ملك وآية ناجيتان من جحيم الاحتلال شمال غزة... ألم وجوع وفقد

23 أكتوبر 2024
الاحتلال الإسرائيلي يجبر سكان شمال غزة على النزوح، 22 أكتوبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وصلت ملك عليان وآية الطناني إلى غزة بعد 18 يوماً من القصف والحصار، حيث واجهتا صعوبة في الحصول على العلاجات، وتم توجيههما عبر ممرات محاصرة بآليات عسكرية، مع فصل الرجال عن النساء.
- تعرضت ملك لإصابة في كتفها ولم تتلق العلاج المناسب، وفقدت ابن وأخ، وأجبرت على الإخلاء باستخدام طائرات كواد كابتر، مما أدى إلى فقدان الاتصال بعائلتها.
- آية فقدت الاتصال بعائلتها بعد اعتقالهم، ووصفت النزوح بالمرعب، مطالبة بإنهاء الحرب والعودة لحياتها الطبيعية والدراسة.

وصلت الفلسطينيتان ملك عليان وآية الطناني، الثلاثاء، إلى مدينة غزة قادمتين من مشروع بيت لاهيا في شمال قطاع غزة، محملتين بثقل 18 يوماً تحت وطأة القصف المستمر والحصار والتجويع والعزلة. لترويا بملامح ذعر بدت واضحة على وجهيهما شهادات من جحيم الإبادة الإسرائيلية.

تقول الفلسطينيتان، في حديثين منفصلين، إن "الحصول على العلاجات في الشمال أمر صعب، بينما يعيش السكان هناك تحت القصف المستمر والعنيف في وقت يصعب فيه انتشال الشهداء والجرحى"، موضحتين أنهما مرتا برحلة من العذاب والترهيب منذ خروجهما من بلدة بيت لاهيا تحت وطأة التهديد الإسرائيلي وحصاره سكانها بالنيران.

وأشارت الفلسطينيتان إلى أن الممرات التي حددها الجيش في بداية الإخلاء القسري أفضت إلى منطقة محاصرة بآليات عسكرية وطائرات كواد كابتر جمّعوا فيها آلاف النازحين، ومن ثم أبقوا على الرجال وسمحوا للنساء بالمغادرة في إطار مسارات أخرى حددها لهم.

الصورة
الاحتلال الإسرائيلي يجبر سكان شمال غزة على النزوح، 22 أكتوبر 2024 (الأناضول)
الاحتلال الإسرائيلي يجبر سكان شمال غزة على النزوح، 22 أكتوبر 2024 (الأناضول)

الاحتلال الإسرائيلي يضاعف الحصار على شمال غزة

الشابة العشرينية ملك عليان، التي وصلت إلى مستشفى المعمداني بمدينة غزة، وعليها ملامح الإرهاق بينما تنهمر دموع الألم والخوف والقهر من عينيها، تقول وهي بالكاد تلتقط أنفاسها، إنها أصيبت في قصف إسرائيلي في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، ما تسبب بخلع في كتفها تحتاج على أثره إلى تركيب بلاتين. ورغم مرور 12 يوماً على إصابتها، إلا أنها لم تتلق العلاج المناسب حيث بدت يدها من أسفل مفصل الكوع وعليها جبيرة فقط. وتحملت عليان خلال الأيام 12 الماضية عذاب ألم الإصابة وفقدان ابن وأخ، بالتزامن مع الحصار الإسرائيلي للشمال وما ترتب عليه من نقص في إمدادات الطعام والمياه والأدوية.  

تحملت عليان خلال الأيام 12 عذاب ألم الإصابة وفقدان ابن وأخ  بالتزامن مع الحصار الإسرائيلي لشمال غزة

وعن لحظة إجبارهم على إخلاء المنطقة، تقول عليان إن الجيش أرسل طائرات كواد كابتر محملة بمكبرات صوت، أمرتهم بالإخلاء والتوجه نحو المستشفى الإندونيسي. وبعد المعاناة التي عاشوها جراء الإبادة والتطهير العرقي في الشمال، جهزت عليان وباقي أفراد أسرتها أنفسهم وخرجوا باتجاه المسار المحدد ليفاجأوا بوجود آليات عسكرية وطائرات مسيرة في المنطقة التي طالبهم الجيش بالتوجه إليها.

