مهاجرون ليبيون يعودون إلى بلدهم

29 ديسمبر 2020
+ الخط -

برزت هجرة الليبيين عبر البحر منذ منتصف عام 2016، إذ هرب كثيرون بـ"قوارب الموت" التي يديرها مهرّبو بشر، استغلوا الانفلات الأمني في البلاد. بعض هؤلاء، لا سيما الشباب، قرروا العودة إلى ليبيا.

على الرغم من نجاح عدد من المهاجرين السريين الليبيين في الاستقرار بدول أوروبية، بعد خوضهم رحلة الهجرة الخطيرة عبر البحر الأبيض المتوسط في السنوات الماضية، فإنّ بعضهم فضّل العودة إلى ليبيا، راضياً بالحياة التي أجبرته في السابق على مواجهة تلك المخاطر. يؤكد المسؤول في فرع جهاز مكافحة الهجرة بالقربولي، شرقي طرابلس، رمضان الشيباني، أنّ السلطات المعنية بالمهاجرين في البلاد لا تملك إحصاءات حول الليبيين المهاجرين. ويوضح الشيباني لـ"العربي الجديد" أنّ "الهجرة بهذه الطريقة مخالفة للقانون ويجرّم فاعلها، وبالتالي لا تتوفر لدينا معلومات، فهي تحدث بالتجاوز وبعيداً عن أعين سلطة القانون" لكنّه يقرّ بوجودها لا سيما بعد انكشافها أمام وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، إذ وثق مهاجرون صور مغادرتهم الشواطئ الليبية.

 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

 


مع ذلك، عاد بعضهم إلى البلاد "بعد تجربة أليمة" كما يصفها بشير المجبري، وهو ثلاثيني من مدينة أجدابيا، شرقي البلاد، باشر منذ عام، إثر عودته، حياة جديدة ملتحقاً بوالده الذي يدير ورشة تصليح سيارات خاصة به. يقول المجبري لـ"العربي الجديد" إنّ "الحياة وسط دفء أسرتي أفضل بكثير من صقيع أوروبا على الرغم من وهجها وزخم حركة الحياة فيها". في مطلع العام 2019، قصد المجبري، رفقة ثلاثة من أصدقائه، غربي البلاد، بعد الاتفاق هاتفياً مع مهربين في مدينة صرمان (غرب) على تأمين هجرتهم مقابل مبالغ مالية، لكنّ مخاوف المجهول اضطرت اثنين منهم للعودة إلى ليبيا قبل ركوبهم البحر، وبقي المجبري، وصديقه علي، من المدينة نفسها. اضطر الصديقان للبقاء أكثر من شهر، في مركز التهريب الساحلي، بانتظار قارب آمن وللسؤال أكثر، قبل أن يهاجرا رفقة 23 مهاجراً من جنسيات أفريقية مختلفة. يصف رحلته بـ"المرعبة" مضيفاً: "على الرغم من ركوبي البحر سابقاً، فإنّ قصص غرق القوارب كانت ماثلة أمام عينيّ، لكنّي كنت أقاومها طمعاً في حياة جديدة". يلفت إلى أنّ القارب لم يبحر أكثر من ساعتين قبل أن تقترب منهم سفن منظمات الإنقاذ الدولية وتنقلهم الى مقار تجميع المهاجرين في جنوب إيطاليا. يتابع: "هناك بقينا كغيرنا من المهاجرين نتلقى الرعاية الصحية والغذاء، ولم يسمح لنا بالمغادرة كما كنت أتخيل فالسلطات الإيطالية ترفض المهاجرين". ولحسن حظ صديقه فقد استطاع إقناع فرق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بظروفه القاسية والملاحقات الأمنية التي يعبشها، وساعده في ذلك إتقانه الإنكليزية، فجرى قبوله كلاجئ في هولندا، التي ما زال مقيماً فيها. لكنّ المجبري، الذي بقي في مقرات المهاجرين في إيطاليا، متنقلاً بين واحد وآخر، اصطدم بواقع مختلف عما هيأت له أحلامه، كما يقول. يتابع: "بعد ثمانية أشهر، سمح لي بالخروج الى مناطق في الجنوب شريطة العودة نهاية كلّ يوم، وبعدما تأكدت من أنّ ظروف الحياة لم تكن كما أتخيل، وأنّ فرص العمل معدومة، قررت العودة".

 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

 


لا توجد في ليبيا هيئات دولية أو محلية تساعد الراغبين في العودة للبلاد، فبرنامج "العودة الطوعية" مفتوح في ليبيا للمهاجرين الأفارقة، كما يقول الشيباني. يضيف: "المهاجرون الليبيون لا يشكلون ظاهرة، وأغلبهم انصهروا واندمجوا في البلاد التي هاجروا إليها. لذلك، لا يوجد مثل هذا النوع من البرامج". لكنّ منظمات تعمل في مجال المساعدات الإنسانية تقدم مثل هذا النوع من الخدمات التي استفاد منها المجبري، وتمكن من العودة جواً إلى مطار بنغازي. يقول: "كنت متوجساً من التحقيق معي واحتجازي من قبل سلطات المطار لكنّ دخولي كان عادياً، وعدت إلى أسرتي التي كنت قد أبلغتها بعودتي مسبقاً".


للشاب صابر الغزاوي (26 عاماً) تجربة أخرى، فقد عاد إلى منزل أسرته بعد ستة أشهر من هجرته. يروي تلك التجربة التي لا يحب أن يتذكرها عادة، مشيراً إلى أنّ عودته من الجزر الإيطالية تشبه الفرار من الموت. وبعد وصفه رحلته عبر مراكز التهريب على الساحل الليبي وانتقاله إلى شواطئ الجزر الإيطالية التي لا تختلف كثيراً عن رحلة المجبري، يقول: "إذا بقيت في مركز اللجوء فإنّ هذا يعني أنّك لن تحصل على فرصة عمل أو حياة، ولذلك فإنّ الخيار الآخر هو الهرب، وهذا يعني أن تعيش متسولاً وتصنف كهارب خارج عن القانون، كالمجرم". بعد تواصله مع من سبقه في تجربة الهرب عبر البحر من المركز الذي كان فيه، تأكد صابر من أنّ السبيل الوحيد لتأمين بقائه وعيشه هو أن يتزوج من أجنبية ليتحصل على أوراق ثبوتية. لكنّها طريقة للعيش لم تكن كما يتخيلها عندما واجه الموت عبر البحر، ويعلق: "سُدّت كلّ الطرق في وجهي، كما أنّني أرفض البقاء طوال عمري رهين زوجة لا أعرفها وأبناء سيكون مصيرهم مجهولاً، لذلك قررت العودة وعدم خوض هذه التجربة". والآن، يعمل صابر سائق أجرة، على سيارة، وفرت له والدته ثمنها.