعذرا، ونهير، وزومرا، وأيلول، وإجرين.