من الفقر إلى الرِّيادة

10 ديسمبر 2014
الاردن يتطلع الى بناء منظومة اقتصادية جديدة(فرنس برس/GETTY)
+ الخط -
لا يُلام من يردد الجملة الشهيرة القائلة بأن "الأردن بلد فقير في موارده الطبيعية"، فقد تعوّد الشارع الأردني، ومنذ ستينيات القرن الماضي، على سماع هذه العبارة باستمرار عبر مختلف القطاعات الاقتصادية. لا بل ترسّخ هذا المفهوم في أذهان الكثيرين بأن الأردن بلد فقير، فعلاً، في موارده الطبيعية، لا يستطيع أن يحقق الاكتفاء الذاتي وأن يرفع مستوى المعيشة لمواطنيه إلا بدعم مالي خارجي، فهو بذلك، قد حُكِمَ عليه بالضُعف الأزلي.
هذه الاسطوانة المكررة، وإن لم تنكسر تماماً اليوم، إلّا أنها بدأت تتعرض للشروخ. فخلافًا لما جرى تسويقُه طيلة العقود الماضية عن شُح الموارد في الأردن، فإن الحقائق على الأرض باتت تشير إلى عكس ذلك تماماً.

مشاريع جديدة
فقد صرّح رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد الله النسور أخيراً، خلال تدشينه للمشروع الأول من نوعه في المنطقة لإنتاج الكهرباء والنفط من الصخر الزيتي المحلي، بأن "حلم" استخراج النفط من الصخر الزيتي "قد بدأ يتحقق"، وهو الحلم الذي سيجعل المملكة من "رُوَّاد" صناعة الصخر الزيتي في الشرق الأوسط وفي شمال أفريقيا، والذي "سيسد احتياجات الأردن من الطاقة لـ 700 عام".
ولم يبتعد رئيس هيئة الطاقة الذرية، الدكتور خالد طوقان، كثيراً عن الرؤية السابقة. حين اعتبر الأخير، في محاضرة ألقاها في معهد الإعلام الأردني، أن مخزون الأردن من خام اليورانيوم "سيسد احتياجات الأردن لـ 90 عاماً في توريد الطاقة". بل إنه ذهب أبعد من ذلك حين وضع الأردن في مصاف الدول "المصدرة لليورانيوم" بحلول عام 2020، معتمداَ على دراسات أشارت إلى وجود نحو 65 ألف طن من اليورانيوم في مناطق وسط الأردن، بل إن "كل الصحراء الجنوبية" تحتوي على هذا الخام النفيس.
وهكذا، وفي ظرف أيام، انتقل الأردن من بلد "فقير" في موارده الطبيعية إلى بلد من "روّاد" صناعة الصخر الزيتي و"مصدراً" لليورانيوم في آن واحد!
وفي الواقع، فإن الأردن يحتوي على حوالي 70 مليار طن من احتياطي الصخر الزيتي، ما يجعله رابع أكبر مركز للصخر الزيتي في العالم. حيث تقدر كمية النفط المتوقع إنتاجها من الصخر الزيتي، ابتداء من عام 2017، بنحو 83 ألف برميل يوميا لتشكل ما نسبته 53% من إجمالي احتياجات المملكة من النفط يومياً.
وسيكون بمقدور الأردن أن يصبح بلداً مُصدِّراً للنفط بحلول العام 2026، حيث تشير التقديرات إلى إمكانية تجاوز معدلات إنتاج النفط من الصخر الزيتي مستوى المليون برميل يومياً، وهو ما يفوق ما يستورده الأردن من احتياجاته اليومية من الطاقة بستة أضعاف المرة.
وفي بلد يستورد 97% من احتياجاته للطاقة، فإن الاستفادة من مخزون الأردن من خام اليورانيوم في بناء مفاعل نووي، الذي يتوقع الانتهاء منه في عام 2022، سيعمل على تخفيض تكلفة إنتاج الكهرباء بواقع 60%، حيث سيكلف نحو 7 قروش للكيلو واط، مقارنة بسعره الحالي الذي يقدر بنحو 18 قرشا. ما يعني أن شركة الكهرباء الوطنية ستربح سنويا 750 مليون دولار بدلاً من مراكمة الخسائر، التي تجاوزت 6 مليارات دولار، وذلك نتيجة الاعتماد على الوقود الثقيل المستورد في إنتاج الكهرباء.
إن الحقيقة، التي لم تستطع الحكومات المتعاقبة استيعابها، هي أن الموارد الطبيعية لا تقاس، فقط، في عدد حقول النفط والغاز الموجودة في جوف الأرض، بل في المقدرة على استغلال ما نملك من ثروات بكل كفاءة واقتدار. فها هي العديد من البلدان الفقيرة في الموارد، تُقدِّم لنا دروساً في كيفية استغلال مواردها الطبيعية، لسد النواقص التي تؤثر على الاقتصادات والمجتمعات في آن. إذ إنه يوجد أمثلة تؤكد أن عددا من البلدان استطاع تأمين أكثر من 90% من احتياجاته من الكهرباء من خلال الحرق المباشر للصخر الزيتي، وهذا الواقع ساعد هذه الدول على الانتقال إلى مصاف دول الفائض المالي والرخاء.
المطلوب، اليوم، هو أن نخرج من حالة الفكر العقيم الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه من عجز مالي مزمن ومستوى مديونية غير مسبوقة. فالأردن قادر، من خلال العديد من البدائل والمقومات الكفيلة في حل مشاكله الاقتصادية، على بناء مستقبل زاهر بصور زاهية ومشرقة. فكل ما هنالك إننا عجزنا عن استغلال ما نملك من إمكانات وثروات طبيعية طيلة عقود من الظلام.
دلالات
المساهمون