غداة تسريب موقع بوليتيكو خبر موافقة غالبية أعضاء المحكمة العليا الأميركية التي تضم غالبية من القضاة الجمهوريين على مسوّدة مشروع قرار يتوقع أن يصدر في يونيو/ حزيران المقبل لإلغاء حق المرأة في الإجهاض في البلاد، وقّع الحاكم الجمهوري لولاية أوكلاهوما (جنوب) كيفن ستيت قانوناً يحظر إجراء أي عملية إجهاض بعد 6 أسابيع من الحمل. وقال: "أمثّل جميع سكان أوكلاهوما الـ4 ملايين الذين يريدون بغالبية ساحقة حماية الأطفال الذين لم يولدوا بعد. أريد أن تصبح أوكلاهوما الولاية الأكثر تأييداً للحياة في البلاد".
وتشير الوثائق المسرّبة لمشروع القرار إلى أن المحكمة العليا ستعطي كل ولاية على حدة صلاحية حظر الإجهاض أو السماح به، علماً أن القانون المطبق الذي أقرّته المحكمة نفسها عام 1973 يمنح المرأة حق إنهاء حملها طوعاً خلال 22 أسبوعاً من بدء الحمل، ما دام جنينها غير قادر على البقاء على قيد الحياة خارج رحمها. وكانت ولاية تكساس التي يقودها حاكم جمهوري أيضاً قد أقرّت في أيلول/ سبتمبر 2021 قانوناً يحظر إجهاض أي جنين حين يصبح نبض قلبه محسوساً في الموجات فوق الصوتية، أي بعد أربعة أسابيع تقريباً من حصول الإخصاب.
وأفاد موقع بوليتيكو بأنّ "مسوّدة القرار صاغها القاضي الجمهوري صامويل آليتو في 10 فبراير/ شباط الماضي، انطلاقاً من اعتقاده بأن قرار حق الإجهاض الصادر عام 1973 خاطئ ومعيب". ونقلت عن القاضية الجمهورية إيمي كوني باريت التي أيّدت المسوّدة قولها خلال جلسة نقاش شهدت سجالاً بين مؤيدي الإجهاض ومعارضيه: "لماذا تحتاج النساء إلى الإجهاض بعدما سمحت قوانين الملاذ الآمن للأمهات الجدد بتسليم الأطفال حديثي الولادة من دون أن يتم القبض عليهن؟".
في المقابل، وصفت مجموعات مناهضة لتقييد حقوق الإجهاض في الولايات المتحدة القرار المرتقب بأنه "سابقة تطاول حقوق المرأة، ومعايير الديمقراطية والقيم الأميركية". ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن ناشط في إحدى هذه المجموعات قوله إن "وثيقة المحكمة لا تتعلق فقط بمدى حق المرأة في الاحتفاظ بجنينها أو التخلي عنه، بل له أبعاد تتعلق بمفهوم الحرية. فهل المرأة حرة في التصرف بجسدها كما تشاء، أم مقيدة بالقوانين؟".
كذلك أبلغت رئيسة مركز الحقوق الإنجابية نانسي نورثوب الصحيفة ذاتها بأن "القرار يمثل أسوأ انتكاسة لحقوق المرأة في تاريخ البلاد"، علماً أنه يتوقع أن ينظم نشطاء يؤيدون حقوق الإجهاض احتجاجات في أنحاء الولايات المتحدة للضغط من أجل إلغائه، في وقت تظهر استطلاعات للرأي أن غالبية الأميركيين يعارضونه".
ومن دون إمكان الوصول إلى عمليات إجهاض قانونية، يرجح أن تلجأ النساء إلى عمليات غير شرعية تتسبب في تأثيرات أكثر عنفاً وخطورة بالنسبة إلى النساء الفقيرات غير القادرات على السفر إلى ولايات تسمح بالإجهاض، وأخريات سيلجأن إلى أدوات غير قانونية للتخلص من الأجنّة، بينها تناول أدوية وعقاقير يمكن جلبها من الإنترنت.
إلى ذلك، طرحت "نيويورك تايمز" أسئلة كثيرة عن إلزامية تطبيق كل الولايات قرار المحكمة العليا، أو إمكان رفضه، وكذلك عن مستقبل الصحة الإنجابية في أميركا، والآليات التي قد تتوفر للحزب الديمقراطي من أجل مواجهته، خصوصاً أنّه يتزامن مع الانتخابات النصفية للكونغرس ومجلس الشيوخ المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
رو ضد ويد
وبالعودة إلى قضية "رو ضد ويد" التي أفضت إلى عقيدة قانونية عادت إلى عام 1973، وكرّست حماية دستور الولايات المتحدة حرية المرأة الحامل في اختيار الإجهاض، فتعود إلى عام 1969 حين أرادت نورما ماكورفي التي تعرف بالاسم المستعار "جين رو" التخلص من طفلها الثالث، لكن قوانين ولاية تكساس لم تكن تسمح بذلك إلّا عند الضرورة لإنقاذ حياة الأم.
ودفع ذلك المحاميتين سارة ويدينغتون وليندا كوفي اللتين عينتهما رو لمتابعة قضيتها إلى رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية ضد محامي ولاية تكساس، هنري ويد، واعتبرتا أنّ قوانين الإجهاض في تكساس غير دستورية.
في يناير/ كانون الثاني 1973، أصدرت المحكمة العليا قرارها لصالح رو، استناداً إلى "الحق في الخصوصية" الذي يسمح للمرأة الحامل باختيار الإجهاض، ويعطيها حق التصرف في جسدها من دون قيود قانونية. أما مسوّدة الرأي الجديد التي عرضها القاضي آليتو فتشكل انقلاباً حقيقياً على قرارات تميزت بها الولايات المتحدة.