ما زالت السلطات المعنية بمراقبة الأسواق في ليبيا تلاحق التعديات المرتبطة بالمواد الأساسية وغذاء المواطنين، وسط الانفلات وغياب القانون الذي عانت منه البلاد طيلة السنوات الماضية. وفي آخر بياناتها، أعلنت إدارة الدعم والدوريات التابعة لجهاز الحرس البلدي أنّها ضبطت مواد غذائية تحتوي على مواد مسرطنة في مدينة أجدابيا شرقي ليبيا، مشيرة إلى أنّ العملية تمّت في خلال جولة تفتيش شملت عدداً من المحال التجارية بالمدينة.
وأوضح مسؤولون في إدارة الدعم والدوريات، في تصريحات صحافية، أنّ دورية تابعة للإدارة عثرت على كمية من المواد الغذائية منتهية الصلاحية وتحتوي على مواد مسرطنة، بحسب التقرير الذي أعدّه مندوب فرع مركز الرقابة على الأغذية بمدينة أجدابيا. ولفتوا إلى أنّ الدورية صادرت المواد الغذائية فور ضبطها ونقلتها إلى مقرّ الجهاز، حيث سوف يُصار إلى حصرها وإتلافها وفق الإجراءات القانونية المعمول بها.
وهذه ليست المرّة الأولى التي تعلن فيها السلطات المعنيّة عن ضبط أغذية تحتوي على مواد مسرطنة. ويعبّر عز الدين التائب من أجدابيا عن خشيته من أن يكون "الخطر أكبر من ذلك". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه الكميات ضُبطت في أثناء جولة تفقدية بمعنى أنّ هذه المواد متوفّرة في المحال التجارية ولم يتنبه لها أحد"، متسائلاً "لماذا لا تتحدّث السلطات عن نوع هذه المواد حتى يتنبّه لها المتسوقون ويتجنّبونها؟ ما حدث يدلّ بالتأكيد على عدم دراية المواطنين بمثل هذه المواد وإلا لأبلغوا عنها فوراً".
وفي مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، حذّر مركز الرقابة على الأغذية والأدوية مصانع المواد الغذائية من استخدام مادة "بونسيو" المستخدمة لصبغ بعض المنتجات الغذائية، وذلك لأسباب عدّة، أحدها أنّها مادة مسرطنة. أمّا في أغسطس/ آب من العام الماضي، حذّر مركز الرقابة على الأغذية والأدوية في ليبيا المخابز من استخدام مادة برومات البوتاسيوم التي تُعرَف بـ"سرطان الخبز"، لافتاً إلى أنّها ما زالت مستخدمة في صناعة الخبز. وقد خاطب المركز الجهات الضبطية لإطلاق حملات تفتيش على المخابز في هذا السياق. وأوضح المركز أنّ هذه المادة كانت تُستخدَم لأنّها تظهر الخبز بجودة عالية، لكنّه بعد إثبات منظمات دولية أنّها تؤدّي إلى الإصابة بالسرطان وأمراض الكبد، حُظرت بموجب كتاب رسمي عُمّم على كلّ الجهات ذات الصلة، مشيراً إلى أنّها ما زالت تُستخدَم من قبل بعض المخابز.
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التحذير أتى على خلفية إقفال مركز الرقابة على الأغذية والأدوية بعض المخابز في العاصمة طرابلس، معيداً سبب الإقفال إلى "مخالفات". ويبدو أنّ المركز لجأ إلى هذا الأسلوب غير المباشر للدلالة على أنّ تلك المخابز تستخدم المادة المسرطنة، ولم يذكر ذلك صراحة، نظراً إلى حجم نفوذ أصحابها.
لكنّه بعد موجة من الجدال في الأوساط ذات الصلة، أعلن المركز في منتصف مايو/ أيار الجاري عن نتائج بحث ميداني أعدّه فريقه واستند إلى 454 عيّنة من الطحين المستخدم في المخابز وكذلك من الخبز، مأخوذة من مخابز في خمسين مدينة ليبية. وقد بيّن البحث خلوّ العيّنات من مادة برومات البوتاسيوم التي تُستخدم في صناعة الخبز.
ويطالب ليبيون بأن يشمل المسح كلّ مخابز البلاد وألا يقتصر أمر التفتيش على عدد محدّد منها، إذ إنّ "حياة الناس تستحق ذلك". ويسأل التائب: "إذا كانت المخابز خالية من تلك المادة المسرطنة، فلماذا التحذير إذاً؟ وما هي أهميته؟ إلا في حال أراد المركز إثارة الخوف في نفوس الناس والتحذير من أمر غير موجود".
ويعبّر التائب عن استيائه من "القصور والضعف اللذَين تعاني منهما السلطات، في ملاحقة مثل هذه التجاوزات". يضيف: "لم نسمع أنّ الجهات الضبطية تجاوبت مع هذا التحذير وفتّشت المخابز، ونحن كمواطنين غير قادرين على معرفة المواد المكوّنة للخبز الذي نشتريه، فربّما يكون مسرطناً ونتناوله ونقدّمه لأسرنا كذلك".
في سياق متصل، يطالب الأستاذ الجامعي في علوم التغذية المكي الشيباني بـ"ضرورة نشر ثقافة الغذاء الصحي بين عموم الناس أوّلاً. وثانياً، يتوجّب على الجهات الرقابية والجامعية ووسائل الإعلام تنبيه الماس وتوعويتهم في ما يخصّ الطرق التي في متناولهم للتعرّف إلى المواد المسرطنة، من خلال الاطّلاع على بيانات المنتجات المستوردة". يضيف الشيباني لـ"العربي الجديد" أنّ "الأهم من ذلك هو نشر الإعلانات الخاصة بالعقوبات المرتبطة بمثل هذه الجرائم، حتى وإن لم يُصر إلى تنفيذها، ليعرف التجّار الجشعون أنّه في الإمكان ملاحقتهم قانونياً حتى بعد فترة من الزمن".