يمكن أن تحتفي المنظمات الحقوقية بانتصار صغير في خصوص طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي، لا سيما إيطاليا التي أوقفت الترحيل بأمر قضائي. مع ذلك، يستمر العنف والترحيل في سلوفينيا وكرواتيا.
بعد سلسلة انتقادات أممية، خصوصاً من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة العفو الدولية، لسياسة الاتحاد الأوروبي في ترحيل طالبي اللجوء، ومنعهم من تقديم قضاياهم أمام السلطات المختصة، بما يخالف القوانين الدولية، أوقفت المحاكم الإيطالية أخيراً، بأوامر صريحة من محكمة الاستئناف "الترحيل غير القانوني لطالبي اللجوء إلى خارج حدود الاتحاد الأوروبي". لكنّ ذلك لا يعني توقف الانتهاكات المتواصلة في دول مثل سلوفينيا وكرواتيا، حيث يجرى عملياً التنكيل جسدياً بالمهاجرين مع إجبارهم على العبور نحو البوسنة والهرسك (خارج الاتحاد الأوروبي)، وفقاً لتوثيق تلك المنظمات وغيرها المحلية غير الحكومية في البلقان.
الخطوة الجديدة التي بررتها محاكم الاستئناف في إيطاليا تقوم على "عدم تجاهل تعرض المهاجرين للعنف على حدود الاتحاد الأوروبي" في إشارة إلى حياة البؤس والعنف بحق العالقين على الحدود البوسنية - الكراوتية. وكانت منظمات حقوقية عدة، ومؤسسات تعنى بشؤون اللاجئين، مثل مجلسي اللجوء في كوبنهاغن وأوسلو، وثقت الانتهاكات التي يتعرض لها طالبو اللجوء، ومنهم من جرى ترحيله من حدود الاتحاد الأوروبي، وسجلت تلك المنظمات والمؤسسات "عنف وضرب الشرطة الكرواتية لطالبي لجوء من دول آسيوية جرى ترحيلهم بشكل غير قانوني، قبل أن يقدموا طلب اللجوء في إيطاليا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي المجاورة لمسار البلقان" وهو ما أشارت إليه منظمة العفو الدولية ومنظمة الهجرة الدولية، كما منظمات حقوقية أوروبية.
وكانت المحاكم الإيطالية تنظر منذ سبتمبر/ أيلول الماضي في استئناف تقدمت به منظمة غير حكومية في روما معنية باستقبال اللاجئين، إلى المحاكم الإيطالية، بناء على شكوى تقدم بها طالب لجوء باكستاني يدعى زيشان محمود (27 عاماً، مهندس) جرى ترحيله إلى سلوفينيا ثم كرواتيا ومنها أُجبر تحت "الضرب العنيف" للمغادرة نحو البوسنة والهرسك. واعترفت تلك المحاكم في قرارها أنّ السلطات الإيطالية حرمت الآلاف من المهاجرين من حق طلب اللجوء في الاتحاد الأوروبي وطردتهم بشكل غير قانوني، مع علمها أنّهم سيتعرضون على الأرجح للعنف والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية في الدول التي رحّلوا إليها. واعتبرت قاضية الاستئناف في القضايا المتعلقة بالحقوق الشخصية والهجرة، سيلفيا ألبانو، أنّه جرى عملياً خرق حقوق زيشان محمود، وغيره من المهاجرين "وهؤلاء لديهم الحق في التماس الحماية الدولية في إيطاليا (طلب اللجوء)، وعليه يتوجب، على الفور، اتخاذ السلطات الإيطالية جميع الإجراءات اللازمة لمنح محمود دخولاً فورياً إلى أراضي الدولة الإيطالية"، معلنة أنّ على وزارة الداخلية "دفع تكاليف القضية للمستأنف محمود، بالإضافة إلى سداد المصاريف الثابتة"، وفقاً لنص قرار المحكمة الذي نشر على صفحتها الرسمية. ويعتبر القرار سابقة يبنى عليها في علاقة إيطاليا بترحيل المهاجرين نحو دول خارج الاتحاد الأوروبي. ووفقاً للصحافة الإيطالية، فإنّ السفارة الإيطالية في سراييفو تواصلت مع زيشان محمود، لترتيب أوراق سفر خاصة إلى إيطاليا، ومتابعة استئناف قضيته، ما يعني أنّ المئات ممن يجدون أنفسهم يعيشون في ظروف صعبة على الحدود البوسنية - الكرواتية، ممن رحّلوا قسرياً من إيطاليا، سيكون متاحاً لهم تقديم الاستئناف نفسه في روما.
