في قوائم عمّال الحضائر في تونس، تُدرَج أسماء موتى وعاطلين من العمل وغيرهم، فيما تُسجَّل تجاوزات أخرى تستدعي مطالبة بحلّ حاسم للمسألة
يفوق عدد عمّال الحضائر أو أصحاب عقود العمل المؤقتة في تونس 100 ألف عامل، وفق تقديرات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعي. لكنّ العدد غير دقيق بحسب مراقبين، إذ يشهد ارتفاعاً أكبر كلما احتاجت الدولة في قطاعات عدّة إلى أشخاص يعملون وفق عقود محدّدة زمنياً قد تتجدد أكثر من مرّة. وهي آلية لجأت إليها الدولة قبل سنوات لاستيعاب اليد العاملة بهدف التخفيف من الاحتقان الاجتماعي وسدّ بعض الشغور، وأصحاب الشهادات العليا مشمولون كذلك.
ولا يتوافر أيّ نظام أساسي لعمّال الحضائر، ويجري التعامل معهم من خلال منشورات خاصة. ويعمل نحو 60 في المائة منهم في الحراسة والتنظيف، فيما البقية في الأعمال الزراعية أو صيانة الحدائق العامة، ويتقاضون أجوراً لا تتجاوز 90 دولاراً أميركياً في الشهر. وهؤلاء غير مشمولين بأيّ تغطية اجتماعية، وقد تنتهي عقودهم في أيّ لحظة من دون الحصول على أيّ تعويضات. وينفّذ هؤلاء العمّال بمعظمهم احتجاجات مستمرة للمطالبة بالتسوية وبالانتداب الرسمي. وهذه مشكلة واجهتها الحكومات المتعاقبة في العشر سنوات الماضية فقط بالوعود والمفاوضات المستمرّة مع نقابات الشغل التي تنتهي من دون إيجاد حلول مع عدد كبير من هؤلاء العمّال الذين يمثّلون عبئاً كبيراً على ميزانية الدولة.
وتشوب هذا الملف جملة من التجاوزات، ولا سيما على مستوى عمليات الانتداب وتسوية الأوضاع، إذ يُنتدب آلاف منهم في المدارس والإدارات من دون أن تكون مهامهم واضحة، بالإضافة إلى أنّ عددهم يفوق احتياجات المؤسّسات. وقد تواصلت هذه الآلية منذ سنوات، ما أثقل كاهل ميزانية الدولة. كذلك تشوب عمليات الانتداب شبهات فساد عدّة وتلاعب بالقوائم التي تتضمّن أسماء أشخاص يعملون في مهن أخرى، سواء في القطاع الخاص أو العام، أو آخرين يتقاضون أجوراً من دون أن يعملوا.
وقد أكدت محكمة المحاسبات التونسية في تقارير سابقة تسجيل آلاف الأسماء الوهمية والحصول على أجور ومنح من دون ممارسة العمل الموكل إليهم، بالإضافة إلى عمل بعض الأشخاص من ضمن هذه الآلية من دون استكمال شروط الانتفاع بها، من قبيل العمل في وظيفة أخرى غير تلك التي منحه إياها هذا الإجراء، وذلك إلى جانب التجاوزات المتعلقة بعمليات تسوية الأوضاع. كذلك قامت المحكمة بعملية تدقيق في الآونة الأخيرة شملت أوضاع أكثر من 70 ألف عامل حضائر في مختلف الجهات، فتبيّن أنّ نحو تسعة آلاف عامل يتقاضون منحاً مزدوجة أو لديهم مشكلات تتعلق بحصولهم على معرّف جبائي أو أرقام تخص التغطية الاجتماعية.
منير خرايفي (39 عاماً) يعمل في تنظيف الحدائق العامة منذ أكثر من ستة أعوام، يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "كثيرين مدرجة أسماؤهم على قائمة عمّال الحضائر في تنظيف الحدائق العامة أو حدائق المؤسسات الرسمية، لكنّهم غير موجودين في ساحات العمل. وهو أمر معلوم لدى الجميع، الأمر الذي يصعّب عملية تسوية أوضاع آلاف الذين يعملون فعلاً في أعمال يومية".
وقد قامت وزارة التنمية والتعاون الدولي المكلفة التصرّف في الاعتمادات المخصصة لهذه الفئة من العمّال، بعملية تدقيق قبل عامَين استطاعت من خلالها التخلّي عن أكثر من 30 ألف عامل حضائر كانوا يتقاضون أجوراً من دون وجه حق. فبعض هؤلاء كانوا يعملون في قطاعات أخرى، سواء خاصة أو عامة، فيما تبيّن أنّ آخرين هم في عداد الموتى أو فاقت سنّهم الستين عاماً. كذلك ثمّة أشخاص يتقاضون أجوراً شهرية منذ سنوات، وهم يلازمون بيوتهم عاطلين من العمل.
في سياق متصل، أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في خلال الأيام الماضية، تلقيها عريضة تفيد بتعمّد موظّفين في إحدى معتمديات الكاف (شمال غرب)، تسجيل 40 شخصاً كعمّال حضائر يحصلون على قسط من أجرهم في حين أنّهم لا يعملون فعلياً". كذلك أشارت إلى أنّ "هؤلاء الأشخاص بالإضافة إلى كونهم من أصحاب الأملاك ولا تتوافر لديهم شروط العمل بمقتضى الآلية المذكورة (أصحاب سوابق عدلية، مالكو سيارات معدة لنقل البضائع،...) فيما البعض تجاوزت أعمارهم الخامسة والستين. وأمام جدّية التبليغ، أكدت الهيئة مباشرتها للأبحاث بمراسلة الجهات المعنية، وأُفيد بأنّ الأشخاص المبلّغ عنهم والذين لا تتوافر فيهم الشروط المطلوبة قد عُوِّضوا بأشخاص آخرين مستوفين للشروط. لكنّها لم تحصل على الوثائق التي تثبت التخلي فعلياً عن خدمات الذين انتُدبوا بطريقة غير قانونية ولا قائمة بأسمائهم، ولا ما يثبت تحديد المسؤوليات في هذه الانتدابات المباشرة، ولا ما يفيد باتخاذ أيّ إجراء إداري أو جزائي ضد المسؤولين عن ذلك.
وفي هذا الإطار، يقول عبد الرحمان فرحاني، وهو عضو في إحدى الجمعيات التي تكافح الفساد في البلاد، لـ"العربي الجديد" إنّ "ملف عمّال الحضائر واحد من بين أبرز الملفات التي تشوبها الخلل، وقد أثبتت هيئات رقابية عدّة سوء تصرّف في عمليات الانتداب. ولعلّ الأبرز تسجيل عمّال من ضمن هذه الآلية وتخصيص أجور لهم من دون أن يقوموا بأيّ مهام، أو تسجيل عمّال يشتغلون في مهن أخرى، فيحصلون بالتالي على أجرَين. كذلك، فقد ثبت تسجيل مئات من الموتى من ضمن عمّال الحضائر، فيما أجورهم تذهب إلى آخرين". ويشدد فرحاني على "وجوب إجراء عملية تدقيق وجرد مفصّل لعدد هؤلاء العمّال وتوزّعهم الجغرافي وتوزّع مهامهم بحسب القطاعات، لتسهيل عملية تسوية أوضاع الآلاف منهم".