انطلقت في العاصمة القطرية الدوحة، السبت، أعمال ندوة "الاستعمار الاستيطاني والأصلانية والصراع الفلسطيني ضد الصهيونية"، والتي ينظّمها معهد الدوحة للدراسات العليا بالتعاون مع دورية "عمران" للعلوم الاجتماعية الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتتواصل حتى الإثنين المقبل.
وقالت عميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة، أمل غزال، في كلمة افتتاحية، إلى أن هذه الندوة تُعدُّ استكمالًا لسلسلة "حوارات العصر: سجالات في الخطوط الأمامية للمعرفة الإنسانية"، والتي أطلقتها الكلية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وهي ملتقيات سنوية تُتيح منبرًا لحوار أكاديمي في واحدة من القضايا التي تشغل الرأي العام والمجتمع الأكاديمي، وتستضيف في كل عام شخصية ذات مساهمة متميزة في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية، إلى جانب باحثين وأكاديميين متخصصين في القضية محلّ النقاش.
وأشار رئيس تحرير دورية "عمران" للعلوم الاجتماعية، مولدي الأحمر، إلى أنّ الندوة تعدّ في جانبٍ منها تتويجًا لملف خاص أصدرته الدورية في العددين الثامن والثلاثين (خريف 2021) والتاسع والثلاثين (شتاء 2022) في موضوع الاستعمار الاستيطاني والصراع الفلسطيني ضد الصهيونية، وأنها تحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالإطار النظري للاستعمار الاستيطاني وإشكاليات توظيفه، لفهم حالة المشروع الصهيوني، كما تُقارن الاستعمار الاستيطاني في فلسطين بتجارب استعمارية أخرى، من أجل استجلاء آفاق نظرية جديدة.
وشهد اليوم الأول من الفعاليات محاضرة بعنوان "فلسطين/ إسرائيل من منظور ما بعد الفصل العنصري"، ألقاها محمود ممداني، أستاذ كرسي هربرت ليمان للحكم في جامعة كولومبيا الأميركية، وأشار فيها إلى أنّ السردية الليبرالية المعيارية تنأى بتاريخ القومية عن تاريخ الاستعمار، مبينًا أنّ كليهما وُلد صنوًا للآخر في عام 1492 في أيبيريا، وليس في عام 1648، وهو تاريخ توقيع معاهدة وستفاليا.
وبدلًا من الاحتفال بالقومية بوصفها مركزية في ممارسة حق تقرير المصير، أوضح ممداني أنّ العنف المتطرف في نهاية حقبة الاستعمار كان نتيجة سياسية ضرورية لعملية صناعة الأمة، والتي تميز الأغلبية السيادية من جميع الأقليات غير السيادية، وأنه قد جرى تصدير هذا التمييز من الولايات المتحدة الأميركية إلى جنوب أفريقيا وألمانيا النازية، وأخيرًا إلى إسرائيل، وأُعيد تكييفه كل مرة باختلاف المكان والزمان.
وانطلاقًا من النظر إلى الولايات المتحدة بوصفها لحظة تأسيسية في تاريخ الاستعمار الاستيطاني، قارن الباحث بين الغزو الاستعماري للهنود من جهة، والسيطرة العنصرية على الأفارقة من جهة أخرى، بُغية التمييز بينهما بوصفهما طريقتين مختلفتين للإخضاع، ولكل منهما نتيجة جذرية مميزة، وتساءل عن الفرق بين المهاجر والمستوطن.
ومن خلال تجربة جنوب أفريقيا، عالج ممداني قضيتين: الأولى، كيف يجب أن نفكر في الهوية السياسية؟ أهي تاريخية ومتغيرة، أم طبيعية ودائمة؟ مشيراً إلى أنّ إضفاء الطابع التاريخي على الهوية يعني النظر إليها باعتبارها وُلدت من شكل معيّن من أشكال الدولة، ومن ثمّ فهي قابلة للتغيير، مشددًا على ما يُعدّ أبسط الأمور في عملية انتقال جنوب أفريقيا بعيدًا عن إرث الفصل العنصري، وهو ضرورة الفصل بين الوطن والدولة.
وبالإجابة عن سؤال: ما الذي يمكن نقله من التجربة الجنوب الأفريقية؟ أشار الباحث إلى أن حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) يُمكنها المساهمة في تحقيق عزلة إسرائيل على الصعيد الدولي، لكن هناك حاجة إلى القيام بالمزيد من أجل أن يزدهر البديل غير الصهيوني في إسرائيل نفسها، كما كان الحال في جنوب أفريقيا، وأن ثورة معرفية تفتح الطريق أمام ثورة سياسية.
وقال إنه "ستأتي اللحظة الفارقة الفلسطينية عندما لا يكون المضطهَدون وحدهم هم من يسعون للتغيير السياسي، بل أيضًا كثير من المؤيدين الحاليين للنظام الصهيوني، ويتطلّب الوصول إلى هذه المرحلة نوعًا جديدًا من الوعي السياسي، وهو وعي يقوم على الاعتراف بأن مسألة ازدهار اليهود والحياة اليهودية لا يتطلّبان دولة صهيونية. أمّا فحوى الدرس الجنوب أفريقي، والعبرة التي يجب إيصالها إلى الإسرائيليين، فهي أن اليهود لا يحتاجون إلى دولة يهودية ليكون لهم مقام آمن في فلسطين".
وأما الدرس الذي يجب أن تتعلّمه حركة مقاطعة إسرائيل، فهو أنها في حاجة إلى البناء على المكاسب التي حققها التجمع الوطني الديمقراطي (بلد)، لا أن تعتبر أنها بديل منه، وسيكون إنجاز ذلك بمنزلة توفير إطار سياسي لليهود الإسرائيليين المعادين للصهيونية، وحتى لغير الصهيونيين منهم.