القرار المشار إليه، والذي التزمت به الداخلية الإيطالية، أثار غضب اليمين المتشدد، خصوصاً وزير الداخلية السابق عن حزب رابطة الشمال، ماتيو سالفيني. واعتبر هؤلاء أنّ قرار محكمة الاستئناف "جنون ومثير للسخرية". ويعتبر القرار ضربة موجعة لليمين الإيطالي المتشدد، خصوصاً لاتفاقاته الثنائية مع دول عدة لترحيل المهاجرين إليها، وهو ما يسري على اتفاقيات مع دول أخرى خارج حدود الاتحاد الأوروبي، سعى ويسعى اليمين الإيطالي إلى تطبيقها مع دول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتشير منظمة مساعدة اللاجئين والمقيمين غير الشرعيين في إيطاليا، المعروفة باسم اتحاد التضامن الإيطالي "ICS"، إلى اتساع نطاق التعذيب الجسدي الذي يتعرض له المرحّلون إلى سلوفينيا وكرواتيا. ووصفت المنظمة ما يجري بحق طالبي اللجوء بأنّه "يتعارض تماماً مع مبادئ وقيم الاتحاد الأوروبي والمواثيق الدولية الموقعة عليها". وفي هذا السياق، ذكّر مدير اتحاد التضامن الإيطالي في تريستي الحدودية الشمالية مع سلوفينيا، جيانفرانكو شيافوني، باتساع نطاق المخالفات بالترحيل والتعذيب الممنهج الذي تقوم به شرطتا سلوفينيا وكرواتيا. وأعطى من قصة محمود وثلاثة من رفاقه، من بين 40 شخصاً جرى ترحيلهم بعد ساعات من وصولهم إلى مدينة تريستي، أمثلة عن التعذيب: "جرى في سلوفينيا ضربه ضرباً مبرحاً، وسلّم إلى الشرطة الكرواتية التي واصلت ضربه، وأجبرته على خلع ملابسه، وأخذت هاتفه، ثم ألقت به عند الحدود البوسنية ليواصل دخولها عبر منفذ جبلي". وعملياً تجرى هذه الممارسة الشائعة، بحسب ما تصف منظمات عدة، ومن بينها منظمة العفو الدولية، بحجة "حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي" أي طرد طالبي اللجوء خارج حدود الدول المنضوية في الاتحاد، وبالتالي تسقط حقوق الشخص كافة بطلب اللجوء أو تقديم قضيته أمام المحاكم الوطنية.
ووفقًا لمنتقدي سياسة الهجرة في أوروبا، فإنّ الإستراتيجية الإيطالية المتبعة منذ عام 2018 تشير إلى "تزايد اللامبالاة الأوروبية تجاه القيم والقوانين التي يزعم الاتحاد الأوروبي نفسه أنّه يمثلها"، بحسب ما وثقت "شبكة مراقبة عنف الحدود" (منظمة أوروبية غير حكومية) التي عبّرت عن قلقها من تزايد حالات العنف: "منذ الصيف الماضي انضمت إيطاليا، أحد مؤسسي الاتحاد الأوروبي، إلى سياسة الترحيل نحو سلوفينيا وكرواتيا، مع علمها أنّ الشرطة الكرواتية تمارس العنف بحق مجموعات أفغانية وباكستانية على وجه الخصوص".
اعترفت الحكومة الإيطالية أنّها بين مايو/ أيار وسبتمبر/ أيلول 2020 رحّلت نحو 850 مهاجراً باتجاه سلوفينيا، وعلى الرغم من أنّ الأخيرة عضو في اتفاقية "شينغن" لكن لا يبدو أنّ مسألة احترام طلبات اللجوء من أولوياتها، أو تلتزم بها وفقاً للمعايير الأوروبية. مفوضة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، اعترفت بوجود انتهاكات، حين صرحت نهاية العام الماضي بأنّه "لا يمكننا حماية حدود الاتحاد الأوروبي من خلال انتهاك القيم الأوروبية وحقوق الناس".
وعلى الرغم من ذلك تبدو التصريحات عن إصلاح نظام الهجرة واللجوء، والاتفاقية التي توصل إليها الأوروبيون لانتهاج سياسة تضامن بين دول الأعضاء للتخفيف عن كاهل الدول التي يصلها أعداد كبيرة، لا تفيد بشيء في وقف الانتهاكات المتواصلة في البلقان. ومثلما أيد الاتحاد الأوروبي الإجراءات اليونانية، على الرغم من توثيق منظمات حقوقية انتهاكات تطاول طالبي اللجوء، يؤيد الاتحاد في ما يبدو انتشار الجيش الإيطالي على حدود سلوفينيا والطرد التعسفي لطالبي اللجوء، بحسب تصريحات جيانفرانكو شيافوني في تريسي. وعلى الحدود المقابلة، في سلوفينيا، تقول مديرة تجمع المنظمات غير الحكومية السلوفينية، كاتارينا بيرفار ستيرناد، إنّ "سلوفينيا تنتهك أيضاً الاتفاقيات الدولية وقانون الاتحاد الأوروبي عند إعادة المهاجرين إلى كرواتيا، إذ من الموثق جيداً أنّهم في كرواتيا معرضون لخطر العنف وسيتم ترحيلهم من الاتحاد الأوروبي من دون الاستماع إلى طلباتهم الخاصة باللجوء".
السياسة الأوروبية في العموم تبدو مقلقة، حين يُسمح لخفر السواحل اليونانيين بثقب مراكب المهاجرين المطاطية، وإجبار أخرى متهالكة ومكتظة على العودة نحو تركيا، وتقوم دول أعضاء في الاتحاد بانتهاك واضح للمواثيق وغض الطرف عن عمليات تعذيب وضرب. كذلك، فإنّ "دول الاتحاد الأوروبي تتجه عملياً نحو تعليق الحق في طلب اللجوء، بمنع الأشخاص من دخول الأراضي المنضوية في النادي الأوروبي، أو ترك الأمور تسوء أكثر في المخيمات التي تضم آلافاً منهم في ظروف مروعة، وهو ما يعني الاستمرار في سياسة محاولة ردعهم عن المجيء إلى أوروبا" بحسب خبيرة الهجرة، هانا بيرنس، التي تصف سياسة الهجرة واللجوء الأوروبية بـ"الفاشلة".