تقبل جامعة الكويت، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد، 100 طالب متفوّق من "البدون" سنوياً، شريطة حصولهم على نسبة تتجاوز 90 في المائة في امتحانات الثانوية العامة، وموافقة من الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية (البدون)، وهي موافقة لا يحصل عليها كثير من الطلاب، وفق ما يقول أحمد الشمري وهو طالب تخرج من الثانوية العامة العام الماضي ولم يستطع الحصول على تعليم جامعي.
ويحاول الطلاب الذين لم يُقبلوا في الجامعة الحكومية الاتجاه إلى الجامعات الخاصة، لكنّ هذه الجامعات ترفض استقبال الطلاب الذين لم يحصلوا على موافقة الجهاز المركزي أيضاً، بالرغم من أنّهم يدرسون بأموالهم أو عبر منح حصلوا عليها من الجمعيات الخيرية أو منظمات المجتمع المدني التي تدعم طلاب "البدون". وتقول الجامعات الخاصة إنّ سبب رفضها تسجيل الطلاب "البدون" يعود لأوامر مجلس الجامعات الخاصة في عام 2018، بمنع تسجيل أيّ طالب "بدون" في أيّ جامعة خاصة من دون الحصول على إذن الجهاز المركزي والذي يضع شروطاً قاسية وصعبة على القبول، وأهم هذه الشروط توقيع الطلاب على إقرارات تفيد بامتلاك عائلتهم إثباتات هوية من دول مجاورة، ما يعني انعدام حقهم في الحصول على الجنسية الكويتية وهو ما يرفضه هؤلاء.
يقول أحمد الشمري لـ"العربي الجديد" إنّه حصل على نسبة مرتفعة في امتحان الثانوي، لكنّ جامعة الكويت رفضت قبوله مما اضطره للتقدم إلى إحدى الجامعات الخاصة التي رفضت قبوله أيضاً بالرغم من أنه سيدرس على حسابه الخاص. وقرر الشمري عند تلك النقطة الاتجاه للدراسة في الخارج بعد الرفض، لكنّه اصطدم مجدداً برفض وزارة الخارجية اعتماد شهادته الثانوية، وهو شرط أساسي للجامعات في الخارج كي تقبله في صفوفها. وهكذا يدخل أحمد عامه الثاني وهو يحاول الحصول على تعليم جامعي من دون جدوى، ويقول إنّ هناك الآلاف من الطلاب والطالبات "البدون" يعانون من مصير يشبه مصيره.
في هذا الإطار، حاول مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي الضغط على وزارة التعليم العالي لقبول أكبر عدد ممكن من الطلاب "البدون" في جامعة الكويت لكنّ الوزارة قالت إنّها لا تستطيع تجاوز صلاحيات الجهاز المركزي الذي يعتبر "الحاكم الآمر" في ما يخص الطلاب "البدون" في جامعات البلاد كافة.
من جهتها، فشلت هيا العنزي، وهي شابة من "البدون" تخرجت قبل ثلاث سنوات من الثانوية العامة، في إكمال تعليمها الجامعي بالرغم من حصولها على نسبة 94 في المائة في القسم العلمي، وذلك بسبب عدم امتلاكها أيّ ورقة ثبوتية بأنّها على قيد الحياة في الكويت سوى "بلاغ الولادة" الذي يمنح لأطفال "البدون" حين ولادتهم. حاولت هيا الحصول على استثناء من وزير التعليم العالي للدخول إلى جامعة الكويت، لكنّها اصطدمت بعدم امتلاكها وثيقة تدلّ على صورتها الحقيقية، كما أنّ الجامعات الخاصة رفضت قبولها امتثالاً لأوامر الجهاز المركزي، ولم تستطع هيا الحصول على جواز سفر يخولها دراسة الطبّ في الأردن، بالرغم من أنّها حصلت على منحة كاملة من إحدى الجمعيات الخيرية في الكويت لدراسة هذا الاختصاص. وتصف هيا ما حدث بأنّه "تفريط في الطاقات والأدمغة وإهدارها من دون جدوى". ودرست هيا دبلوم الكومبيوتر في معهد خاص غير معترف به، وتعمل الآن سكرتيرة في شركات تقنية في العاصمة الكويت، براتب متدنٍ جداً.
يقول الناشط في قضية "البدون" عبد الكريم الشمري لـ"العربي الجديد" إنّ ما يحدث إعدام مدني وتضييع لأدمغة ومواهب وطاقات كان يمكن للكويت أن تستفيد منها، لكنّ سياسة التضييق على "البدون" أدت إلى عجز وزارة التعليم العالي نفسها - التي تحاول خدمة الطلاب "البدون"- عن تدريس هؤلاء الطلاب في الجامعات الحكومية أو الخاصة.
بدوره، يقول ناصر العجمي، وهو مسؤول مؤسسة خيرية تعنى بتدريس الطلاب الفقراء، ومن بينهم الطلاب "البدون"، إن غالبية المنح التي يتبرع بها التجار الكويتيون تتوجه إلى الطلاب "البدون" المتفوقين، لكنّ "المال ليس المشكلة"، وفق ما يقول، بل الإجراءات المشددة التي يفرضها الجهاز المركزي على الطلاب والتي منعت أغلبهم من الدراسة الجامعية بسبب إصرار الجهاز على توقيع الطلاب أوراقاً يقرّون فيها بامتلاك جنسيات أخرى.
لكنّ الأمر لم يقتصر على عدم إمكانية حصول الطلاب المتخرجين من الثانويات العامة على التعليم الجامعي بل امتد إلى الطلاب الجامعيين الذين يدرسون في الخارج، إذ فوجئ يوسف طعمة، وهو شاب من فئة "البدون" يدرس طبّ الأسنان في الأردن، بقرار سحب وثيقة سفره (جواز المادة 17 الذي يمنح للبدون) بحجة أنّه حصل عليها من دون موافقة الجهاز المركزي. وحاول يوسف الخروج من مطار الكويت بعد فتح الرحلات الجوية التي توقفت بسبب فيروس كورونا، لكنّ سلطات المطار قررت سحب جوازه وطلبت منه مراجعة الجهاز المركزي، ما يعني أنّه لن يتمكن من التخرج من الجامعة الأردنية بالرغم من أنّها السنة الدراسية الأخيرة له. ويصف طعمة الجبر، وهو والد يوسف، ما حدث لـ"العربي الجديد" قائلاً: "هو أمر يبعث على الحسرة، فهذا الكمّ من الجهد الذي بذله ابني وهذا الكمّ من المال الذي بذلته أنا سيضيعان هباءً منثوراً بسبب إصرار الجهاز المركزي على توقيعي أوراقاً أقر فيها بانتمائي لبلد مجاور لا أعرفه أبداً".