تعاني المنظمات الإنسانية غير الحكومية التي تعمل في مجال مساعدة المهاجرين طالبي اللجوء في اليونان، والتي تدين عمليات الإعادة غير القانونية إلى تركيا، من عداء متزايد منذ أشهر، لدرجة أنّ الأمر انتهى ببعضها إلى التخلي عن مهمتها.
وقبل أيام، قال وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراكيس إنّ "المنظمات غير الحكومية التي كانت نشطة بين عامَي 2015 و2019 غادرت بمعظمها اليونان من تلقاء نفسها"، لافتاً إلى أنّ بعضاً منها "عرضة للملاحقة الجنائية بتهمة تسهيل الدخول غير القانوني للمهاجرين".
أمّا بالنسبة إلى المنظمات التي تقدّم الرعاية والتوجيه والمشورة للمهاجرين، فقد اشتكت 16 منها من أنّها هدف لهجمات متكرّرة من قبل حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس المحافظة وبعض وسائل الإعلام الموالية للحكومة.
وفي بيان مشترك، أفادت "منظمة إيجة لدعم اللاجئين" و"المجلس اليوناني للاجئين" و"الرابطة اليونانية لحقوق الإنسان" بأنّ "السلطات اليونانية منخرطة في حملة مطاردة تستهدف المهاجرين، وكذلك المدافعين عنهم". وتُتهم سلطات أثينا بانتهاك القانون الدولي، من خلال إعادتها إلى تركيا أشخاصاً يرغبون في التقدّم بطلبات للحصول على اللجوء في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من التحقيقات الدقيقة التي أعدّتها وسائل إعلام ومنظمات غير حكومية وشهادات عدد كبير من الضحايا، أنكرت السلطات اليونانية على الدوام اللجوء إلى مثل هذه الممارسات.
وكانت نائبة وزير الهجرة اليونانية صوفيا فولتيبسي صرّحت في سبتمبر/أيلول الماضي: "بصفتي يونانية، فأنا لا أنوي العمل مع منظمات غير حكومية تضرّ بالمصلحة الوطنية"، من خلال التنديد بعمليات إعادة المهاجرين غير القانونية.
وفي إيفروس، وهي منطقة فقيرة تقع في شمال اليونان، سوف يُصار إلى تمديد الجدار الذي يمتدّ على 40 كيلومتراً ويمثّل الحدود مع تركيا، بمقدار 80 كيلومتراً إضافية، كذلك سوف يُنشَر 250 من حرس الحدود الإضافيين بحلول نهاية العام. لكنّ المهاجرين يواصلون عبر نهر إيفروس، شقّ طريقهم إلى أوروبا. ومن اجل مساعدتهم، نادراً ما يتمكّن عمّال الإغاثة من الوصول إلى هذه المنطقة العسكرية، التي تُسيَّر فيها دوريات للشرطة والجنود اليونانيين ووحدات من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس). وفي يوليو/تموز الماضي، ألقي القبض على محاميَين في إيفروس، في أثناء محاولتهما تقديم طلبات لجوء لعراقيَّين وخمسة أتراك.
ويتعرّض في الوقت الحاضر نحو خمسين عامل إغاثة لملاحقات قضائية، الأمر الذي يجعل اليونان إلى جانب إيطاليا في مقدّمة الدول التي تجرّم مساعدة المهاجرين.
وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول الجاري، انسحبت منظمة "جسور" غير الحكومية التي كانت تنشط في المنطقة الحدودية، بعدما رُفعت بحقّها ثلاث دعاوى قضائية لم تُسفر عن إدانات، لكنّ الأمر انتهى بها إلى جعل عملها مستحيلاً. وبرّرت المنظمة قرارها، خصوصاً بـ"تراجع سيادة القانون في أوروبا".
وأوقفت منظمة "350 لحقوق الإنسان" التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان على الحدود، أنشطتها. وتأسف المحامية إيفيينيا كونياكي التي تركت العمل في هذه المنظمة بعد تعرّضها لضغوط، لأنّ "خمسة إلى عشرة أشخاص في اليونان كانوا يساعدون ضحايا عمليات إعادة المهاجرين في منطقة إيفروس. عددنا يقلّ شيئاً فشيئاً".
وخلال الصيف الماضي، واجهت هذه المنظمة محنة عندما حاولت مساعدة 38 سورياً علقوا لأيام عدّة على جزيرة في إيفروس. وقال هؤلاء المهاجرون إنّ طفلة تبلغ من العمر خمسة أعوام توفيت من جرّاء تعرّضها للدغة عقرب. لكنّ سلطات اليونان شكّكت بوفاة هذه الطفلة وحاولت منذ ذلك الحين تشويه سمعة العاملين في المجال الإنساني الذين أتوا لمساعدتهم.
يقول مدير "المجلس اليوناني للاجئين" ليفتيريس باباياناكيس إنّ الخطاب المعادي للمنظمات غير الحكومية صار "ساماً"، ابتداءً من فبراير/شباط من عام 2020، عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّه سوف يسمح بعبور جميع المهاجرين الراغبين في التوجّه إلى الاتحاد الأوروبي. ويضيف باباياناكيس أنّ "أثينا تتّهم أنقرة باستغلال المهاجرين طالبي اللجوء كأداة لزعزعة استقرار اليونان. ونتيجة لذلك، صارت المنظمات غير الحكومية التي تدافع عنهم تُعَدّ في الخطاب العام عميلة لتركيا".
وفي سياق متصل، قالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور، في يونيو/حزيران الماضي، إنّ العاملين في المجال الإنساني هم "هدف تعليقات عدائية، بما في ذلك تلك الصادرة عن جهات حكومية رئيسية".
(فرانس برس)