الصورة
الاحتلال الإسرائيلي يجبر سكان شمال غزة على النزوح، 22 أكتوبر 2024 (الأناضول)
الأطفال الصغار ضاعوا عن أمهاتهم خلال النزوح من شمال غزة، 22 أكتوبر 2024 (الأناضول)

هناك قسم جيش الاحتلال الإسرائيلي وفصل الرجال عن النساء في مدرستي "الكويت الثانوية للبنات" (حكومية خصصها للرجال)، و"حمد" (تابعة لوكالة أونروا الأممية خصصها للنساء)، بحسب عليان. وأضافت أن الجيش بعد ذلك بفترة وجيزة، أمر النساء بالسير عبر ممر حدده وترك الرجال داخل مدرسة الكويت، قائلة: "لا نعرف شيئا عنهم".

و قالت عليان إن الأطفال الصغار ضاعوا عن أمهاتهم خلال النزوح بسبب حالة الفزع والرعب التي سادت آنذاك. بينما تسبب جيش الاحتلال الإسرائيلي قسرا بابتعاد أطفال عن أمهاتهم، وفق قول عليان، دون ذكر تفاصيل ذلك. مشيرة إلى أنها ما زالت تجهل مصير والدها الذي أبقى عليه الجيش في مدرسة الكويت حينما سمح للنساء بإكمال النزوح.

بدورها، تروي الفتاة آية الطناني (16 عاماً)، تفاصيل رحلة العذاب التي مرت بها خلال النزوح، وفقدان الاتصال بأفراد عائلتها بعد اعتقالهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي. تقول الطناني، وهي من سكان مشروع بيت لاهيا، إن الفترة التي سبقت إجبارهم على الإخلاء شهدت قصفاً عنيفاً للمنطقة، وهو استكمال للغارات التي تعيشها محافظة الشمال منذ 18 يوماً.

وتابعت: "بعد قصف استهدف منزلا مجاورا من مكان إقامتنا، سمعنا أصوات صراخ من بينها صوت بدا عليه لابن يصرخ قائلاً: والدتي لها نبض تعالوا وأنقذوها". مشيرة إلى أنهم لم يتمكنوا من مساعدته بسبب توتر الوضع الأمني، لافتة إلى وجود عدد من القتلى في الشوارع بسبب القصف. وقالت إن حالة من الذعر والخوف سادت آنذاك، ما دفع النازحين للتوجه نحو الممر الذي حدده الجيش.

الصورة
الاحتلال الإسرائيلي يجبر سكان شمال غزة على النزوح، 22 أكتوبر 2024 (الأناضول)
إسرائيل تسعى لتهجير سكان شمال غزة واحتلال أراضيها، 22 أكتوبر 2024 (الأناضول)

تقول الطناني، التي سارت عبر ذلك الممر، إن وصولهم إلى منطقة المدرستين اللتين يتم فيهما فصل الرجال عن النساء كان "أمراً مرعباً وصادماً". وأضافت: "عندما وصلنا للمدرستين، أصبنا بالذعر والصدمة وكذلك باقي النازحين، مشهد المدرستين وهما ممتلئتان بآلاف الناس مخيف، خاصة وأن مصيرهم مجهول".

وفي وصفها للمدرستين، تقول الطناني إن المدرستين شهدتا حفريات كبيرة من الجيش الإسرائيلي كما ظهر عليها علامات الدمار من القصف والحرق. وأشارت إلى أن الجيش وضع آليات عسكرية إلى جانب المدرستين تسير مع أي شخص يحاول تغيير طريقه، لافتة إلى أنها "طريقة ترهيب" تدفع النازحين للالتزام بالطريق المحدد.

وبعد ساعة قضتها الطناني وبقية النساء في ساحة المدرسة، سمح لهن الجيش بالمغادرة، بينما بدأوا بالنزوح في وقت كان فيه الرجال يخضعون لفحص أمني، وفق قولها. وعن مصير الرجال، تقول الطناني إنها سمعت خلال فترة احتجازها بالمدرسة أن الجيش وضع على رؤوس بعض الرجال أغطية بيضاء وكبل أيديهم، لافتة إلى أن النازحين ذكروا أن هؤلاء مصيرهم "الإعدام الميداني"، دون التأكد من ذلك.

وفي ختام حديثها، طالبت الطناني بـ"إنهاء الحرب"، قائلة: "بات حلمي أن أعيش وأكمل حياتي التي كانت بالدراسة وتجاوز مرحلة الثانوية العامة، تعبنا من الحرب".

وفي الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة في محافظة شمال القطاع، قبل أن يعلن في اليوم التالي عن بدء اجتياح لهذه المناطق، بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة"، بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها. ويأتي ذلك في ظل عزلة عن العالم الخارجي فرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي على محافظة الشمال، حيث قطع الجمعة شبكة الاتصالات والإنترنت عنها.

وتشن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، بدعم أميركي حرب إبادة جماعية على غزة، خلّفت 143 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون